الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (88) كفاية إخبار البائع بمقدار الكيل أو الوزن أو العد - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

النقطة الثالثة: - لو تبينت الزيادة أو النقصان، كما لو قال البائع إنَّ وزن المبيع مائة كيلو فمرة يتضح أنه خمسة وتسعين كيلواً ومرة يتضح أنه مائة وخمسة، وهنا السيد الماتن في العبارة ذكر رأيه ثم ذكر رأياً آخر بعنوان قيل، أما رأيه فهو أنه لو ظهرت الزيادة فالمشتري بالخيار بين أن يفسخ في الكل وبين أن يمضي الكل بكل الثمن أما أنه يسترجع النقيصة أو يسترجع ثمنها فلا، وإنما إما أن يمضي الكل في الثمن أو يفسخ في الكل، ثم قال: - وقيل إذا ظهر النقصان في المبيع يسترجع المشتري ثمن النقيصة وإذا ظهرت الزيادة يسترجع البائع مقدار الزيادة من المثمن، ولكنه قال: - إنَّ هذا مرفوض وبنى على القول الأول.

وما هو الدليل على ذلك؟

قال الحاج ميرزا علي الايرواني[1] :- إنَّ الاحتمالات في المعاملة ثلاثة - وكلامنا الآن فيما إذا فرضت النقيصة أما فرض الزيادة فسيأتي فيما بعد - البطلان في الكل رأساً، والصحة بنحو اللزوم، الصحة مع الخيار، وإذا بنينا على الصحة مع الخيار فهنا الخيار هو خيار تخلف الوصف أو تخلف بعض المبيع، فإن كان خيار تخلف بعض المبيع فمن المناسب حينئذٍ يكون المشتري مخيراً بين أمرين بين أن يفسخ في الكل وبين أن يمضيه ولكن يسترجع المشتري ثمن النقيصة، وأن كان الخيار هو خيار تخلف الوصف فحينئذٍ العقد وقع على واجد الوصف بينما المدفوع فاقد للصوف وفاقد الوصف مغاير لواجد الوصف فمن المناسب في مثل هذه الحالة إما الامضاء في الكل أو الفسخ في الكل.

أما الاحتمال الأول - هو البطلان رأساً - فقد قال إنَّ بطلان المعاملة لا وجه له، لأنَّ المعاملة قد جرت على أنَّ المبيع مائة كيلو من السكّر ولكن اتضح أنه خمسة وتسعين كليواً من السكر وليس شيئاً ثانياً فلماذا تبطل المعاملة رأساً، فهذا الاحتمال من دون وجه إنما تبطل المعاملة رأساً إذا كان ما جرى عليه العقد يغاير المدفوع، أما إذا لم تكن المغاير موجودة وإنما تخلف قسم من المبيع فالبطلان رأساً لا معنى له وإنما اقصى ما هناك ثبوت الخيار أو المطالبة بثمن ذلك البعض.

الاحتمال الثاني وهو الصحة مع الزوم فالصحة وجيهة ولكن اللزوم لا معنى له، إذ المفروض أنه توجد مغايرة، فهما قد اتفقا على كون المبيع مائة كيلو ولكن ظهر أنه خمسة وتسعين كيلواً فلماذا تكون الصحة لازمة، فإني أنا المشتري لم أرض بهذا ولم أتفق على هذا فلماذا تثبت الصحة بنحو اللزوم فإنه لا وجه للزوم.

ويبقى الاحتمال الثالث وهو الصحيح، وهو الصحة مع الخيار، وهذا هو المناسب عقلائياً، ولكن الكلام هو أنه أي خيار فهل هو خيار تخلف الوصف فهذا لازمه أنَّ العقد جرى على واجد الوصف بينما الآن يكون فاقداً للوصف فالمناسب هو إما أن تقبل المعاملة بشكلٍ كلّي أو ترفضها بشكلٍ كلي، فإما أن يكون من باب تبعّض الضفقة، أو يكون من باب تخلف الوصف، وهو مال إلى أنَّ المورد من تبعّض الصفقة، وهذا واضح، فهو ليس من باب تخلف الوصف الموجب للمغايرة، فهو بناءً على تخلف الوصف لم يحكم بالبطلان وإنما حكم إما أن يفسخ في الكل أو يجيز في الكل.

وحيث إنه مال إلى كون المناسب هو الصحة مع خيار تخلف الصفقة فعلى هذا الأساس من المناسب في مثل هذه الحالة ليس هو التخيير إما بين الفسخ في الكل أو الامضاء في الكل فإن ذاك يناسب خيار تخلف الوصف، فإنه يصير نحو من المغايرة فإما أن يمضي في الكل أو يفسخ في الكل، أما إذا كان من تبعّض الصفقة فالبائع قد دفع له بعض الصفقة والمشتري أعطاه ثمنها أما بعض الصفقة الآخر فالبائع لم يدفعه للمشتري، فللمشتري أن يطالب البائع بقسطه من الثمن، وقد مال السيد الماتن إلى خيار تبعّض الصفقة، ولازمه أنَّ للمشتري الحق في أن يمضي البيع ولكن له حق المطالبة بثمن المقدار المتخلّف من المبيع.

وبهذا سوف يصير رأي الحاج ميرزا علي الايرواني مع رأي السيد الحكيم في منهاجه القديم.

وفي مقام التعليق نقول: - إنَّ الاحتمال الأول الثاني اللذان ذكرهما ليسا مهمان والاحتمال الثالث هو المهم وهو أنَّ المورد من خيار تبعّض الصفقة أو خيار تخلّف الوصف، ونحن نقول المناسب ربط المسألة بقضية أخرى وهي ان البيع في مثل هذا المورد - الذي فيه العقد على مائة كيلواً - هل يعد بيعاً واحداً أو يعدّ بيوعاً متعددة بعدد الكيلوت، وفي هذه القضية المرجع هو العرف والعقلاء، وإذا رجعنا إلى العرف بالمناسب هو التفصيل بين ما إذا كانت أجزاء المبيع مختلفة وبين ما إذا كانت من جنسٍ واحد فتارةً تكون مختلفة كما لو اشتريت ثلاجة وغسالة ومبردة وفراش وغير ذلك، ومرة اشتريت مائة كيلو من الرز أو السكّر فهذا كله من جنسٍ واحد، فإن كان المبيع من أجناس متعدد فليس من البعيد أنَّ العرف يرى أنَّ هذه بيوع متعددة ولكنها أبرزت بصيغة واحدة، أما إذا فرض أنَّ الجنس كان واحداً فالبيع يكون واحداً، لأنَّ المتعلَّق واحد فالبيع يكون واحداً، ويترتب على ذلك أنه إذا كانت البيوع متعددة فإمكانه إمضاء ما خصل وفسخ الآخر لأنها بيوع متعددة، فإن ظهر في الثلاجة شيئاً على خلاف ما أريده كما لو ظهر فيها عيب مثلاً فسوف أفسخ بيع الثلاجة أما البقية فبيوعها صحيحة وتامة لأنها بيوع متعددة، أما إذا فرض أنَّ الجنس كان واحداً فالبيع يكون واحداً فإما أن تفسخ في الميع وإما أن تمضي في الجميع، ولا معنى لأنَّ تفسخ في بعض وتمضي في البعض الآخر فإنَّ هذا خلف كون البيع واحداً، فإذاً وحدة البيع تستدعي إما الفسخ في الجميع أو الامضاء في الجميع، وحيث إنه في مورد كلامنا قد فرضنا أنَّ المبيع من جنسٍ واحد فالمناسب هو إما الفسخ في الجميع أو الامضاء في الجميع، فكان من المناسب للحاج ميرزا علي الايرواني أن يربط القضية بكون البيع واحداً أو بيوعاً متعددة، لا أن يقول إنَّ البيع صحيح بنحو الخيار ثم يقول هل هذا الخيار هو خيار تخلف الوصف أو خيار تبعض الصفقة، بل لابد أن يلاحظ أنَّ هذه بيوع متعددة أو هو بيع واحد فإن كان بيعاً واحداً فلا معنى لأنَّ يمضي في بعض ويفسخ في البعض وإنما مادام البيع واحداً فإما أن تفسخ في الكل أو تمضي في الكل، وما ذكرناه أكثر فنّية مما ذكره الحاج ميرزا علي الايرواني، فالمناسب أن تكون المسألة هكذا، وحيث فرضنا في محل كلامنا أنَّ الجنس واحد فإما الفسخ في الجميع أو يمضي في الجميع كما ذكر السيد الخوئي.

ونلفت النظر إلى قضية: - وهي أنَّ كلام السيد الخوئي(قده) قد اختلف، ففي المنهاج ومصباح الفقاهة[2] ذهب إلى ما ذكرناه من أنه إما أن يفسخ في الجميع أو يمضي في الجميع، ولكنه ذهب في التنقيح[3] إلى أنَّ هذه بيوع متعددة من دون أن يفصّلٍ بين كون الجنس واحداً أو متعدداً، فإذا كانت بيوعاً متعددة فله الفسخ في البعض واسترجاع ثمنه والامضاء في البعض الآخر.


[1] الحاشية على المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ج2، ص175.
[2] مصباح الفقاهة، الخوئي، ج3، ص653.
[3] التنقيح في شرح المكاسب، الخوئي، السيد أبوالقاسم - الشيخ ميرزا علي الغروي، ج2، ص385.