الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (88) كفاية إخبار البائع بمقدار الكيل أو الوزن أو العد - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

قلنا إنَّ اخبار البائع يعتمد عليه ولكن هل يعتمد عليه حتى لو لم يكن عادلا؟ قال لا فرق بين أن يكون عادلاً أو فاسقاً، ثم قال والأحوط أن يكون موجباً للاطمئنان، قال ما نصه: - ( يعتبر حصول اطمئنان للمشتري بإخباره ).

وقد يقول قائل: - إنه قال حتى لو كان فاسقاً يؤخذ بإخباره ثم قال والأحوط اعتبار حصول الاطمئنان - ولعل هذا الاحتياط وجوبي لأنه ليس مسبوقاً بالفتوى - ولكن نقول إنه إذا كان فاسقاً كيف يصير الاطمئنان؟

والجواب واضح: - فلنفترض أنه لا يصلي ولكن بعض الناس رغم أنه لا يصلي ولكنه لا يغش في المعاملة، فإذاً لا منافاة، فالعدالة ليست لازمة ولكن حينما يخبرك بمقدار المبيع يحصل لك الاطمئنان أما كيف حصل لك الاطمئنان فهذا ليس بمهم، وإذا حصل الاطمئنان كفى، فإذاً لا فرق بين أن يكون البائع المخبر بمقدار المبيع عادلاً أو فاسقاً نعم الأحوط أن يكون إخباره موجباً للاطمئنان.

وهو قال في العبارة لا فرق بين أن يكون المخبر فاسقاً أو عادلاً، ولكن ما هو الدليل على ذلك، فلماذا لا يعتبر أن يكون المخبر عادلاً؟

والجواب: - إنه لا دليل على اعتبار العدالة، فإنَّ الوجوه السابقة لحجية إخبار البائع لا تختص بحالة العدالة مثل السيرة فإنها منعقدة على الأخذ بإخبار صاحب اليد وهي ليست مختصة بكونه عادلاً، أو إذا دخلت دار شخص وقال لي إنَّ هذا المكان نجس فسوف آخذ بكلامه من دون توقف ولا يلزم أن يكون عادلاً، فإذاً العدالة ليست مشترطة، وكذلك الروايات التي ذكرناها فيما سبق في حجية إخبار البائع فإنها مطلقة ولم تقيد بما إذا كان البائع عادلاً، وكذلك من أحد الأدلة أنه إذا وصف البائع العين الغائبة فهنا نأخذ بكلامه فكذا لو وصف العين الموجودة وقال إنها تعادل كذا من الوزن أو الكيل، وفي وصف العين الغائبة لا تشترط العادلة في الإخبار عنها، فإذاً هذه الأدلة التي ذكرناها فيما سبق كلّها أو أغلبها عام من هذه الناحية، فالعدالة ليست معتبرة، وبعد عدم اعتبار العدالة نأتي ونلاحظ هل يلزم حصول الاطمئنان كما ذكر السيد الخوئي أو أنه لا تعبر العدالة؟

إنه لا بد من ملاحظة المدارك التي ذكرناه ونلاحظ مقدار دلالتها فهل تختص بحالة حصول الاطمئنان أو أعم من ذلك، وقد ذكرنا أربعة وجوه وكان الأول منها الوثوق فإنَّ حصل لك وثوق فنأخذ بإخبار البائع، وقد قلنا نحن نأخذ بهذا الوجه ولو على مستوى المساحة الجزئية وليس في كل المساحة، فإن في الكثير من الأحيان يحصل وثوق من إخبار البائع، والوثوق هو اطمئنان، فنأخذ به، فالوجه الأول يختص بحالة حصول الاطمئنان، أما الوجه الثاني فهو الأخبار التي دلت على أنَّ البائع إذا أخبر بمقدار المبيع خذ بكلامه، وهنا نأتي ونقول إنَّ هذه الروايات لم تقيد بما إذا كان كلام البائع موجباً للاطمئنان، ولكن نقول إنَّ الخبر هو معتبر من باب الطريقية وليس من باب التعبد الصرف، فإن كان معتبراً من باب الطريقية فهنا هل يلزم اعتبار حصول الاطمئنان؟ المناسب كفاية الظن بأدنى مراتبه فإن الطريقية محفوظة لإخبار الشخص، نعم إذا حصل عندنا الشك فلا توجد طريقية أما إذا حصل الظن ولو بأدنى مراتبه كفى ذلك، فالاطمئنان ليس بلازم وإنما يكفي الظن بأدنى مراتبه، وأما الدليل الثالث فهو وصف العين الغائبة، فمن الواضح أنَّ وصف العين إنما نأخذ به ونعتبره ليس من باب التعبّد الصرف وإنما من باب الطريقية، وقد قلنا إنَّ الطريقية تتحقق بما إذا وصف مع الظن بأدنى مراتبه بمطابقتها للواقع، وأما الدليل الرابع فهو إخبار ذي اليد، فنقول إنَّ إخبار ذي اليد إنما يكون معتبراً لا من باب التعبّد الصرف وإنما من باب الطريقية وهي محفوظة بحصول الظن بأدنى مراتبه.

إذاً لو رجعنا إلى الأدلة السابقة فهي لا تعتبر خصوص الاطمئنان بل يكفي الظن بأدنى مراتبه، نعم الدليل الأول هو الوثوق فنحن قلنا إذا حصل وثوق فنأخذ به أما إذا لم يحصل الوثوق فتوجد الوجوه الأخرى التي يمكن الأخذ بها.

والنتيجة: - هي أننا لا نعتبر تحقق الاطمئنان، كما وأنه لا نقول بكفاية الإخبار من دون أي قيد، فإذا فرض حصول شك نتيجة إخبار البائع أو ظن بالعدم فهنا لا نأخذ بإخبار البائع، وإنما لابد من حصول الظن بأدنى مراتبه، لأنَّ تلك الوجوه التي ذكرناه دلت على أننا نأخذ بإخبار البائع من باب الطريقية، والطريقية يكفي في تحققها تحقق الظن بأدنى مراتبه، أما إذا تحقق الشك فقط فلا توجد طريقية، فلا يمكن الأخذ بإخباره.

وفي مقابل هذا قد يقال: - توجد روايتان قد يفهم منهما لزوم حصول الاطمئنان كما افاد السيد الخوئي (قده): -

الرواية الأولى: - رواية أبي العطارد المتقدمة حيث ورد فيها: - ( أخرج الكر والكرين فيقول الرجل أعطنيه بكيلك، قال:- إذا ائتمنك فلا بأس )[1] ، بتقريب أنه قال ( إذا ائتمنك ) يعني إذا اطمأن بك.

والجواب: - إنه يحتمل بدرجة وجيهة - ويكفينا الاحتمال - أنَّ المقصود من ( إذا ائتمنك) أي جعلك أميناً في هذه القضية لا أنه حصل له الاطمئنان، وهو إنما يجعلك أميناً متى ما حصل له الظن ولو بدرجة مخففة، فهو حينئذٍ يجعله اميناً في هذه القضية، كما لو قلنا نحن للطرف الأخر أنت لاحظ وزن هاذ المبيع فأنا جعلته اميناً من باب تحقق الظن عندي بأنه سوف يضبط المقدار وليس من باب حصول الاطمئنان فيكفي في تحقق الائتمان حصول الظن بأدنى مراتبه، ويكفي هنا الاحتمال، لأنَّ الرواية بذلك مرددة ومجملة بين أن يكون المقصود من ائتمنك يعني اطمأن كما ينفع ذلك السيد الخوئي، أو أنه جعلك أميناً باعتبار أنه ظن أنك رجلاً جيداً فجعلك أميناً، فإذا صارت الرواية يعود ما ذكرناه من وجوه على كفاية أدنى مراتب الظن من دون معارض فيؤخذ بها.

الرواية الثانية:- وقد رواها ابن بكير عن رجل من أصحابنا قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الجص فيكيل بعضه ويأخذ البقية بغير كيل، فقال:- إما أن يأخذ كله بتصديقه وما ان يكيله كله )[2] ، وتقريب الدلالة على اعتبار الاطمئنان هو أنَّ الامام عليه السلام قال ( إما أن يأخذ كلّه بتصديقه ) فبتصديقيه يعني بالاطمئنان بكلامه ( وإما أن يكيله كله ) يعن إذا لم يكن عنده اطمئنان، فالرواية سوف تصير في صالح السيد الخوئي.

وفيه: - من المحتمل أنَّ تكون الرواية إشارة إلى أنَّ هذا التبعيض ليس له معنى، فأنت إما أن تأخذ الكل مع الكيل إذا صدقت البائع بالتصديق العملي الذي يكفي فيه الظن لا بمعنى الاطمئنان، فأنا أظن أنَّ هذا البائع شخص جيد ولا يغش فنأخذ منه المبيع بناءً على قوله، أو إذا لم تصدق بكلامه فعليك أن تأخذه بكيل، أما أن تبعّض المبيع بأن تكيل قسماً منه ولا تكيل قسمه الآخر فلا وجه وله، وبهذا صارت الرواية مرددة بين احتمالين فيعود ما ذكرناه في تلك الوجوه من دون معارض، لأنَّ هذه الرواية سوف تصير مجملة كالرواية السابقة، هذا لو تم سندها، ولكن المفرض أنها مرسلة، لأنَّ أبا بكير رواها عن رجل من أصحابنا.

والخلاصة من كل ما ذكرناه في هذه النقطة الثانية: - إنَّ إخبار البائع لا يلزم فيه حصول الاطمئنان كما ذكر السيد الخوئي وجماعة، كما لا يكفي إخباره ولو مع الشك، بل الإخبار المقرون بالظن بأدنى مراتبه، وقد قلنا إنَّه ليس من البعيد أنَّ سيرة العقلاء جارية على ذلك، فنحن نكتفي بإخبار البائع بهذا الشكل.


[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحرالعاملي، ج17، ص345، أبواب عقد البيع وشروطه، ب5، ح6، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحرالعاملي، ج17، ص344، أبواب عقد البيع وشروطه، ب5، ح3، ط آل البيت.