الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (88) كفاية إخبار البائع بمقدار الكيل أو الوزن أو العد - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

مسألة(88 ):- يكفي في معرفة التقدير إخبار البائع بالقدر كيلاً أو وزناً أو عداً. ولا فرق بين عدالة البائع وفقه، والأحوط اعتبار حصول الاطمئنان للمشتري بإخباره. ولو تبين الخلاف بالنقيصة كان المشتري بالخيار في الفسخ والامضاء بتمام الثمن ولو تبينت الزيادة كان البائع بالخيار بين الفسخ والامضاء بتمام المبيع، وقيل يرجع المشتري على البائع بثمن النقيصة في الأول وتكون الزيادة للبائع في الثاني وهو ضعيف.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على ثلاث نقاط أهمها الثالثة: -

النقطة الأولى: - نحن ذكرنا في المسألة السابقة أنه يعتبر معرفة مقدار المبيع بالكيل أو الوزن أن العدد، وفي هذه النقطة يريد السيد الماتن أن يقول إذا أخبر البائع أخبر بأنَّ الكيل أو الوزن أو العدد كذا فهل يكتفى بإخبار البائع؟ قال: - نعم يكفي إخبار البائع بالمقدار سواء كان وزناً أو كيلاً أو عدداً.

ونلفت النظر إلى أنَّ بعض ألفاظ النقطة الأولى التي ذكرها السيد الماتن توجب الغموض، حيث قال ( يكفي في معرفة التقدير إخبار البائع كيلا أو وزناً أو عدّاً )، فكلمة ( التقدير ) توجب الغموض في المقصود، والأفضل أن يقال ( يقوم مقام الكيل والوزن والعدد إخبار البائع بذلك ).

النقطة الثانية: - هل يلزم أن يكون البائع المخبر بالكيل أو الوزن أو العدد أن يكون عادلاً أو يكفي ولو كان فاسقاً؟ قال: - يكفي ولو كان فاسقاً، ولكن الأحوط أن يحصل الاطمئنان من إخباره.

ولكن نقول: - إنه إذا حصل الاطمئنان صار المدار على الاطمئنان فإن الاطمئنان بنفسه حجة.

النقطة الثالثة: - إذا أخبر البائع مثلاً أنَّ هذا المبيع وزنه مائة وعشرين كيلواً فأخذه المشتري بعنوان مائة وعشرين كيلواً ثم تبين النقيصة في الوزن وكان وزنه مائة وخمسة عشر كيلواً فهنا المشتري مخير بين أن يمضي المعاملة بتمام الثمن، وبين أن يفسخ المعاملة ويرجع على البائع بالثمن، كما يوجد قول برجوع المشتري على البائع بالفرق وكان السيد الحكيم(قده) يذهب إلى هذا في المنهاج القديم، ولكن هذا القول ضعيف.

وإذا ظهرت الزيادة في كما لو تبين أن وزن المبيع مائة وعشرين كيلواً، فهنا يكون البائع مخير بين أن يمضي المعاملة كما هي عليه وبين أن يفسخ في الجميع، لا يصح أن يرجع البائع على المشتري بالفرق، قال: - ( ولو تبين الخلاف بالنقيصة كان المشتري بالخيار في الفسخ والامضاء بتام الثمن، ولو تبينت الزيادة كان بالخيار بين الفسخ أو امضاء كل المعاملة تمام المبيع. وقيل[1] يرجع المشتري على البائع بثمن النقيصة في الأول وتكون الزيادة للبائع في الثاني وهو ضعيف ).

وقبل أن نشرع في النقطة الأولى من المسألة نلفت النظر إلى قضية: - وهي أنَّ محل الكلام فيما إذا كان البيع جزئياً لا ما إذا كان كلياً، لأنه توجد حالتان فحينما يشتري المشتري من البائع فمرة توجد عند البائع مقدار من الرز بعنوان مائة وعشرين كيلو والمشتري اشتراها منه بمائة وعشرين ديناراً فهذا بيع شخصي ثم تبينت النقيصة أو الزيادة فهذه هي مسألتنا، ومر يفترض ان المتري يشتري من البائع مائة وعشرين كيلواً من الزر ولكن هذه المائة والعشرين المعينة وإنما بنحو الكلي والبائع حينما وزن المبيع وأخذه المشتري منه تبين أنَّ وزن المبيع ناقص فهنا لا تأتي مسألة تخير المشتري بين بين الفسخ من رأس وبين الامضاء بتمام الثمن كما في الجزئي، وهذا لم ينبه عليه السيد الماتن لوضوحه، فغن المفروض أن البيع قد وقع على المائة والعشرين الكلية ولم تتضح النقيصة ولا الزيادة فإن الكلي لا تصير فيه الزيادة والنقيصة، نعم في مقام الوفاء والدفع اتضح أن الوفاء فيه زيادة أو نقيصة ولكن هذا شيء آخر فيجوز الرجوع حينئذٍ لأن المعاقدة والمعاملة كلية وهي قد وقعت على المائة والعشرين ولكن الوفاء كانت فيه نقيصة فهنا إذا كانت هناك نقيصة في الوزن فعليه أن يتممها وإن كانت هناك زيادة بمقدار خمس كيلوات فيسترجعها، فإذاً هذه الشقوق الثلاثة في المسألة تختص بحالة ما إذا كانت المعاملة قد جرت على الشخصي لا ما إذا جرت على الكلي وحصل الاشتباه في مقام الوفاء فإنَّ هذه الشوق لا تأتي هنا، بل من الواضح أنه إذا كان الاشتباه في مقام الوفاء فذلك الوفاء باطل ويبدّل بوفاءٍ ثانٍ، فإنَّ البيع صحيح وهو قد جرى على المائة مائة وعشرين كيلواً فالوفاء يبدل فإما أن يعطيه كيساً فيه مائة وعشرين كيلواً أو يعطيه الخمس كيلوات التي هي النقص، فهذا نسلمه كما يسمله السيد الماتن إذا كان الاشتباه في مقام الوفاء، إنما الكلام إذا كان البيع جزئياً واتضح الاشتباه فهنا المعاملة جرت على الجزئي دون الكلي فهنا المشتري مخير بين الفسخ في الكل وبين الامضاء في الكل ولا يوجد شق ثالث في البين - وذلك بأن يسترجع المقدار الناقص -.

الكلام في النقطة الأولى: - وهي أنَّ إخبار البائع بمقدار المبيع حجة، والدليل على الحجية أمور: -

الأمر الأول: - الوثوق إذا حصل - أي الاطمئنان -،كما لو جاء شخص متدين وقال إنَّ قدر المبيع مائة وعشرين كيلواً، فهنا يحصل لي الوثوق - الاطمئنان -، والاطمئنان حجة، وقد ذكرنا أنَّ مدرك حجية الاطمئنان هو السيرة العقلائية، فإنَّ العقلاء قد جرت سيرتهم على الاعتماد على الاطمئنان في جميع أمورهم كالتزويج وغير ذلك، فكل أمور العقلاء مبنية على الاطمئنان إلا من باب الاحتياط في بعض المرات كما لو احتملت أنه يوجد درس في هذا اليوم فهنا سوف أذهب كي ألاحظ ذلك، ولكن هذا مطلب ثان، أما بقية أمور العقلاء إذا حصل الاطمئنان فهم يشمون على الاطمئنان وحيث لا ردع عنه فيثبت بذلك الامضاء.

وإذا قلت: - إن قوله تعالى ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾ هو رادع عن هذ السيرة العقلائية.

قلت: - إنَّ العلم هنا بمعنى العلم العرفي وليس العلم بمعنى الانكشاف التام، بل هو المقصود من العلم في الآية الكريمة هو العلم الشامل للاطمئنان، وإلا لو كان المقصود هو العلم بنحو الانكشاف التام لاحتاج إلى ردع مكثف عن الاطمئنان، لأنَّ العقلاء يمشون على الاطمئنان، فلو كان الاطمئنان مردوعاً عنه لاحتاج إلى ردع كثيف وقوي والحال أنه لا يوجد ردع بهذا المقدار.

ولو قلت: - إنَّ آيات الظن تردع عنه.

قلت: - إنَّ ذلك ظنَّ أما هذا فهو اطمئنان، والظن والاطمئنان شيئان عرفاً وليسا شيئاً واحداً.

الأمر الثاني: - أن نقول إنَّ البائع صاحب يد وإخبار صاحب اليد حجة بالسيرة العقلائية، وحيث لا ردع عن هذه السيرة فيثبت بذلك الامضاء، فإنه وإن لم يحصل الوثوق ولكن العقلاء يأخذون بذلك، وربما يستدل على حجة إخبار صاحب اليد بموثقة أبي بصير التي رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن ابن رباط عن ابن مسكان عن أبي بصير قال: - ( سألت أبا عبد الله السلام عن الفأرة تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه فقال إن كان جامداً تطرحها وما حولها ويؤكل ما بقي وإن كان ذائباً فأسرج به وأعلمهم إذا بعته )[2] ، ولعله يوجد غيرها، والشاهد هو قوله عليه السلام ( وأعلمهم إذا بعته ) فهذا يدل على أنَّ إعلام صاحب اليد حجة على الطرف الثاني، إذ لو لم يكن كلام صاحب اليد حجة فلا معنى لأن يأمره الامام عليه السلام بالإعلام، فأمر الامام عليه السلام بالإعلام يدل على حجية إخباره، هكذا قد يستدل بهذه الرواية كداعمٍ للسيرة أو كدليلٍ مستقل.

ولكن الاشكال في ذلك واضح: - فإنَّ هذا إخبارٌ على نفسه، والإخبار على النفس يورث الاطمئنان، فإنَّ هذا الشخص حينما يقول قد ماتت فأرة في هذا الزيت - يعني أنه نجس - فهنا هو قد أخبر على نفسه، وبلا إشكال الإخبار هنا حجة، لأنها شهادة على النفس وليس شهادة للنفس، فلا نتمكن أن نستشهد بهذه الرواية على أنَّ إخبار صاحب اليد حجة، وإنما يلزم أن نتمسك بالسيرة التي لا ردع عنها، ولكن يبقى أنَّ هذه السيرة هل هي مطلقة أو إذا حصل لا أقل الظن بإخبار صاحب اليد؟ إنه ليس من البعيد أنه إذا حصل الشك في إخبار صاحب فليس من الواضح الأخذ بها، وإنما القدر المتيقن هو حالة حصول الظن من إخباره، وعليه فسوف تنفعنا هذه السيرة في حالة حصول الظن من إخبار صاحب اليد.


[1] والقائل هو السيد الحكيم في منهاجه القديم وغيره.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج17، ص98، أبواب ما يكتسب به، ب6، ح3، ط آل البيت.