الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 93 ) اشتراط الملكية للثمن والمثمن أو ما بحكمها - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

مسألة (93 ):- يشترط أن يكون كل واحد من العوضين ملكاً مثل أكثر البيوع الواقعة بين الناس أو ما هو بمنزلته كبيع الكلي في الذمة أو بيع مال شخصي مختص بجهة من الجهات مثل بيع ولي الزكاة بعض أعيان الزكاة وشرائه العلف لها وعليه فلا يجوز بيع ما ليس كذلك مثل بيع السمك في الماء أو الطير في الهواء والصيد في البيداء قبل أن يحا

..........................................................................................................

مضمون المسألة واضح، هو أنه يلزم في باب البيع أن يكون البائع مالكاً للمبيع إما بأن يكون مالكاً لشخص المبيع أو يكون مالكاً للكلي، مثلاً أنت تقول بعني هذه الورقة فهذا بيع الشخصي لأني أملك هذه الروقة، فالمالك يملك المبيع ملكاً شخصياً فيقع المبيع شخصياً، ومرة تقول بعني ورقةً أو بعني دفتراً الموصوف بهذه الأوصاف، مثلاً ذي الستين ورقة فهذا كلّي محدد الصفات فأنا ابيع الكلي أو اشتريه والمفروض أني أملك بعض أفراد هذا الكلي وحينئذٍ إذا بعت الكلي فسوف يملك المشتري الكلي وأنا أعطيه مصداقاً لذلك الكلي مطابق لأوصاف ذلك الكلّي الذي وقع عليه البيع فهنا يقع البيع صحيح، وبيوعنا هي من القبيل الأول ومن القبيل الثاني، كما لو ذهبت إلى البائع وقلت له بعني كيلواً من السكر فهذا بيع الكلي وهو يعين لي المصداق، ومرة أخرى أقول له بعني هذا الكيلو من السكر بخصوصه فهذا يصير من بيع الشخصي، ومرة يفترض أني لست مالكاً لا للكلي ولا للشخص كما إذا فرض أنَّ هذا الشيء ملك لجهة لا للشخص كما ول قال لي شخص إنَّ هذا الشيء للفقراء ونحن لا نستطيع اعطاءه لهم إلا أن نبيعه ونوزع أمواله عليهم كقطعة من الذهب للفقراء، فهنا هذا الشخص ليس مالكاً لا لشخص المبيع ولا للكلي وإنما هو ولي الجهة إذا كان حاكم شرع فهو ولي الفقراء ولأجل صلاحهم - لأني أريد توزيعه عليهم - فأبيع هذه القطعة من الذهب وللكن حينما أبيع فأنا سلت مالكاً وإنما أنا ولي على الجهة المالكة وهم الفقراء، وفي كل هذه الأنجاء الثلاثة بالتالي نجد البائع مالكاً أو ولياً عن المالك، فهو يكون مالكاً بشكلين فإما أن يكون مالكاً لشخص المبيع أو مالكاً للكلي، أما القسم الثالث فهو يكون مرتبطاً بالمالك وليس هو المالك بأن يكون ولياً عن المالك وولي الجهة فيبع بالولاية عن الجهة، فهنا يلزم في البائه أن يكون مالكاً أو له ارتباط بالمالك، في مقابل أن لا يكون ليس مالكاً بأحد النحوين ولا له ولاية على الجهة كما لو باعه الطير في الهواء فإنَّ هذا البيع باطلاً، لأنَّ البائع ليس مالكاً للطير ولا لجهة فلا توجد أحد هذه الأقسام الثلاثة ، أو وقف على النهر وقال له أبيعك تلك السمكة في النهر فهنا يقع البيع باطلاً لأنه ليس مالكاً أو ولياً عن المالك.

إذا اتضح الفارق بين القسمين الأولين والثالث، ففي الأولين البائع مالك وفي الثالث ليس بمالك وإنما له ارتباط بالمالك بأن يكون ولياً، وفي القسم الأول الذي ينقسم إلى شقين فالبائع هو مالك ولكن تارة يبيع الشخص ي وأخرى يبيع الكلي أو فرداً من الكلي.

ولماذا يلزم أن يكون البائع مالكاً بأحد الأنحاء الثلاثة المذكورة؟

الذي خطر إلى الذهن باد ذي بدء: - هو أنه إذا لم يكن البائع مالكاً كيف يقصد البيع، فإنَّ قصد البيع لا يتحقق إذا لم يكن مالكاً.

والجواب واضح: - يمكن أن نقول يمكن ألا يكون الشخص مالكاً ولكنه يبني على أنه مالكاً كما هو الحال في الغاصب فإنَّ الغاصب ليس بمالك ولكنه يقصد البيع وذلك بكونه ينوي أنه مالك ولو كان هذا البناء ليس له منشأ صحيح ولكن بعد بنائه على أنه مالك يمكن أن يقصد البيع.

ولكن نستدل على لزوم كون البائع مالكاً بوجهين: -

الوجه الأول: - إنَّ اطلاق أدلة الامضاء مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو ﴿ أحل الله البيع ﴾ أو غير ذلك لا تشمل مثل هذه الحالة - يعني حالة ما إذا لم يكن البائع مالكاً بأحد الأنحاء الثلاثة المتقدمة -، فهي لا تشمل إلا المالك لولا تشل الذي يبني عدواناً أنه مالك وإلا إذا شملته يلزم خلف الفرض ويلزم كون الباطل صحيحاً، لأننا نفترض أنه غاصب، فأدلة الامضاء لا تشمل مثل بيع الغاصب وما شاكله الذي يبني على أنه مالك زوراً وكذباً وإلا وقع البيع صحيحاً والمفروض أنَّ الباطل لا يمكن أن يقع صحيحاً فكيف تشمله أدلة الامضاء؟!! فجزماً هي لا تشمله فيقع باطلاً.

الوجه الثاني: - بعض الروايات، من قبيل رواية محمد بن الحسن الصفار وقد رواها المحمدون الثلاثة بسند معتبر عن محمد بن الحسن الصفّار: - ( أنه كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري ......، فوقع عليه السلام:- ..... لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك )[1] ، ودلالتها وضحة، وهي مادة قانونية إسلامية يعطيها الامام عليه السلام كقاعدة عامة، فإنه لا يجوز البيع فيما لا يملك بمعنى نفي الصحة، فلا يقع صحيحاً بقرينة أنه قال بعد ذلك ( وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك )، فـ( فوجب ) بمعنى ثبتت الصحة بلحاظ ما يملك، فهذه قاعدة كلّية وهي أنه لا يقع البيع صحيحاً إلا في الشيء المملوك وهذا معناه أنَّ الملكية شرطٌ في صحة البيع.

ويؤيد اعتبار الملكية بأحد الأنحاء الثلاثة ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري: - ( أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السلام: - إنَّ بعض أصحابنا له ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب ..... فأجابه:- الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضاً منه )[2] ، ودلالتها واضحة حيث قال عليه السلام ( لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضاً منه )، يعني لا يصح شراؤها إلا من مالكها أو بأمره أو رضاً منه، فدلالتها واضحة على أنه يلزم في الصحة بيعاً وشراءً الملكية أو ما بحكم الملكية من الرضا أو الأمر.

ونحن جعلنا هذه الرواية مؤيداً لوجود مشكلة في سندها، لأنَّ طريق الطبرسي إلى الحميري مجهول، فأنَّ الطابع العام لكتاب الاحتجاج هو الارسال، ولكن هذا لا يعني أنه لا يستفاد منه أبداً، وإنما قد يستفاد منه كمؤيدٍ كما في موردنا، وربما بعض التوقيعات بضم بعض الضمائم يمكن أن ترتقي إلى مستوى الحجية، فهي بانفرادها لا تكون حجة ولكن بضم الضمائم ترتقي إلى درجة الحجية. فإذاً ثبت المدّعى بديلين ومؤيد.

هذا كله في المبيع، وأما الثمن فنفس ما استدللنا به في المبيع يأتي في الثمن أيضاً، فكما أنَّ البائع ينقل ملكه كذلك المشتري ينقل ملكه، فيأتي الدليل الأول وهو أنَّ أدلة الامضاء لا تشمله إذا كان الثمن ليس مملوكاً بأحد الأنحاء الثلاثة، كما أنَّ الرواية التي نقلناها عن الامام العسكري عليه السلام تأتي أيضاً لأنه لا فرق بين المبيع وبين الثمن من هذه الناحية.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص339، أبواب عقد البيع وشروطه، ب2، ح1، ط آل البيت.
[2] وسال الشيعة، العاملي، ج17، ص337، أبواب عقد اليع وشروطه، ب1، ح8، ط آل البيت.