الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 94 ) صحة بيع العين المرهونة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وذهب المحقق الشيخ أسد الله التستري(قده)[1] إلى بطلان عقد الراهن:- وقد استدل بثلاثة أدلة على البطلان:-

الدليل الأول:- إنه يوجد نهي عن عنوان بيع الراهن للعين المرهونة، ومادام يوجد نهي عن بيع الراهن وليس عمّا يلازمه فهذا يلزم منه الفساد، نعم إذا لم يكن النهي عنه للازمٍ عارض كالنهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة فإنَّ هذا النهي ليس عن البيع بذاته وإنما هو نهي عنه لأجل النداء لصلاة الجمعة فهذا لا يقتضي الفساد، أما إذا كان النهي عن عنوان البيع فهذا ستلزم الفساد مثل بيع أم الولد وبيع الوقف، وليس النهي في مقامنا كالنهي لأجل عنوان آخر مثل النهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة فإنَّ هذا لا يقتضي الفساد، أما إذا كان النهي عن نفس العنوان بما هو هو مثل النهي عن بيع أم الولد والوقف فهو يقتضي الفساد، وفي موردنا البيع عن الرهن هو ممنوع بهذا الشكل فهذا يقتضي الفساد.

يبقى شيء نذكره كمتتمة: - وهو أنه أين هو النهي عن بيع الراهن؟ لابد أن يكون مقصوده مرسلة عوالي اللآلي فإنَّ الوارد فيها أنَّ ( الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف )، وممنوعان يعني منهيان عن التصرف، وأحد التصرفات هو البيع، فلابد أن يكون مقصود الشيخ أسد الله هو هذا، ولا يوجد غير هذا النهي.

ولكن نقول: -

أولاً: - إنَّ النهي الموجود عندنا ليس وراداً إلا في هذه المرسلة، فأقصى ما عندنا هو أنهما ممنوعان يعني منهيان، ولكن هذه الرواية مرسلة فكيف الاعتماد عليها؟!!

ثانياً: - سلّمنا أنَّ النهي موجود ولكن النهي في المعاملة لا يقتضي الفساد إلا إذا كان إرشاديا، وإلا فالنهي والمنع التكليفي لا يقتضي الفساد في المعاملة وإنما يقتضي الفساد في العبادة، باعتبار أنَّ العبادة مشروطة بالقربة، والقربة أو العبادية لا تتأتى مع النهي، وهذا بخلافه في المعاملة فإنه لا يلزم فيها القربة حتى نقول هي لا تتأتى مع النهي، وهذا أمر ينبغي أن يكون من الواضحات.

ثالثاً: - إنه حتى لو سلّمنا أنَّ هذه النهي وارد في رواية معتبرة، وسلّمنا أنَّ النهي عن المعاملة يقتضي الفساد، ولكن هذا يتم فيما إذا استلزمت المعاملة التصرف في حق الغير - وفي موردنا الغير هو المرتهن -، فإذا كان تصرف الراهن وبيعه يستلزم التصرف في حق المرتهن فهنا نقول إنَّ النهي يقتضي الفساد هنا له وجاهة، لأنَّ بيع المرتهن للعين المرهونة يستلزم تصرفاً في حق الغير وهو المرتهن، ولكن يمكن أن نقول إنَّ البيع صحيح ولكن المشتري ليس له حق المطالبة بهذا المبيع إلا بعد انقضاء فترة الرهن، نعم هذا عيب في المبيع فللمشتري خيار العيب، فليس من البعيد أن يكون المراد من قوله عليه السلام ( الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف ) هو هذا، فهو ممنوع من البيع والتصرف باعتبار أنه يستلزم التصرف والتجاوز على سلطان الغير، وفي موردنا لا يوجد تجاوز على سلطان الغير، فإذا أردا أن نبني على كون البيع صحيحاً ولكن المشتري لا يتمكن أن يطالب بالمبيع إلا بعد انقضاء فترة الرهن فنعم هذا بيعٌ لشيءٍ معيب فيثبت الخيار للمشتري، فإذا التزمنا بهذا فسوف لا يستلزم هذا البيع تصرفاً في حق المرتهن، وإذا لم يستلزم تصرفاً في حق المرتهن فماذا يحكم بالبطلان؟!!

الدليل الثاني: - إنَّ الراهن ممنوع فترة الرهن من التصرف في العين المرهونة، يعني هو مُجحَّر عليه من التصرف فيها رغم أنه مالك، ولكن شرط صحة البيع اجتماع أمرين الأول أنَّ يكون مالكاً للعين والثاني أن يكون له سلطنة شرعاً على المنافع والتصرف، وفي المقام الراهن ليست له سلطنة حتى يبيع، والبيع مشروط بالملكية زائداً السلطنة على المنفعة والتصرف، وعليه فلا يقع البيع صحيحاً، لأنَّ صحة البيع مشروطة بشرطين ولكن الشرط الثاني مفقود في مقامنا وهو ملكية التصرف، فإنَّ الراهن ليست له ملكية التصرف في العين المرهونة بعد رهنها حتى يحق له البيع، فيكون بيعه باطلاً.

ويرد عليه: - إنَّ دعوى كون الراهن قد حُجِّر عليه التصرف في العين المرهونة ومُنِعَ من التصرف فيها أوّل الكلام، ونحن نقول إنَّ الراهن يمنع من التصرف وحُجّر فيما إذا كان تصرفه يُضيّق على حرية المرتهن ويمنعه من التصرف فحينئذٍ يكون الراهن مُحجَّراً عن كل تصرف من هذا القبيل، أما إذا أردنا أن نقول إنَّ التضييق ليس على المرتهن فإنَّ المرتهن قد أخذ العين المرهونة كوثيقة واحتفظ بها عنده تحفظاً عليها، فالعين باقية عنده، ولكن لنبنِ على كون البيع صحيحاً ولكن المشترى لا حق له في التصرف في المبيع إلا بعد انتهاء فترة الرهن، وإذا كان المشتري لا يعلم بكون العين مرهونة فسوف يثبت له حينئذٍ خيار العيب، فالمشكلة هي مشكلة المشتري، والتضييق الذي يلزم هو تضييق على المشتري، فإذا أردنا أن نقول إنَّ البيع صحيح فسوف لا يلزم التضييق على حرية المرتهن، فلماذا يكون الراهن محجوراً؟!! فإنَّ الراهن يكون محجوراً عن كل تصرف يضيّق على المرتهن أما التصرفات التي لا تضيّق على المرتهن شيئاً فلماذا يكون الراهن ممنوعاً منها، وهذا مطلبٌ ينبغي أن يكون واضحاً.

الدليل الثالث: - يظهر من الأدلة أنَّ البيع إذا صدر من المالك فلا يقع على وجهين بل يقع على وجهٍ واحد لا أكثر، وفي المقام نقول إنَّ البيع مادام قد صدر من المالك فحينئذٍ لا يقع على وجهين، يعني هو صحيح ولكنه موقوف على الاجازة، وإنما إما أن يكون صحيحاً لازماً أو يقع فاسداً، وحيث إنه لا يمكن أن يقع صحيحاً لازماً لأنه يلزم منه التضييق على المرتهن فيلزم في مثل هذه الحالة أن يكون باطلاً، والتعليل بقوله عليه السلام ( إنه لم يعصِ الله وإنما عصى سيده فإذا أجاز جاز ) الوارد في العبد الذي تزوّج من دون إذن مولاه لا ينطبق في موردنا على المالك البائع فإنه قد عصى الله تعالى، إنما الذي لم يعصِ الله تعالى فهو المرتهن، أما الراهن الذي باع العين المرهونة فهو قد عصى الله تعالى فيلزم أن يكون بيعه باطلاً.


[1] مقابيس الأنوار، الشيخ أسد الله التستري، ج.