الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (88) كفاية إخبار البائع بمقدار الكيل أو الوزن أو العد - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

قال السيد الخوئي(قده) في التنقيح: - ( إنَّ الثمن يتقسّط على أجزاء المبيع في المعاملات، فإذا اشترى عشرة أمنان من الحنطة بعشرة دراهم فمعناه أنه اشترى كل من بدرهم وعليه فإذا ظهر أنه أُنقِص من المقدار المعين بمنّين فلا محالة يكون جزءان من الثمن بلا مقابل وبلا عوض فالمعاملة تصير بالإضافة إليهما باطلة إذ لا معنى للبيع بلا مثمن وأما في غيرهما من الأجزاء الباقية فالمعاملة صحيحة ولكن للمشتري خيار تبعض الصفقة .... مرجع ذلك الخيار إلى خيار تخلف الشرط ). [1]

الاشكال عليه واضح: - حيث نقول إذا كان البيع واحداً فما معنى أنه يصير بلحاظ الموجود من المبيع صحيحاً وبلحاظ الناقص من المبيع باطلاً فإنَّ هذا غير مقبول؟!! فإنَّ المفروض أنَّ الجنس واحد فالمعاملة والبيع يكون واحداً، فكيف تقول إنَّ البيع الواحد صحيح بالإضافة إلى الثمانية أمنان وباطل بلحاظ المنّين من النقيصة فيسترجع الثمن فإنَّ هذا يتنافى مع وحدة المعاملة؟!!

وصرّح في مصباح الفقاهة أنَّ العاملة تنحل إلى معاملات بعدد الأمنان، فلو كان المبيع عشرة أمنان فهذه تكون عشرة بيوع، فلو ظهر أنَّ المبيع ثمانية أمنان فالمعاملة تكون صحيحة في الثمانية أمنان وتكون باطلة في المنين.

وهذا أوجه فنّياً مما هو موجود في التنقيح، لأنه صرح هنا بأنَّ المعاملة لست واحدة وإنما هي متعددة بعدد الأمنان، ولكن يتسجل عليه الاشكال الذي أوردناه من أنَّ المعاملة تكون متعددة إذا كانت أجناس المبيع متعددة أما مع وحدة الجنس فالبيع يعود واحداً، ولكن هذه قضية صغروية ثانية، ولكن من حيث الكبرى اتفقنا على أنه إذا كانت متعددة تصح المعاملة والبطلان بلحاظ البعض الآخر، أما إذا كانت واحدة كما في التنقيح فلا يمكن الحكم بكونها صحيحة بلحاظ بعضٍ وباطلة بلحاظ البعض الآخر، أما في مصباح فقد قال إنَّ البيع متعدد ولكن سجلنا عليه إشكالاً من زاويةٍ أخرى، وهو أنه لا معنى لفرض تعدد المعاملة بعد فرض تعدد جنس المبيع.

وقد تقول: - كيف حصل هذا الاختلاف مع أنَّ كلا التقريرين هما للسيد الخوئي(قده)، فكيف قال هنا أنَّ المعاملة متعددة والحال أنه في التنقيح لم يصرح بكون المعاملة واحدة ولكنه لم يقل هي متعددة وإنما قال فقط ( المعاملة ) لأنَّ تعبيره كان هكذا: - ( فالمعاملة تصير بالإضافة إليهما باطلة ) فهذا معناه أنه يفترض أن المعاملة واحدة لا تعدد في المعاملة فكيف ذكر في المصباح أنَّ المعاملة متعددة فكيف حصل هذا الاختلاف؟

والجواب: - إنَّ السيد الخوئي(قده) درّس المكاسب دورتان، فلعل أحد المقرريَن كان في دورةٍ والتقرير الثاني المقرِّر كان في دورةٍ ثانية.

ونصّ عبارته في مصباح الفقاهة:- ( مثلاً لو باع الحنطة على أنها خمسون حقة بخمسين درهماً فينحل البيع هنا إلى بيوع متعددة أيٌّ منها مشروط بالبقية فلو ظهرت الحنطة ثلاثين حقة فيكون هنا أمران أحدهما بطلان البيع في الناقص[2] والثاني ثبوت الخيار للمشتري في الباقي لتخلف الشرط الضمني[3] )[4] .

وما ذكره في مصباح الفقاهة أجدر مما في التنقيح: - ولكن مع ذلك يتسجل الاشكال عليه، وهو أنه مع وحدة الجنس - كما هو مفروض الكلام فإنَّ الجنس واحد - لا معنى لتعدد المعاملة، فهذه التفاتة جيدة منه حيث جعل المعاملة متعددة، لا كما توحي به عبارة التنقيح من أن المعاملة واحدة وتصح بلحاظ بعضٍ وتبطل بلحاظ البعض الآخر، وإنما عبارته هنا أحسن ولكن مع ذلك يرد عليه الاشكال وهو أنه مع وحدة الجنس فالعرف يرى أنَّ البيع واحد وليس متعدداً.

والخلاصة: - إنه في صورة النقيصة اتضح بمقتضى القاعدة أنه إذا كانت المعاملة متعددة كما إذا كان جنس المبيع متعدداً فالمناسب الصحة في الموجود من المبيع والبطلان في المفقود منه، وإن كان المبيع من جنسٍ واحد فالمناسب البطلان في الكل أو الامضاء في الكل.


[1] التنقيح في شرح المكاسب، الخوئي، السيد أبوالقاسم - الشيخ ميرزا علي الغروي، ج2، ص385.
[2] أي في المعدوم الذي ليس بموجود.
[3] والشرط الضمني هو أن يكون هذا المجموع مجتمع لا بعض دون بعض.
[4] مصباح الفقاهة، الشيخ التوحيدي، ج، ص653.