الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 89 ) عدم كفاية المشاهدة في بعض الموارد - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ويوجد إشكالان: -

الاشكال الأول: - وهو على عبارة السيد الماتن حيث قال: - ( لابد في مثل القماش والأرض ونحوهما مما يكون تقديره بالمساحة دخيلاً في زيادة الثمن )، فهذه العبارة غير واضحة، والأفضل أن تصاغ هكذا:- ( لا بد في مثل القماش والأرض ونحوهما مما يكون لمقداره زيادةً ونقيصةً دخلٌ في القيمة ).

الاشكال الثاني: - إنَّ هذه المسألة عرفناها مما سبق وليست إلا تكرار لما سبق، والأنسب عدم ذكرها، فقد تقدمت مسألة ( 87 ) ذكر فيها أنه تكفي المشاهدة فيما يرتفع الغرر والجهالة فيه بالمشاهدة وأما إذا لم يرتفع بالمشاهدة فلا تكفي المشاهدة، فهذه المسألة هي نفس تلك المسألة، ففي الأراضي الكبيرة مثلاً لا تكفي المشاهدة في ارتفاع الغرر والجهالة بل لابد من ضم تحديد المساحة والمقدار أما مثل الدور والفرش فلا يحتاج إلى تحديده بالمساحة وإنما تكفي المشاهدة في ارتفاع الغرر والجهالة، فهذه المسألة هي تكرار لما سبق.

بقي شيئان: -

الأول: - إنه قال في عبارة المتن: - ( لابد في مثل القماش والأرض ونحوهما .... ولا يكتفى ببيعه بالمشاهدة إلا إذا كانت المشاهدة رافعة للغرر )، فهو استعان بمصطلح الغرر وفيما سبق ذكرنا أنه لا يعتبر حديث ( نهى النبي عن بيع الغرر )، فإذا كان ضعيف سنداً فلماذا يأتي هنا ويجعل المدار على الغرر وجوداً وعدماً وأنَّ وجوده مفسد للمعاملة وعدمه مصححاً لها فإنَّ هذه قضية مرفوضة عليماً، بل لابد أن يعبر بالجهالة، وهو يقصد من الغرر هنا الجهالة.

الثانية:- إنَّ السيد الحكيم(قده) في المنهاج القديم عبر بالأحوط حيث قال ما نصه:- ( الأحوط في مثل الثوب والأرض ونحوهما مما يكون تقديره بالمساحة دخيلاً في زيادة القيمة معرفة مقداره )، فذكر تعبير الأحوط هنا ليس مناسباً، فإنَّ الدليل إذا كان ثابتاً بنحو الجزم فهنا لا يعبّر بالأحوط وإنما يقال يلزم أو لابدّ، أما في الموارد التي يكون فيها الدليل ليس تاماً علمياً ولكن الفقيه لا يريد أن يتجاوزه تجاوزاً مطلقاً وإنما يعطيه مساحة من الوزن والاعتماد عليه كما إذا ذهب المشهور إلى ذلك وكان كلام المشهور ليس حجة عنده ولكنه لا يريد تجاوز كلامهم فهنا يجعله احتياطاً، أما هنا فإنَّ الأدلة تامة على لابدية معرفة مقدار المبيع - غير حديث نهى النبي عن بيع الغرر وإنما تقدمت عندنا أدلة تامة على ذلك - فلا معنى للتعبير بكلمة ( الأحوط ) والمناسب التعبير بكلمة ( لابد ) كما صنع السيد الماتن.

وتوجد قضية أخرى: - وهي أنَّ السيد الحيكم (قده) هنا عبر بالأحوط وقد قلنا إنَّ هذا التعبير ليس في محله لأنَّ المسألة لها دليل تام فالمصير إلى الاحتياط لا وجه له، ولكن التعبير بالاحتياط ليس بصحيح من جهة ثانية، وهي أنه توجد عند السيد الحكيم وهي مسألة ( 87 ) قال فيها:- ( يشترط في كل من العوضين أن يكون معلوماً مقداره المتعارف تقديره به عند البيع من كيل أو وزن أو عدّ أو مساحة )، فإذاً هو اعتبر معلومية المقدار وأفتى بها فيما سبق بهذا فلماذا يحتاط في موردنا الذي يتوقف فيه رفع الغرر والجهل على معرفة المقدار على القياس؟!!

 

مسألة (90 ):- إذا اختلفت البلدان في تقدير شيء بأن كان موزوناً في بلد ومعدوداً في آخر ومكيلاً في ثالث فالظاهر أن المدار في التقدير بلد المعاملة ولكنه يجوز البيع بالتقدير الآخر أيضاً إذا لم يكن فيه غرر.

.............................................................................................

تشمل هذه المسألة على حكمين: -

الحكم الأول:- إذا فرض أنَّ البلدان مختلفة فبعضها يبيعون فيه الشيء بالعدد وبعضها الآخر يباع فيه بالوزن كالبيض والسمك، فإذا اختلفت البلدان في ذلك فكل صاحب بلدٍ يسير على طبق بلده، فإذا كنت في النجف مثلاً وهم يمشون على العدد في البيض فيصير الضبط بالعدد لا الوزن، أما أهل البلاد الأخرى الذي يباع عندهم بالوزن فلابد من الوزن في بلادهم، وهذه قضية واضحة ودليها واضح، وهو أنه مادام الضبط ورفع الجهالة شيئاً لازماً فيلزم رفع الجهالة، ورفع الجهالة يتحقق في كل بلد فيما إذا سار الشخص على موازين ذلك البلد فهنا سوف يرتفع الغرر والجهالة، نعم يوجد شيء لم يتعرض إليه السيد الماتن وكان من المناسب التعرض إليه، وهو أنه لو كنت أنا نجفياً وأنت نجفي أيضاً وذهبنا إلى بغداد وكانوا يبيعون البيض بالوزن فهل نمشي على الوزن أو نمشي على العدد إذا أردنا المعاملة فيما بيننا؟ ولعل الجواب واضح: - فإنه مادام كلانا من أهل النجف وعند أهل النجف ترتفع الجهالة بالعدد فالمدار يكون على العدد وإن ذهبنا إلى بغداد. نعم المسألة لابد أن تطرح بشكلٍ آخر وهو إذا كان أحد المتعاقدين نجفياً والآخر بغدادياً، كما لو ذهبت من النجف إلى بغداد فهنا ماذا نتّبع، وهذه القضية من المناسب طرحها، فهل المناسب أن نسير على عرفي أو على عرف ذلك الشخص؟ ومن الواضح أنَّ جعل المدار على البائع دون المشتري بلا مرجح، وجعل المدار على المشتري دون البائع بلا مرجح أيضاً، فهنا لابد من العمل بالاحتياط، وبماذا يحصل الاحتياط؟ قد يقال: - إنَّ الوزن أضبط من العدد، فإن قبلنا بهذا فسوف يصير المدار على الوزن، والأمر سهل.

الحكم الثاني: - يجوز التقدير بالآخر إذا لم يكن فيه غرر، يعني صحيح أنَّ البيض في النجف يباع بالعدد ولكن يجوز المصير إلى الوزن إذا كان الوزن أضبط، وهكذا مسألة السمك، ففي بعض البلدان يكون بيع السمك بالعدد فحينئذٍ يمكن المصير إلى الوزن لأنه أضبط.

ولعل هذه المسألة قد اتضحت مما ذكر في المسائل السابقة كالمسألة التي سبقتها.

ونذكر قضية علمية: - وهي أننا قلنا إنَّ المكيل والموزون لابد فيه من كيل المكيل ووزن الموزون، وهنا نقول:- ما هو الضابط في تحديد كون الشيء مكيلاً أو موزوناً؟

قد تعرض الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب إلى هذه القضية وقال: - إنَّ الأعلام ذكروا أنَّ المدار على عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فما كان مكيلاً في عصره نعدّه مكيلاً وما كان موزوناً نعدّه موزوناً.

ويظهر أثر هذا في موردين: -

المورد الأول: - باب البيع فإنه يشترط ضبط المبيع فإذا قلنا إنَّ المدار على عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلى هذا الأساس يكون المدار على عصره، وإذا كان الشيء جديداً أو لا نعرف ماذا كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحينئذٍ قد يقال بالمصير إلى الوزن لأنه أضبط، ولكن الأصل الأوّلي أن نجعله على عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

المورد الثاني: - مسألة الربا، فإنَّ الربا يكون في المكيل والموزون، فلابد أن نعرف أنَّ الشيء مكيل أو موزون أو معدود، فإن كان معدوداً فالزيادة لا تكون قادحة، وإن كان من المكيل أو الموزون فالزيادة تكون قادحة.

ونقل الشيخ الأعظم(قده) عن صاحب الجواهر(قده) أنه قال: - إنَّ جعلنا المدار على المكيل والموزون في مسألة الربا للاجماع شيء نقبله، أما في مسألة ضبط المبيع فلا ربط له بزمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فهو أخذ المدار على الضبط، فلابد أن تصير معلومية، والمعلومية والجهالة تدوران على كونه كيف يكون معلوماً عندنا ولا دخل لعصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.