الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (91 ) أحذ الوزن شرطاً في المكيل والمعدود، مسألة (92 ) اشتراط معرفة جنس العوضين - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ونحن في مقام التعليق نقول: -

أولاً: - إنَّ مستند هذا القول ليس إلا الاجماع المدّعى ومثل هذه الاجماعات مدى ثبوتها ليس بواضح وإنما هي مجرد دعوى، فحيث لم تثبت حقانية دعوى الاجماع في الموردين فحينئذٍ نحن حرية من هذه الناحية فلا نعتمد على هذا الاجماع ويصير المدار على الصدق العرفي فما كان في زماننا مكيلاً أو موزوناً يلزم ضبطه بالكيل أو الوزن إذا كان مكيلاً أو موزوناً ومسألة الربا أيضاً كذلك.

ثانياً: - إنه في باب العوضين نحن نريد ضبط العوضين حتى لا يلزم الغرر فما معنى أنَّ نقول المدار على عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما عليه عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم نأخذ به الآن فإنَّ هذا غير مقبول، وإنما نحن نريد ضبط العوضين والضبط لا يكون إلا بملاحظة التقدير الثابت في زماننا وإلا عادة الجهالة وعاد الغرر، فإذاً جعل المدار في ضبط العضوين على عصر الرسل لا معنى له في حد نفسه فإنَّ ذلك قد يلزم منه خلف الضبط.

ثالثاً:- نحن كيف نثبت أنَّ هذا الشيء في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مكيلاً حماً لا موزوناً حتى يلزم المدار على الكيل أو أنه مكيلاً لا موزوناً فإنَّ اثبات هذا شيء صعب، فحتى لو سلمنا أنَّ المدار على عصر الرسول ولكن أقصى ما يثبت أنه في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن المشاهدة كافية وإنما كانوا يعتمدون على الكيل والوزن فهذا لا بأس به فنقول لا تكفي المشاهدة في زماننا أيضاً، أما أن نقول إنَّ هذا الشيء كان مكيلاً في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كيف نثبته حتى يصير المدار في زمانا على الكيل، أو كان موزوناً حتى يصير المدار في زمانا على الوزن فإن هذا مشكلٌ جداً ،فمن اين تستطيع ضبط مثل هذه الأمور، فهذه حوالة على أمرٍ خفي لا يمكن تحصيله، فإذاً جعل المدار على ذلك شيء مرفوض والمدار على أنَّ يكون في كل زمن بلحاظ ذلك الزمن، فإن المدار على رفع الجهالة، والجهالة ترتفع بالضبط المتداول في كل زمن بلحاظ ذلك الزمن، أما الربا فمتى ما صدق عليه أنه مكيل أو موزون فيتحقق الربا حينئذٍ، فيكون المدار على كل عصرٍ بلحاظ ذلك العصر.

 

مسألة (91 ):- قد يؤخذ الوزن شرطاً في المكيل أو المعدود أو الكيل شرطاً في الموزون مثل أن يبيعه عشرة أمنان من الدبس بشرط أن يكون كيلها صاعاً فتبين أنَّ كيلها أكثر من ذلك لرقة الدبس أو يبيعه عشرة أذرع من قماش بشرط أني كون وزنها ألف مثقال فتبين أنَّ وزنها تسعمائة لعدم إحكام النسج أو يبيعه عشرة أذرع من الكتاب بشرط أن يكون وزنه مائة مثقال فتبين أن وزنه مائتا مثقال لغلظة خيوطه ونحو ذلك مما كان التقدير فيه ملحوظاً صفةَ كمالٍ للمبيع لا مقوّماً له. والحكم أنه مع التخلّف بالزيادة أو النقيصة يكون الخيار للمشتري لتخلف الوصف فإن أمضى العقد كان عليه الثمن والزيادة للمشتري على كل حال.

..........................................................................................................

مضمون المسألة واضح، يعني يفترض أنَّ الشيء يكون في بعض الأحيان مكيلاً ولكن يؤخذ الوزن شرطاً، كالعسل فربما أشتري كيلاً من العسل ولكن اشترط على البائع بأن يكون وزنها كيلواً مثلاً، أو أشتري عباءة صيفية ولكن اشترط على البائع أن يكون وزنها قليلاً، فهذا الشرط صحيح والمؤمنون عند شروطهم، فإن ظهر تخلف الشرط كما ولو اشتريت ظرف العسل على أن يكون الوزن كذا فتبين أنه أكثر فأنا لي الخيار بين الفسخ، لأنَّ البيع قد وقع على المبيع الجزئي فينفسخ البيع إذا أردت أن أفسخه وبين إمضاء المعاملة على حالها وليس لي الحق في المطالبة بشيء لأنَّ هذه صفة كمال، وهنا بيّن السيد الماتن وقال إنه مع التخلف بالزيادة أو بالنقيصة يكون الخيار للمشتري لتخلف الوصف فإن أمضى العقد كان عليه تمام الثمن والزيادة للمشتري على كلّ حال.

ولو حذف عبارة ( وزيادة ) لأنه مرة يفترض حصول زيادة وزن ومرة يفترض حصول نقصان في الوزن فأيضاً الأمر كذلك فكان من المناسب أن يقول ( فإن أمضى العقد كان له تمام الثمن وللمشتري أخذ المبيع ) فيشمل الزائد والناقص، وكان الأفضل حذف هذه المسألة لأنها ليست ابتلائية، كما أنها واضحة، لأنها من خيار تخلف الشرط فتدخل تحت ذلك العنوان.

 

مسألة (92 ):- يشترط معرفة جنس العوضين وصفاتهما التي تختلف القيمة باختلافها كالألوان والطعوم والجودة والرداءة والرقة والغلظة والثقل والخفة ونحو ذلك مما يوجب اختلاف القيمة، أما ما لا يوجب اختلاف القيمة منها فلا يجب معرفته وإن كان مرغوباً عند قوم وغير مرغوب عند آخرين. والمعرفة إما بالمشاهدة بتوصيف البائع أو بالرؤية السابقة.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على أحكام ثلاثة: -

الحكم الأول: - يشترط معرفة جنس العوضين، وهذا واضح، فلابد من معرفة الجنس الذي تريد شراءه.

الحكم الثاني: - يشترط معرفة صفات العوضين التي تختلف القيمة باختلافها كاللون والطعم وغيرهما.

الحكم الثالث: - المعرفة تكون بأحد أمور ثلاثة، فإما أنك ترى الشيء، أو يصفه لك البائع، أو تشتريه على أساس رؤية سابقة.

وقبل أنَّ نشرع في بيان هذه الأحكام نلفت النظر إلى قضية: - وهي أنه لم ترد رواية في اعتبار ما ذكر، فعلى هذا الأساس كيف يخرّج الفقيه الحكم ويستدل عليه بعد فرض عدم وجود رواية في البين؟

أما الحكم الأول: - فقد ذكرنا أنه يلزم معرفة مقدار العوضين كيلاً أو وزناً وذكرنا عدّة روايات واستفدنا منها اعتبار معرفة مقدار الكيل والوزن، أما الجنس فلا توجد رواية تشير إليه، فمن كان يمشي على الاجماعات فهو في راحة من هذه الناحية، أما نحن الذين نرفض هذا الشيء فيمكن الاستدلال على اعتبار معرفة جنس العوضين بأن نقول إنه إذا لزم معرفة مقدار الكيل أو الوزن حسب دلالة الروايات فهذه الروايات هي بنفسها تدل بالأولية - أو من دون أولوية - على اعتبار معرفة الجنس، فإنَّ الغرر والجهالة التي تنشأ نتيجة عدم معرفة الجنس أكبر من الغرر والجهالة التي تنشأ نتيجة عدم معرفة المقدار أو الوزن، وهذا استدلال عقلائي عرفي يورث الاطمئنان للفقيه، فإذاً إما أن تثبت اعتبار معرفة الجنس بالأولوية، أو أنَّ نفس ذلك الليل يفهم منع عرفاً اعتبار معرفة الجنس أيضاً.