الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة (88) كفاية إخبار البائع بمقدار الكيل أو الوزن أو العد، مسألة ( 89 ) عدم كفاية المشاهدة في بعض الموارد - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

قلنا إنَّ الرواية الثانية اشتملت على إضافة ولو لم تكن هذه الإضافة موجودة لم يكن هناك إشكال في الاستدلال بها لإثبات خلاف هذه القاعدة ولكن حينما اشتملت على هذه الإضافة وهي أنه إذا كانت عند أرض إلى جنب تلك الأرض فمكن أن يدفع له منها النقيصة وتنتهي القضية فهذه الفقرة يمكن أن تشوش الدليل ووجه التشويش هو أن البيع جرى على هذه الأرض بعنوان انها عشرة اجربة أما أنه يعطيه أجربة أخرى موجودة إلى جنب هذه الأرض فهذه ليست هي عنوان المبيع ولم يقع البيع عليها وإنما وقع على هذه فكيف يجزي دفع تلد الأجربة الأخرى إذا كانت وجودة وينبغي للمشتري أن يقبل بذلك، نعم إذا كانت بالمصالحة أو بالتراضي ذلك فهذه قضية ثانية، ولكن إذا كانت الأرض الأخرى التي إلى جنب الأرض التي باعها موجودة فيلزم أن يقبل بها فلاحظ العبارة حيث تقول:- ( قال:- إنَّ شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض وإن شاء رد البيع وأخذ ماله كله، إلا أن يكون إلى جنب تلك الأرض أرضون فليأخذ [ فليوفّه ] ويكون البيع لازماً )، فالبيع وقع على هذه الأرض وليس على تلك فكيف يأخذ الباقي من الأرض الأخرى فإن البيع قد وقع على هذه الأرض وليس عل تلك فماذا نصنع في حل هذه المشكلة؟

قد يقال: - إنَّ الشاهد هل هو بهذه الفقرة أو أنه في الفقرة الأولى فإن كان الشاهد في الفقرة الأولى فهي تامة ولا تهمنا الفقرة الثانية، لأنَّ هذا الافتراض ليس موجوداً في الفقرة الأولى التي هي موضع الشاهد فماذا تضرك الفقرة الثانية؟!!

والمناقشة واضحة حيث يقال: - إنَّ الكلام الواحد إذا اشتمل على اضطراب في بعض فقراته فهذا يلقي بظلال تشويشه على الفقرة المقصودة التي هي موضع الاستدلال، فلو رأيت شخصاً كلامه بدايته جيدة ولك في نهاته يوجد فيه ارتباك فسوف تتركه ونحن نشك في انعقاد سيرة العقلاء في الأخذ بكلام مثل هذا الشخص، ولو لم يكن الارتباك في موضع الشاهد، فمادام فيه ارتباك فنشك في انعقاد السيرة على الأخذ بلحاظ الموضع الذي نريد أن نأخذه كشاهد فكيف الحل؟

هناك حلّان: -

الحل الأول: - أن نبي على مسألة التفكيك بين الفقرات أو تطرح كاحتمال، فنأتي ونفكك بين الفقرات ونقول نحن نأخذ بموضع الشاهد الذي ليس فيه ارتباك ونترك الباقي، وهذا قد ذكرناه مراراً.

وقد أجبنا عنه حيث قلنا: - إنه لابد وأن نرجع إلى حجة دلالة كلام المتكلم وهو ليس إلا السيرة وبناء العقلاء، وهل جرى بناء العقلاء على الأخذ بكلام شخصٍ إذا كان الجزء الثاني من كلامه مضطرباً ولا يمكن الأخذ؟ إنا نشك في ذلك، ويكفينا الشك في سلب الحجية، إلا الهم إذا بنيت أنت على الأخذ بكلامه لكن نحن لا نأخذ به لشكنا في انعقاد سيرة العقلاء على الأخذ به في هذا المورد.

الحل الثاني:- أن نبني على فكرة البيع الكلي، يعني حينما تقول الرواية اشترى منه أرضاً بعنوان عشرة أجربة فهو اشترى بعنوان كلي كما لو كان البائع صاحب أراضٍ في منطقة معينة فجاءه المشتري وقال له بعني عشرة أجربة فباعه ثم عين البائع الأرض للمشتري ثم بعد ذلك تبين للمشتري أنها خمسة أجربة وليست عشرة فهنا يصحح للبائع أن يتمم هذا المبيع بأرض إلى جنب تلك الأرض تساوي خمسة أجربة مضافاً إلى تلك الخمسة لأنَّ البيع لم يقع على هذه الأرض بالخصوص وإنما وقع على الكلي، فنحمل الرواية على هذا إن أمكن وإلا فلا يمكن الأخذ بهذه الرواية.

إن قلت: - نحن نريد أن نثبت أنَّ المشتري له الحق في المطالبة بثمن جزء البيع المفقود، وبناءً على ما ذكرته لم تتم هذه الرواية؟

قلت: - افترض أنَّ هذه الرواية لم تتم وكذلك لم تتم الرواية الأولى لنكتةٍ من النكات ولكن يوجد عندنا الدليل الأول وهو ارتكاز العقلائي، وهو دليل قوي، وعليه فسوف لا نقع في مشكلة.

وقد يقول قائل: - إنَّه يوجد إشكال في سند الرواية الثانية من ناحية ذبيان، وسندها هو: - ( ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن ذبيان عن موسى بن أكيل )، وموسى بن أكيل قد وثق، وداود بن الحصين ثقة أيضاً، أما عمر بن حنظلة فيمكن اعتباره، أما ذبيان فلا يوجد توثيق في حقه.

ولكن يمكن أن نقول:- إنه جاء في ترجمة أحمد بن يحيى بن حكيم:- ( ويظهر من خلال الترجمة هناك أن ذبيان من المعاريف ) أي من المعروفين بين الأصحاب في وسط الرواة وأصحاب الأئمة عليهم السلام، وحينما نقول هو من المعاريف يعني أنه معروف بالاستقامة لا أنه معروف بالانحراف، فهذه العبارة إذا قبلت بها واستفدت منها وثاقته فبها ونعمت، وإلا فيوجد طريق آخر وهو أنَّ الصدوق له طريق إلى كل روايات عمر بن حنظلة حيث قال:- ( وما كان فيه عن عمر بن حنظلة قد رويته عن الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه عن أبيه عن محمد ن احمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن صوفان بن يحيى عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة )، فعلى هذا الأساس تكون الرواية معتبرة، لأنَّ هذا الطريق معتبر إلى ابن حنظلة فستعين به وبذلك يثبت المطلوب.

ولكن قد يشكل ويقال: - إنه ورد في بداية السند الحسين بن أحمد بن إدريس وهو لا يوجد توثيق في حقه، نعم هناك توثيق لأحمد بن إدريس الأب حيث يروي عنه الشيخ الكليني كثيراً وكنيته أبو علي الأشعري، فالكليني يروي عنه كثيراً مرة بعنوان أبو علي الأشعري ومرة بعنوان أحمد بن إدريس، فكلاهما واحد وهو ثقة، أما ابنه الحسين فلا يوجد توثيق في حقه فماذا نصنع؟

والجواب: - إن بنيت على كفاية مسلك كفاية الترضي في ثبوت الوثاقة فبها، وقد أكثر الصدوق الترضي عليه في موارد متعددة، وإلا فيوجد طريق آخر لتوثيقه، حيث أنَّ الشيخ الطوسي ذكر الحسين بن أحمد بن إدريس في رجاله وقال عنه:- ( روى عنه التلعكبري وله منه إجازة )[1] ، والتلعكبري من أجلة أصحابنا، فإذا روى عنه التلعكبري ألا يكفي هذا في اثبات وثاقته؟!! فإنه يوجد مسلك يقول إذا روى أجلة الأصحاب عن شخصٍ كفى ذلك في اثبات وثاقته، ونحن نقول إذا أكثر عنه الأصحاب الرواية عنه يثبت بذلك وثاقته، ولذلك إذا أكثر الكليني الرواية عن شخص فسوف تثبت وثاقته، فهنا التلعكبري روى عنه، كما أنَّ له منه إجازة، فنفس أخذ التلعكبري الاجازة من الحسين بن أحمد بن إدريس يدل على كون الحسين بن أحمد ثقة وإلا لم يأخذ التلعكبري منه الاجازة، فإذا نبيت على أنَّ كسب الاجازة من شخص فيه دلالة على وثاقة ذلك الشخص فسوف تثبت وثاقة الحسين بن أحمد بن إدريس.

ونحن لسنا بحاجة إلى كل هذا ويكفينا الدليل الأول وهو الارتكاز العقلائي بالبيان المتقدم، أما هاتان الروايتان فلا نحتاج إليهما ولكن ذكرناهما لأجل التنبيه على بعض القضايا الرجالية.

 

مسألة (89):- لابد في مثل القماش والأرض ونحوهما - مما يكون تقيره بالمسافة دخيلاً في زيادة القيمة - معرفة مقداره ولا يكتفى في بيعه بالمشاهدة إلا إذا كانت المشاهد رافعة للغرر كما هو الغالب في بيع الدور والفرش ونحوهما.

..........................................................................................................

والمقصود من هذه المسألة هو أنه توجد بعض الأشياء تكفي فيها المشاهدة ولكن مقدار المساحة يؤثر أيضاً، كما لو أردت أن تشتري أرضاً فهنا تكفي المشاهدة ولكن تبقى مساحتها كم مترٍ هي فهل هي ألف متر أو أنها سبعمائة متر فهذا المقدار له تأثير فإنَّ الألف متر من الأرض قيمتها غير قيمة ذات السبعمائة متر، فهنا لا تكفي المشاهدة بل لابد من قياسها، وإلا فالغرر بعدُ باقٍ، لأنَّ زيادة المساحة يؤثر على مقدار القيمة فلابد في هكذا مورد عدم كفاية المشاهدة إنما لابد من قياس المساحة بالأمتار، نعم إذا فرض أنَّ الأمتار لا تؤثر شيئاً كما لو أراد أن يشتري داراً فإن الفرق في القياس لا يؤثر سواء كانت مائة وخمسين متر أو مائة وستين فهنا يرتفع الغرر بالمشاهدة فهنا تكفي المشاهدة أما في المساحات الكبيرة كما لو أراد أن يشتري أرضاً واسعة أو يشتري قماشاً كثيراً ولا يعلم عدد أمتاره هل هي تسعين متر أو مائة وعشرين متراً فهذا فارق كبير فلا تكفي حينئذٍ المشاهدة، أما إذا أراد أن يشتري قطعة قماش صغيرة ولا يعلم أنها متر ونصف أو مترين فهنا تصح المعاملة بالمشاهدة، فالسيد الماتن يريد بيان هذا المطلب، فإذاً المسألة تشتمل على حكمين.


[1] رجال الطوسي، الطوسي، في باب من لم يروي عن الأئمة، رقم التسلسل6094.