الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 87 ) يشترط في البيع أن لا يكون غررياً - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وفي الجواب نقول:- إنَّ مالك الجارية حينما قال لرفاعة خذ هذه الجارية بحكمك فالمقصود من ( بحكمك ) أنه بما أنك نخّاس وتبيع الجواري وتشتري فأنت تعرف الأسعار والقيم السوقية، فبحكمك يعني بما تراه مناسباً للقيمة السوقية، فالثمن هو قيمتها السوقية التي تراها وليس كل ما تحكم به بل بما تراه قيمة عادلة عن القيمة السوقية، وتوجد اضافة أخرى وهي أنه يا رفاعة لابد أن لا يقلّ الثمن عن القيمة السوقية، فبحكمك يعني بما أنك تعرف القيمة السوقية ولا يقل عنها، وكل عاقل حينما يقدم على معاملة من هذا القبيل فمقصوده هو هذا، وهذا مسلّم، فالمهم أن لا يقل الثمن عن القيمة السوقية، أما إذا زاد فلا مشكلة في ذلك فيصير الثمن هو الزائد، وعادةً الانسان حينما يقدم على معاملة من هذا القبيل وأنا قلت لك أيها الدلال بع داري هذه بما تراه من القيمة السوقية المتعارفة يعني لا تقل عن القيمة السوقية ولكن إذا ازدادت فهذا مرٌ جيد وأفضل، فهذا هو المتعارف بين الناس، وإذا اتضح أنَّ المقصود عقلائياً هو هذا فحينئذٍ يتضح وجه الحكمين في الرواية الشريفة الحكم الاول قال الامام عليه السلام إذا كان ما حكم به رفاعة أقل من القيمة السوقية رجع مالك الجارية على رفاعة بالناقص وهذا واضح لأنه وكله بالبيع بالقيمة السوقية فما زاد فيرجع بالمقدار الناقص، وإذا ظهرت زيادة في القيمة السوقية فلو كان القيمة السوقية وقد اشتراها رفاعة بمائة عشرين فهنا كل المائة والعشرين تصير كلها هي الثمن لأنَّ البائع وكله بالثمن السوقي فما زاد ولو كان أكثر كان فضل، ولذلك قال الامام عليه السلام إذا تبين وجود زيادة لا يرجع المشتري - رفاعة - بالزائد عن القيمة السوقية لأنَّ مالك الجارية في أنَّ يبيع هذه الجارية بالثمن السوقية من دون أن يقل عنه ولكن إذا اد على القيمة السوقية فهذا المبلغ كله يصير هو الثمن ففي صورة وجود زيادة لا يسترجع رفاعة الزائد وفي صورة وجود نقيصة يرجع مالك الجارية بالنقيصة على رفاعة، فإذاً ارتفع الاشكال على الرواية وهو أنه إذا وكل مالك الجارية رفاعة في ببيع الجارية بالقيمة السوقية فلماذا يرجع مالك الجارية على رفاعة بالنقيصة ولكنه لا يرجع عليه بالزيادة في صورة الزيادة إذا كان المدار على القيمة السوقية فكما يرجع رفاعة بالناقص يلزم أن يرجع بالزائد؟ وجوابه قد اتضح وهو ما ذكرناه.

يبقى شيء: - وهو أننا حللنا إحدى المشكلتين وتبقى المشكلة الثانية، وهي أن مالك الجارية وهكذا المشتري للجارية - رفاعة - بادئ ذي بدء لا يعلمون بالقيمة السوقية، فمالك الجارية هنا سوف تصير عنده جهالة بالقيمة السوقية، وهكذا توجد جهالة عند رفاعة، لأنَّ رفاعة لم يرَ الجارية وينظر إلى أوصافها حتى يعرف كم هي قيمتها وإنما مالك الجارية جاء بها وقال لرفاعة بعتكها بحكمك - أي بالقيمة السوقية - ورفاعة قال له قبلت من دون أن يعرف أوصافها من محاسن ومساوئ، فالاثنين توجد عندهم جهالة، ولا أقل مالك الجارية لا يعرف قيمتها، وكذلك رفاعة مادام لم يرَ الجارية ولكنه اشترها مع جهله لقيمتها السوقية ولكنه قال لمالكها أنا فيما بعد سوف أعرف أقيمها، فإذاً أنت حللت الاشكالين السابقين عن الرواية ولكن إشكال جهالة الثمن لم يرتفع، فهذه الرواية دلت على أنَّ الجهالة في الثمن لا ضير فيه، فتكون معارضة لرواية ميسر كما ذكرنا.

والجواب: - إنَّ القيمة السوقية في عالم الثبوت مضبوطة، فالثمن جعل شيئاً منضبطاً غايته الآن لا نعرفه ولكنه يعرف بعد قليل، نظير ما إذا فرض أني قلت لك بعتك الشيء الفلاني بما في هذه الصّرّة، فهنا الثمن واقعاً معين حين البيع ولكن أنا وأنت لا نعرفه وهل يمكن الحكم بصحة هذا البيع؟ إنه يوجد مجال للحكم بصحته، إنما الذي يصعب الحكم بصحته ما إذا فرض أن الشيء كان مجهولاً في عالم الثبوت وعالم الاثبات - أي في علمهما وبلحاظ الواقع - بأن يقول له أبيع لك هذا الشيء بالذي أعينه لك فيما بعد، فهذا لا نحن نعلم به ولا أنه معين الآن في عالم الثبت أما هنا فهو يقول له بعتك هذا الشيء بهذا المال الموجود في الصرّة فهذا يمكن أن يقال هو نوع من التعيين، وإذا قال قائل:- إنَّ هذا ليس هو التعيين المطلوب، قلنا:- إنه إذا دلت عليه رواية فيمكن أن نقبله لأنَّ هذا النحو فيه جمال إذا دلت عليه رواية مثل رواية رفاعة لا أنه ليس معيناً رأساً، وفي مقامنا المفروض أنَّ مالك الجارية قال لرفاعة بعتك الجارية بما تحكم به أنت، أي بما أنك من أهل الخبرة بالقيمة السوقية، وحيث إنَّ القيمة السوقية منضبطة عادة والتفاوت إن كان فهو يسير، فإذاً القيمة السوقية منضبطة، فالحوالة صارت على شيء منضبط غايته الآن هما لا يعلمان بها وهذا يمكن أن يقال هو لا يضر مادامت هي متعينة ثبوتاً، فعلى هذا الأساس اندفع الاشكال الثاني، وأنه كيف يصح هذا البيع مع الجهالة بالثمن، فنحن الآن حللناه بأنَّ الثمن هو القيمة السوقية وهي منضبطة عادة، وقلنا إنَّ المقصود هو أنَّ مالك الجارية حينما يقول له ( بحكمك ) يعني لا يقل عن القيمة السوقية، فمن ناحية القلَّة أخذ بشرط لا، يعني يلزم أن لا يكون قليلاً عن القيمة السوقية، أما من ناحية الأكثر فإما القيمة السوقية أو أكثر منها، يعني يؤخذ بنحو اللا بشرط، وهذا النحو من التعيّن لا مشكلة فيه، فإذا ينحل كلا الاشكالين.

وبهذا اتضح أنَّ رفاعة لا مشكلة فيها والحل هو ما أشرنا إليه من دون الحاجة إلى حل الشيخ الأعظم أو صاحب الحدائق.

والنتيجة: - هي أنَّ وراية رفاعة لا تتنافى مع الحكم بلزوم التعيّن لا أنها تدل على لزوم تعيّن الثمن، نعم هي لا تدل على أنَّ الجهالة جائزة، فعلى هذا الأساس تكون النتيجة هي أنه لا دليل على لزوم تعيّن الثمن.

وهل يوجد دليل آخر على لزوم تعيّن الثمن؟

والجواب: - نحن نتمسك بنفس الروايات الواردة في المثمن وأنه يلزم تعيّن المثمن، فهي بنفسها تدل على اعتبار تعيّن الثمن من باب أنه لا يحتمل الفرق بين المثمن والثمن، والفقهاء لا يحتمل أحد منهم الفرق بينهما من هذه الناحية، فمن قال بالاعتبار فقد قال به في كليهما، ولم يفصّل أحد في ذلك، فبضم عدم القول بالفصل نقول يلزم تعيّن الثمن أيضاً لنفس روايات لزوم تعيّن المثمن، أو استبعاد التفرقة بينهما، فإنَّ الفقيه بما هو عرفي وبما هو فقيه يستبعد الفرق بينهما، فإذاً يعتبر تعيّن الثمن، وإذا شكك شخص في ذلك فالأحوط اعتبار التعيّن في الثمن أيضاً.

وبهذا فرغنا من النقطة الأولى من النقاط الأربع من هذه المسألة.