الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 94 ) صحة بيع العين المرهونة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ورفض الشيخ النائيني(قده) كون الطلقية هي الشرط وفاقاً للعلامة حيث قال: - إنَّ المقصود من الطلقية هي تمامية السلطنة وعدم كونه محجوراً، فإذا فسّرنا الطلقية بهذا التفسير فسوف لا يلزم توقف صحة البيع على صحة البيع، قال: - ( لا يخفى أنَّ مفصود الأساطين من هذا الشرط اعتبار أمر آخر في العوضين مضافاً إلى أصل الملكية وهو كون المالك تام السلطنة وعدم كونه محجوراً عن التصرف ..... فلا يرد عليهم ما أفاده المصنف من أن مرجع هذا الشرط إلى أنه يشترط في البيع مثلاً أن يكون متعلّقه مما يصح بيعه مستقلاً وهذا لا محصّل له لأنه عبرة أخر ى أنه يشترط في البيع صحة بيعه ) [1]

وفي مقام التعليق نقول: - إنه يرد عليه نفس ما أورده الشيخ الأعظم(قده)، لأنَّ المقصود من تمامية السلطنة وعدم المحجورية هو صحة البيع بلا مانع وليس شيئاً وراء ذلك، فعادت المشكلة، فصارت صحة البيع موقوفة على صحة البيع بلا مانع.

وإن شت قلت: - إنَّ الشيخ النائيني(قده) حينما قال يشترط في صحة البيع الملكية وعدم المحجورية فهل يقصد عدم المحجورية التكليفية أو عدم المحجورية الوضعية؟ فإن كان يقصد المحجورية التكليفية فهذا واضح الوهن، فإنَّ صحة البيع لا تتوقف على عدم النهي - أي عدم الحجورية التكليفية -، لأنَّ عدم المحجورية التكليفية يعني النهي لسببٍ من الأسباب فإنَّ صحة المعاملة لا تتوقف على عدم الحرمة التكليفية وهذا من الواضحات، نعم صحة العبادة موقوفة على عدم النهي لأنَّ قصد القربة لا يمكن، أما صحة المعاملة فلا تتوقف على النهي التكليفي، وهذا من الواضحات، وأما إذا كان مقصوده من عدم الحجر يعني عدم الحجر الوضعي فعدم الحجر الوضعي يعني أنَّ المعاملة صحيحة من دون قيد ولا مانع ولا شرط، وبذلك يأتي ما ذكرناه من أنَّ صحة المعاملة صارت موقوفة على صحة المعاملة بلا مانع، وهي من توقف الشيء على نفسه كما ذكر الشيخ الأعظم(قده).

إذاً اتضح أنَّ الشرط الثاني لصحة البيع ليس هو الطلقية فهي تلزم توقف الشيء على نفسه، بل الشرط هو عدم هذه الموانع الثلاثة، نعم في مقام التعبير لو أردنا أن نختصر يمكننا أن نعبر بالطلقية ولكن الشرط ليس هو الطلقية وإنما هذه الموانع الثلاثة.فإذا باع الراهن العين المرهونة فهل يقع البيع باطلاً أو يقع صحيحاً أو موقوفاً على الاجازة أو فك الرهن؟ ذهب الشيخ الأعظم(قده) إلى أنه يقع صحيحاً ولكنه موقوفاً على الاجازة أو فك الرهن، واستدل على ذلك بثلاثة وجوه: -

الوجه الأول: - العمومات والاطلاقات كـ ﴿ أحل الله البيع ﴾ أو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فإنها تشمل مثل هذا البيع من دون محذور، فتثبت بذلك الصحة.

يبقى أن تقول :- إنَّ هذه العمومات يوجد لها مخصّص، وهي إما أن يدعى الاجماع على عدم الصحة - الموقوفة على الاجازة -، أو الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:- ( الراهن والمرهون [ المرتهن ][2] ممنوعان من التصرف في الرهن ) [3]

ولكن نقول: - إنَّ المقصود من هذين المخصصين المانعين من التمسك بالإطلاق هو حالة الاستقلالية، فإنَّ الاجماع على البطلان دليل لبّي والقدر المتيقن منه هو أنه لا يقع صحيحاً بنحو الاستقلالية ولا يشمل حالة التوقف على الاجازة، وهكذا الرواية فهي حينما قالت إنهما ممنوعان من التصرف يعني التصرف الاستقلالي.

ونحن نقول: - إنَّ ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في قضية الاجماع وجيه، فصحيحٌ أننا نتمسك بالقدر المتيقن، وكذلك الرواية، فليس من البعيد أن يكون المقصود منها هو هذا، ولكن الرواية من أساسها ليست مقبولة لأنها واردة في عوالي اللآلي وهي مرسلة.

وأضاف الشيخ الأعظم(قده) قرينة لا بأس بها حيث قال: - إنه ليس المقصود من أنه ممنوع من التصرف أنه ممنوع حتى من التصرف الموقوف على الاجازة وذلك لقرينة توجد في الرواية، وهي عطف المرتهن على الراهن حيث قالت الرواية ( الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن )، فمن الواضح أنَّ المرتهن هو ليس بمالك وإنما هو فضولي فشأنه شأن باقي الفضوليين، فالتصرف الذي يقع منه يقع فضولياً ويتوقف على الاجازة لا أنه يقع باطلاً من الأساس ولا تصححه الاجازة، وبقرينة وحدة السياق يكون المقصود في الراهن هو هذا وهو أنه ممنوع من التصرف الاستقلالي.

ونحن نقول: - إنَّ ما ذكره لا بأس به.

الوجه الثاني:- ما دل في باب نكاح العبيد الاماء، وهو التعليل ( إنه لم يعصِ الله وإنما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز )[4] ، حيث نقول إننا نستفيد من هذه الرواية أنَّ كل من أجرى عقداً قد تعلّق به حق الغير فإذا رفع الغير يده عن حقه وقع العقد صحيحاً، كما في عقد نكاح العبد، فإنَّ المولى له الحق فلا يمكن أن يقع نكاح العبد صحيحاً من دون موافقة مولاه، فإذاً الرواية قالت ( فإذا أجاز فهو له جائر )، فنخرج بقاعدة كلّية وهي أنَّ أيّ عقدٍ كان هو متعلّق حقّ الغير فمتى ما تنازل الغير عن حقه وقع العقد صحيحا، وهنا الأمر كذلك، فالراهن أوقع عقداً هو متعلّقٌ لحق الغير وهو المرتهن فمتى ما رفع المرتهن يده عن حقه لسببٍ وآخر فحينئذٍ يقع العقد صحيحاً.

الوجه الثالث: - أدلة صحة عقد الفضولي، فإنَّ هذه الأدلة تدل على الصحة في موردنا بالأولوية.

ولم يبين وجه الأولوية، ولكن أن يقال إنَّ وجه الأولوية: - إنَّ الفضولي في سائر الموارد مثل عروة البارقي حينما أجرى العقد لم يكن مالكاً وإنما كان فضولياً ثم تصرف من دون أن يكون مالكاً وصح تصرفه بالاجازة رغم أنه لم يكن مالكاً، فبالأولية يكون تصرفه صحيحاً في موردنا لأنَّ الذي تصرف هو نفس المالك ولكن المبيع هو متعلّق حق الغير، فإذا وقع عقد الفضولي صحيحاً بالاجازة في حالة كون المتصرّف ليس مالكاً فبالأولى يقع صحيحاً إذا تصرف الفضولي وكان مالكاً.

[1] منية الطالب، النجفي الخوانساري، الشيخ موسى؛ تقرير بحث الميرزا النائيني، ج2، ص273.
[2] هذا هو الموجود في المصدر ( عوالي اللآلي ).
[3] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج13، ص426.
[4] وسائل الشيعة، الشیخ الحرالعاملي، ج21، ص114، أبواب نكاح العبيد والاماء، ب24، ح1، ح2، ط آل البيت.