الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 94 ) صحة بيع العين المرهونة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وكان من المناسب للشيخ الأعظم(قده) أن يذكر احتمالاً آخر:- وهو أن نقول إنَّ البيع يقع صحيحاً من دون حاجة إلى إجازة المرتهن، غايته هذا المبيع يكون معيباً فيثبت الخيار للمشتري الذي اشترى العين المرهونة، فالبيع لا تتوقف صحته على اجازة المرتهن وإنما يقع صحيحاً ولكنه يكون مسلوب المنفعة فترة الرهن، وحيث إنَّ هذا عيب فيثبت خيار العيب للمشتري، وهذا احتمال وجيه كان من المناسب للشيخ الأعظم(قده) أن يذكره، وهو لم يستعرض جميع الاحتمالات وهذا الاحتمال الذي ذكرناه من المناسب ذكره، وقد بنى عليه الحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[1] وكذلك اختاره السيد الخوئي(قده) في المنهاج، فكان من المناسب الإشارة إليه وإن كنّا لا نتبناه، ولكن بما أن كتاب المكاسب هو كتاب استدلالي وفيه بحث وعمق فكان من المناسب أن يذكره.

أما أدلة الشيخ الأعظم(قده): - فنقول: -

أما بالنسبة إلى الدليل الأول: - فهو تمسك لإثبات الصحة بالعمومات والاطلاقات مثل ﴿ وأحلَّ الله البيع ﴾ وقال إنَّ المانع إما هو الاجماع والقدر المتيقن منه حالة عدم الاجازة، وإما حديث ( الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف ) فأجاب عن هذا منصرف إلى التصرف الاستقلالي كما ذكرنا عنه فيما سبق، ففي مقام التعليق نقول:- إنَّ الاجماع لا يعتنى به، لكنه قال إنَّ القدر المتيقن من هو صورة عدم الاجازة، فعلى تقدير ثبوت الاجماع يثبت ذلك في صورة عدم الاجازة، ولكن الدليل الثاني الذي ذكره وهو الرواية فهي ضعيفة جداً، فإنها واردة في كتاب عوالي اللآلي، وكل رواياته العوالي هي من المراسيل، ولكن بقطع النظر عن جنبة الارسال نتمكن أن نقول إنه يمكن أن يكون هذا المنع للراهن والمرتهن من التصرف هو لأجل حق الآخر، فلأجل حق الآخر هو كونه ممنوعاً من التصرف، فعلى هذا الأساس الراهن ممنوع من التصرف لحق المرتهن، ففي مثل هذه الحالة نقول هو ممنوع من التصرف فصار المبيع معيباً، لأنَّ هذا المبيع متعلّق لحق المرتهن، فهو ممنوع من التصرف فيه شرعاً، فيكون المبيع معيباً، فيثبت خيار العيب للمشتري بين أن يفسخ هذا العقد لأن المبيع معيب - لأنه مسلوب المنفعة فترة الرهن - وبين أن يمضي البيع ويصبر حتى تنتهي فترة الرهن ويأخذ العين المرهونة من المرتهن، وهذا شيء وجيه أيضاً، يعني أنَّ الرواية حينما قالت ( الراهن المرتهن ممنوعان من التصرف ) هي كما تلتئم مع ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) تلتئم أيضاً مع هذا الاحتمال، فإذاً لا يمكن أن يبنى على ما أرداه الشيخ الأعظم(قده) من أنَّ البيع يقع صحيحاً موقوفاً على الاجازة، بل يمكن أن نفسّره بالشكل الذي بيناه، وبتالي تكون النتيجة هي أنَّ البيع يكون صحيحاً وليس موقوفاً على إجازة المرتهن، بل يكون متعلقاً لحق المرتهن، فإذا اطّلع المشتري على أنَّ المبيع معيباً بهذا الشكل ثبت له خيار العيب.

وأما بالنسبة إلى الدليل الثاني:- وهو صحيحة زرارة التي تقول ( إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده فإذا أجاز جاز ) فيفهم منه أنَّ كل بيع وقع متعلقاً لحق الغير فإذا أجاز صاحب الحق - وهو في موردنا المرتهن - صح البيع، ويمكن أن نجيب على ذلك بأن نقول:- إنَّ هذه ناظرة إلى التصرف الذي يوجب سلب حق الآخر، فالعبد إذا تزوج سلب حق المولى، لأنَّ العبد كل تصرف يتصرفه لابد وأن يجيزه المولى، فبتصرفه قد سلب حق الآخر- المولى - فحينئذٍ إذا أجاز المولى جاز العقد، وحينئذٍ نطبق هذا في موردنا فنقول إنَّ الراهن حينما باع العين لم يسلب حق المرتهن وإنما صار المبيع معيباً، فهو لم يسلبه حقه وإنما يبقى الحق للمرتهن غايته يكون المشتري ممنوعاً من التصرف في العين المرهونة وهذا عيب فيثبت له الخيار.

والنتيجة هي أنَّ الرواية ناظرة إلى العقد الذي يقع ويوجب سلب حق الآخر، وهنا العقد وقع من الراهن - وهو المالك - وهو لم يسلب حق الآخر، لا أننا نريد أن نقول نحن نأخذه من المرتهن، فنحن لم نسلب حقه، غاية ما هناك أنه في مثل هذه الحالة سوف يجد المشتري المبيع معيباً، لأنه في هذه الفترة هو قد اشترى مبيعاً ولكن تبيّن أنَّ هذا المبيع مسلوب المنفعة في فترة الرهن، فيكون معيباً، فيثبت له خيار العيب، لا أنه يتوقف على إجازة المرتهن، إنما يتوقف على إجازة المرتهن فيما لو أردنا أخذه من المرتهن وتجاوزنا على حقه، ونحن هنا لم نتجاوز على حقه بل أبقيناه عنده غايته يكون المشتري قد اشترى مبيعاً لم يعلم أنه معيباً، فيثبت له خيار العيب في مثل هذه الحالة، فإذاً هذا الدليل لا يتم.

وأما بالنسبة إلى الدليل الثالث: - فهو قال إنَّ أدلة صحة نكاح الفضولي بالاجازة يدل على صحة بيع الفضولي بالأولوية، لأنَّ النكاح أمرٌ مهم فإذا جاز فبيع الفضولي لملك الآخر يقع بالاجازة صحيحاً بالأولوية، ولكن الجواب أن نقول:- إنَّ هذا وحيه إذا أردنا أن نحكم بالبطلان كما حكم الشيخ أسد الله التستري(قده)، فيقال له كيف تحكم بالبطلان والحال أنَّ روايات صحة نكاح الفضولي بإجازة المولى تدل بالأولوية على صحة بيع الفضولي لأنَّ النكاح إذا صح بالاجازة جاز بيع الفضولي بالأولوية، فهذا الكلام يكون رداً في مقابل الشيخ أسد الله التستري(قده) إذا أراد أن يقول بالبطلان فيقال له كيف تحكم بالبطلان واحال أنَّ روايات نكاح الفضولي تدل بالأولوية على صحة بيع الفضولي بالاجازة، أما الذي لا يريد أن يقول بالبطلان وإنما يريد أن يقول بالصحة - وهو الاحتمال الذي ابرزناه - غايته ثبت الخيار للمشتري فهذا الدليل لا يكون رداً عليه.

والنتيجة: - هي أنَّ الشيخ الأعظم(قده) استدل بثلاثة أدلة على الصحة بالاجازة في مقابل البطلان، ولكن نحن نقول إنَّ اقصى ما تثبته هذه الأدلة هو أنه لا يكون البيع باطلاً رأساً كما ذهب إلى ذلك الشيخ أسد الله التستري(قده) ولا تثبت أنه يكون صحيحاً ولكنه موقوف على الاجازة، ولا تكون رداً على من يقول بأن البيع يكون صحيحاً غايته يثبت خيار العيب.

فهذه الأدلة الثلاثة نافعة في مقابل الشيخ أسد الله التستري(قده) وليس في مقابل الاحتمال الذي أبرزناه، وكان من المناسب للشيخ الأعظم(قده) أن يبرز هذا الاحتمال فإنَّ هذه الأدلة لا تكون رداً عليه ثم يناقشه لا أنه يغضّ النظر عنه رأساً.

[1] الحاشية على المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ج2، 526.