الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 87 ) يشترط في البيع أن لا يكون غررياً - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

قلنا إنّ رواية ميسر معارضة بمعتبرة رفاعة النخاس حيث دلت على أنَّ البيع صحيحاً إذا كان الثمن مجهولاً وقد وقعت هذه الرواية محلاً للقال والقيل بحدّ نفسها بقطع النظر عن كونها عارضة برواية ميسر، وقد رواها الشيخ الصدوق بإسناده عن السحن بن محبوب عن رفاعة، وطريق الصدوق على الحسن بن محبوب معتبر وقد ذكره في المشيخة، وإذا كان هناك تأمل في بعض فنتمكن أن نعوّض بطريق الشيخ الطوسي فإنه رواها بإسناده عن الحسن بن محبوب عن رفاعة وطريقه معتبر أيضاً، وإذا كان فيه تأمل أيضاً فنعوض بطريق الشيخ الكليني حيث رواها هكذا:- ( عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً عن الحسن بن محبوب )، ولو كان سهل وحده لكان هناك قال وقيل ولكنه رواها أيضاً عن أحمد بن محمد، وأحمد بن محمد هو إما ابن عيسى أو البرقي وكلاهما ثقة، فإذا ًالرواية معتبرة من حيث السند، وقد رواها المحمدون الثلاثة، ونصّها:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام ساومت رجلاً بجارية فباعنيها بحكمي فقبضتها منه على ذلك ثم بعثت إليه بألف درهم فقلت هذه ألف درهم حكمي عليك أن تقبلها فأبى أن يقبلها مني وقد كنت مسستها قبل أن أبعث إليه بالثمن، فقال:- أرى أن تقوّم الجارية قيمةً عادلةً فإن كانت قيمتها أكثر مما بعثت إليه كان عليك أن ترد عليه ما نقص من القيمة، وإن كان ثمنها أقل مما بعثت إليه فهو له. قلت:- جعلت فداك إن وجدت بها عيباً بعدما مسستها؟ قال:- ليس لك ن تردّها ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحة والعيب منه )[1] ، وقوله ( بحكمك ) يوجد فيه احتمالان، الأول أنه كل ما تقوله أيها المشتري أنت وانصافك فهذا مقبول منك، والثاني أنَّ المقصود من قوله ( بحكمك ) هو أنه بما أنك رجل نخاس وتعرف الأسعار والقيمة السوقية فأنا أقبل بقولك أي بما تراه قيمةً سوقيةً عادلة، ولعل الثاني أنسب من الأول، ولكن على كلا التقديرين الثمن ليس مضبوطاً حين البيع، فالبائع حين البيع لا يعلم بمقدار الثمن، فالجهالة موجودة على كلا التقديرين ولا ترتفع.

والرواية تامة سنداً، ولكن هل تدل على الصحة رغم تعيّن الثمن أو أنها تدل على الفساد؟ فإنه يوجد فيها ثلاثة أحكام حكمان يتلاءمان مع الصحة وحكم يتلاءم مع الفساد، ولذلك وقعت محلاً للقال والقيل.أما الحكمان اللذان يتلاءمان مع الصحة: - فالحكم الأول: - أنه قال إنه حينما مسستها رأيت فيها عيباً والامام عليه السلام قال إنَّ لك الأرش، وهذا الحكم يتلاءم مع الصحة، لأنَّ الأرش يصير في المعاملة الصحيحة ولو كانت المعاملة فاسدة لكان من المناسب للإمام عليه السلام أن يقول له عليك دفع قيمة الوطئ إلى البائع وترّد الجارية عليه وتأخذ ثمنك الذي دفعته إليه.والحكم الثاني: - هو أنَّ الامام عليه السلام قال للمشتري إذا كان الثمن الذي حكمت أكثر من القيمة الواقعية فهو للمشتري وهذا معناه أنَّ المعاملة صحيحة، إذ كانت فاسدة فلا معنى لكون هذه الزيادة للمشتري، وإلا لو كانت المعاملة فاسدة وأراد رفاعة أن يأخذ الجارية فلابد أن يأخذها بقيمة المثل فإن كانت قيمتها الواقعية تسعمائة فلابد أن يدفع تسعمائة وليس ما حكم به رفاعة، أما بعد كون الثمن هو ما حكم به رفاعة فهذا معناه أنَّ المعاملة صحيحة.وأما الحكم الثالث الذي يلتئم مع كون المعاملة باطلة: - فهو إذا فرض أنَّ رفاعة حكم بكون الثمن هو ألف ظهر بعد ذلك أنَّ الثمن أكثر ففي مثل هذه الحالة إذا كانت المعاملة صحيحة فلابد أن يقبل البائع بما حكم به رفاعة، ولكن الامام عليه السلام قال إذا اتضح أنَّ القيمة الواقعية أكثر مماحكم به رفاعة فلابد أن يدفع رفاعة الفرق للبائع وهذا معناه أنَّ المعاملة فاسدة، فهذا الحكم يتلاءم مع الفساد.فإذاً ماذا نصنع مع هذه الصحيحة؟

والجواب: - نحن نذكر ثلاث مواقف تجاه هذه الصحيحة، الاول لصاحب الحدائق(قده)، والثاني للشيخ الأعظم(قده)، والثالث للسيد الخوئي(قده): -

أما صاحب الحدائق(قده) فقد قال: - أنَّه مادام الثمن ليس متعيناً فمقتضى القاعدة هو الفساد ونستثني من ذلك صورة واحدة نحكم فيها بصحة البيع رغم عدم تعين الثمن وهي الصورة التي وردت في معتبرة رفاعة يعني إذا باع البائع ولم يعيّن الثمن وإنما تركه لحكم المشتري، فهنا لأجل أنَّ الرواية دلت على الصحة فهنا نحكم بالصحة، قال: - ( وحينئذٍ فيقال باستثناء صورة حكم المشتري وقوفاً على ظاهر الخبر، وما المانع من ذلك؟ )[2] .


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص364، أبواب عقد البيع وشروطه، ب18، ح1، ط آل البيت.
[2] الحدائق الناظرة، البحراني، ج18، ص462.