الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (88) كفاية إخبار البائع بمقدار الكيل أو الوزن أو العد - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الدليل الثالث: - بعض الروايات الدالة على أنَّ إخبار البائع بمقدار المبيع حجة ومعتبر، وقد تقدمت في مسالة (87) حيث ذكرنا فيها أنه يعتبر ضبط المبيع وقد ذكرنا عدة أمور منها الروايات، فهناك روايات دلت على لزوم ضبط المبيع فهذه الروايات وإن كانت لا ترتبط بمحل كلامنا فإن محل كلامنا هو في أنَّ إخبار البائع حجة أو لا بينما تلك الروايات واردة في لزوم ضبط المبيع ولكن فيها تعابير يفهم منها أن إخبار البائع معتبر، فإذاً هي تدل على شيئين فهي تدل على اعتبار ضبط المبيع من جهة كما تدل على أن إخبار البائع بمقدار المبيع معتبر وحجة:-

من قبيل:- صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله التي رواها الصدوق بإسناده عنه[1] :- ( أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام أشتريه منه بكيله وأصدّقه؟ فقال: - لا بأس ولكن لا تبعه حتى تكيله )، ونحن في مسألة ضبط المبيع قد استشهدنا بقوله عليه السلام ( ولكن لا تبعه حتى تكليه ) فإنها دلت على أنه لابد من ضبط المبيع وموردها وإن كان هو الكيل ولكن لا فرق بين الكيل والوزن والعد من هذه الناحية، ولكن في مسألتنا هذه سوف نستشهد بالعبارة السابقة ( عن الرجل يشتري الطعام اشتريه منه بكيله وأصدّقه؟ فقال: - نعم )، فأصدقه يعني أن كلامه أو حجة أو لا والامام عليه السلام قال نعم صدّقه، كما أن العبارة التالية لها وهي ( لا بأس ولكن لا تبعه حتى تكليه ) فيها شاهد أيضاً، لأنَّ الامام عليه السلام قال له لا تبعه إلا أن تكيله فلو كلته أنت تستطيع أن تبيعه وتخبر المشتري بأني قد كلته وكان كيله كذا، فأيضاً يمكن أن يستفاد من هذه العبارة ذلك ايضاً، فإذاً هذه الرواية لا بأس بها فهي تدل على حجية إخبار البائع بالكيل.

ومن قبيل: - معتبرة محمد بن حمران قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنه كاله فصدّقناه وأخذناه بكيله، فقال:- لا بأس به )، فإذاً الامام عليه السلام قال صدّقه مادام قد قال أنا قد كلته، ثم قال ( فقلت:- أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال:- لا أما أنت فلا تبعه حتى تكيله )، وهذه العبارة كالعبارة الأخيرة في الرواية السابقة فإنه يمكن أن يقال إن الامام عليه السلام قال لابد أن تكيله حتى تبيعه لأنك إذا كلته فسوف تستطيع أن تبيعه وتخبر المشتري بمقدار والمشتري له حق أن يصدّقك، فإذاً يوجد موضعان للاستدلال في كل واحدة من الروايتين.

ومن قبيل: - موثقة سماعة: - ( قال:- سألته شراء الطعام وما يكال ويوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن؟ فقال: - أما أن تأتي رجلاً في طعام قد كيل ووزن تشتري منه مرابحة فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه إذا كان المشتري الأول قد أخذه بكيل أو وزن )، ودلالتها كدلالة الرواية السابقة.

الدليل الرابع: - لا إشكال بين الفقهاء في أنَّ وصف البائع للعين الغائبة بمثابة رؤيتها، كما لو قال للمشتري إنَّ مساحة الدار كذا وفيه كذا عدد من الغرف إلى يصفه اصوافاً كاملة فهنا يجوز للمشتري أن يشتريه على الوصف، نعم إذا اتضح بعد ذلك أن بعض الأوصاف ليس على ما ذكره البائع فله الخيار، ولكن المهم أنَّ العين الغابة يصح بيعها بذكر أوصافها فإذا قبلنا بهذا فالعين الحاضرة أيضاً يكفي ذكر أوصافها وأنَّ هذا الشيء كيله أو وزنه كذا فإنَّ هذا وصف من الأوصاف فإن قبلت ذلك في العين الغائبة فاقبله في العين الحاضرة ولا فرق بينهما في العرف والعقلاء من هذه الناحية.

هذه أربعة ادلة على أنَّ إخبار البائع بمقدار المبيع حجة ونكتفي بهذا المقدار.

وهل هناك معارض يدل على عدم كفاية إخبار البائع بمقدار المبيع وزناً أو كيلاً أو عداً؟

والجواب: - توجد روايتان معارضتان، فإن تمكنا رفع المعارضة فحينئذٍ نأخذ بالوجوه الأربعة السابقة من دون معارض ونحكم بحجية إخبار البائع بمقدار المبيع وإن كانت المعارضة ثابتة فسوف تختلف النتيجة، والروايتان هما: -

الرواية الأولى: - صحيحة الحلبي المتقدمة: - ( أنه قال في رجل اشترى من رجل طعاماً عدلاً بكيل معلوم وأن صاحبه قال للمشتري ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل فإنَّ فيه ما في الآخر الذي ابتعت، قال- لا يصلح إلا بكيل )[2] ، فالإمام عليه السلام حينما سأله السائل وقال له إنَّ هذا الشخص يقول إنَّ هذا العدل فيه ما في العدل الأول وهذا اخبار من قبل البائع لكن الامام عليه السلام قال له لا يصلح إلا بكيل أي لابد أن يكيله وهذا معناه أنَّ إخبار البائع بمقدار الكيل ليس بحجة، وعليه فسوف تصير هذه الرواية معارضة لما سبق وبالتالي لا يمكن أن نبي على كفاية وحجية إخبار البائع بمقدار المبيع لوجود المعارض.

وفي دفع هذه الرواية نقول: - قد تقدم أنه لا يبعد أن المقصود من قول الشخص خذ العدل الآخر فإن فيه مثل ما في الهدل الأول هو اخبار حدسي فهو لم يكله فإنه لو كان قد كاله للزم أن يقول إني قد كلته أيضاً ومقداره كذا، فحينما لم يقل إني قد كلته فهذا معناه أنه يخبر عن حدس، وهذا إما أن يكون هو المقصود جزماً فلا تضرنا الرواية أو نقول إنه يحتمل أن المقصود من الرواية ذلك وهنا لا تضرنا الرواية أيضاً، لأنه سوف يصير احتمالان في الرواية وعلى أحدهما تكون معارضة وعلى الآخر لا تكون معارضة فتعود الأدلة التي ذكرناه على كفاية إخبار البائع من دون معارض جزمي وإنما يوجد معارض احتمالي وهو لا ينفع في المعارضة فلم يثبت أنَّ هذه الرواية معارضة لتلك الأدلة فنأخذ بتلك الأدلة.

الرواية الثانية: - صحيحة أبي عبيدة[3] عن أبي جعفر عليه السلام:- ( ...... قيل له:- فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فيعزله بكيل فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: - إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل )[4] ، والذي يمكن أن يتمسك به لتقري بأن الرواية تدل على عدم حجية إخبار البائع هو أنها قالت ( وأنتم حضور ذلك ) وهذه الجملة يعبر عنها باللغة العربية بالجملة الحالية - يعني والحال أنكم حضور - والامام عليه السلام حينما يتكلم فهو يتكلم بمقدار المراد ولا يتكلم عن شيء زائد فعبارة ( وأنتم خضور ذلك ) يفهم منها أن حضوركم لازم، يعني أن إخباره بأنه كاله وأن كيله كذا لا ينفعن فيدل على أنَّ إخبار البائع بمقدار الكيل لا ينفع إذ لو كان ينفع فجملة ( وأتم حضور ذلك ) لا داعي إليها.

لكن يمكن المناقشة فيها فيقال: - إنَّ الامام عليه السلام ذكر هذه العبارة لا من باب أنَّ إخبار البائع بمقدار الكيل ليس بحجة وإنما من باب تقسيم الحصص فإنه لابد أن يكون بحضور الطرفين، فهذه العبارة ناظرة إلى مسألة القسمة، لأنَّ القسمة لابد فيها من التراضي فلابد من حضور كلا الطرفين، لا أن أحدهما هو الذي يقسّم، وهذا احتمال وجيه، وعليه فلا يمكن أن نحرز كون هذه الرواية معارضة لتلك الأدلة، بل لعلّها قيدت بقيد ( وأنتم حضور ) من باب أن تحقق القسمة الصحيح مشروط بحضور الطرفين وكيل الزكاة - القاسم - وأهل الزرع، وعليه فسوف لا تصير معارضة لأدلة حجية إخبار البائع.

ويوجد شيء آخر في هذه الرواية :- وهو إنَّ الامام عيه السلام قال:- ( إن كان قبضه[5] بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل )[6] ، فهنا الامام عليه السلام أكد على أنه من غير كيل، فلو كانت القسمة فقط تحتاج إلى حضور الطرفين فلا داعي إلى أن يقول الامام عليه السلام ( من غير كيل ) وإنما يكتفي بقول ( إن كان قبضه بكيل أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه ) من دون أن يؤكد بعبارة ( من غير كيل )، فحينما أكد الامام عليه السلام بعبارة ( من غير كيل ) يفهم أنَّنا نحتاج حضورهم إلى قضية الكيل، لا من باب أنَّ القسمة لا تتحقق إلا بحضور كلا الطرفين، أو لا أقل أنَّ حضورهم معتبر حتى في جانب جواز الاعتماد على إخبار البائع بمقدار الكيل، فعلى هذا الأساس هذه الزيادة سوف تضرنا، وهذه نكتة دقيقة جداً.

والجواب: - إنه يحتمل أن قوله عليه السلام ( من غير كيل ) قد ذكر من باب أنه في المقدمة كان السؤال عنه، حيث قال السائل:- ( يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فيعزله بكيل فما ترى في شراء ذلك الطعام منه ) يعني من غير كيلٍ، فهنا توجد كلمة مقدرة وهي (من غير كيل ) فتكون العبارة:- ( فما ترى في شراء ذلك الطعام منه من غير كيلٍ )، فعبارة ( من غير كيل ) التي قالها الامام عليه السلام هي من باب أنَّ السؤال كان عن الشراء من غير كيلٍ فقال لهم الامام عليه السلام مادمتم خضوراً فالقسمة صارت صحيحة فسؤالكم الذي سألتم عنه - وهو الشراء من دون كيل - يجوز مادمتم حضوراً إذ الحضور سوف يصحح القسمة فاشتروا منه، وهذا احتمال وجيه، فإذاً لا تصلح هذه الرواية للمعارضة، فتبقى الأدلة السابقة من دون معارض جرمي فنأخذ بها.

والنتيجة النهائية: - هي أنه يجوز الاعتماد على إخبار البائع للوجوه الأربعة أو بعضها.


[1] أي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله الثقة، وطيق الصدوق معتبر إلى عبد الرحمن بن ابي عبد الله.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحرالعاملي، ج17، ص343، أبواب عقد البيع وشروطه، ب4، ح2، ط آل البيت.
[3] وقد قلنا إنه ليس من البعيد أن أبو عبيدة هو أبو عبيدة الحذّاء.
[4] وسال الشيعة، الشیخ الحرالعاملي، ج17، ص220، أبواب ما يكتسب به، ب52، ح5، ط آل البيت.
[5] أي القاسم.
[6] أي وأنتم حضور التقسيم.