الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/03/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 87 ) يشترط في البيع أن لا يكون غررياً - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

هذا ولكن الدلالة ليس بتامة، وكذلك السند ليس بتام، وحينئذٍ لا تصير معارضة لتلك الروايات، أما أنَّ الدلالة ليست بتامة فذلك باعتبار أنَّ الوارد هو تعبير ( عن الرجل يشتري بيعاً فيه كيل أو وزن بغيره )، وقد قلنا إنَّ تعبير ( بغيره ) يعني بغير الكيل أو الوزن، ولكن نقول إنَّ هذا يرد عليه:-

أولاً: - إنَّ هذا التعبير موجود هكذا في الوسائل ولكن حينما نراجع المصادر[1] نجد التعبير ليس ( بغيره ) وإنما ( يعيّره ) يعني أنَّ المكيل أو الموزون يعيّره كأن يضبطه بمكيال ثم يأخذ الباقي على هذا المكيال، كما لو كان يوجد قياس الزون عند صاحبي وأنا أخذت مكيالاً وقست مقدار وزنه عنده ثم من خلال هذا المكيال أخذت أقيس المبيع والامام عليه السلام قال لا بأس، فـالوارد هو تعبير ( يغيره) وليس ( بغيره ) ، ومعنى ( يعيره ) في اللغة هو كما ذكر مجمع البحرين ( وعيرت الدنانير تعييراً امتحنتها لمعرفة أوزانها )، فالمقصود هو طريق لمعرفة الوزن أو الكيل، وأنا أخذت هذا المكيال وعيرت المبيع فيها ولاحظت كم يصير وزنه ثم أخذت أقيس الباقي من المبيع عليها والامام عليه السلام قال لا بأس.

إذاً عرفنا اذا الرواية من حث المتن الوارد في المصادر هو تعبير ( يعيره ) وليس ( بغيره )، ومن حيث السند فهي مسندة بالسند الأول ولكن فيه القاسم بن محمد ولم تثبت وثاقته، أما سندها في التهذيب والكافي ففيه ارسال، فعلى هذا الأساس تصير مرسلة، مضافاً إلى أنَّ المقصود هو التعيير بالشكل الذي ذكرناه، ويكون على منوال رواية أخرى هي بهذا المضمون وه رواية عبد الملك بن عمر :- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام أشتري مائة راوية من زيد فأعترض راويةً أو اثنتين فأزنهما ثم آخذ سائره على قدر ذلك؟ قال:- لا بأس )[2] ، يعني سوف يصير مضمون الرواية المتقدمة نفس مضمون هذه الرواية وهذه طريقة يتبعها الناس أحياناً بهذا الشكل، كما قلنا أنَّ هذه الطريقة يتبعونها في بيع الجوز بأن يأخذوا مكيالاً ويملؤونها بالجوز ثم يعدونه وبعد ذلك يبيعون الباقي على عدد المكاييل اعتماداً على عدد المكيال الأول.

إذاً جوابنا عن هه الرواية التي قد تدعل معارضة لتلك الروايات هو أنها ضعيفة سنداً لأجل وجود القاسم بن محمد في أحد طرقها وكل قاسم بن محمد لم تثبت وثاقته، مضافاً إلى أنها مريلة في بقية الأسانيد، فهي غير تامة سنداً وأما من حيث الدلالة الفوارد فيها تعبير ( يعيرّه ) وليس ( بغيره ) فتكون خارجة عن محل الكلام.

ثانياً:- توجد قرينة في نفس الرواية تدل على لكلمة ( بغيره ) غير صحيحة ولا نحتاج إلى مراجعة المصادر الأخرى حيث قالت الرواية ( عن الرجل يشتري بيعاً فيه كيل أو وزن بغيره ثم يأخذ على نحو ما فيه )، فتبقى جملة ( ثم يأخذ على نحو ما فيه ) لا ربط لها بما سبق ولا يكون لها معنى، بينما لو كان التعبير الوارد فيها هو ( يعيره ) أي يضبطه من خلال الكيل ثم يأخذ الباقي على طبق هذا المكيال يكون المعنى تاماً، فإذاً هذه الفقرة بنفسها قرينة على أنَّ كلمة ( بغيره ) غير صحيحة والصحيح هو تعبير ( يعيّره ) فإنه على هذا يكون الارتباط والتناسب واضحاً.

هذا كله بقطع النظر عن السند وإلا فالإشكال يكون من جهة أخرى.

وبهذا اتضح أنه من ناحية المثمن الروايات الدالة على اعتبار ضبطه باليل أو بالوزن أو بالعد تامة دلالة وسنداً وهذه الرواية المعارضة ليست بتامة بل هي خارج محل الكلام.

ولعل قائل يقول: - إنه يوجد جواب آخر، وهو أنَّ تلك الروايات الدالة على لزوم ضبط المبيع هي سته على الأقل وهذا أشبه بالاستفاضة في مقابل رواية واحدة، فلا تقف هذه الرواية الواحدة أمام تلك الستة، فإنَّ تلك الستة مطمأن بصدورها فالمعارض لها يسقط عن الاعتبار.

وجوابه واضح: - هو أنَّ هذا الكلام يقال فيما إذا كانت المعارضة مستقرة، والمفروض أنَّ المعارضة هنا ليست مستقرة، لأنه يمكن حمل تلك الست روايات على الاستحباب بقرينة هذه الرواية واحدة فالجمع الدلالي موجود أما إذا لم يمكن الجمع الدلالي فما ذكرته له وجاهة، أما بعد فرض إمكان الجمع الدلالي بحمل تلك الروايات الست على الاستحباب فلا معنى لما ذكرته.

والنتيجة من كل هذا: - هي انه لابد من ضبط المبيع بالكيل أو الوزن أو العد من دون تأمل لتمامية الروايات الست دلالة وسنداً.

هذا كله في حديثنا عن المثمن.

وأما الكلام بلحاظ الثمن: - وقد يستدل على لزوم ضبط الثمن بأدلة ثلاثة: -

الأول: - الاجماع.

الثاني: - حديث نفي الغر.

الثالث: - الروايات.

أما الاجماع وحديث نفي الغرر: - فقد تقدم الكلام عنهما عند الكلام عن لزوم ضبط الثمن وقد ناقشنا فيهما معاً، والمهم هو الروايات.

وأما الروايات: - فتوجد رواية واحدة، ولكنها معارضة برواية أخرى، كما أن نفس هذه الرواية فيها عدّة مشاكل، وهي رواية حمّاد عن ميسر - أو حمّاد بن ميسر - عن جعفر عن أبيه عليهما السلام:- ( أنه كره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يُدرَ كم الدينار من الدرهم )[3] ، وموضع الشاهد هو التعليل حيث قال ( لأنه لا يدر كم الدينار من الدرهم )، وفي ذلك الزمان كان الدينار يضبط بعشرة دراهم ولكن قد تختلف الأزمنة ويصير الفاصل طويل بين الشراء وبين تسليم الثمن أو أن إنساناً غريباً فنفترض أنَّ الثمن - الذي هو دينار غير درهم الدرهم - لا يدرى أن نسبته هي نسبة الواحد إلى العشرة أو بعد فترة زمنية يختلف الدينار فيصير يساوي تسعة دراهم وعليه يصير الثمن هو ثمان دراهم، فإما أن نفترض أنَّ الفترة كانت فترة تقلّب الأحوال وعدم الضبط أو نفترض كون الانسان كان غريباً ولا يعلم أنَّ مقدار الدينار غير درهم كم هو بالضبط عنده، فعلّل أنَّ هذا لا يجوز لعدم ضب الثمن لأنه قال ( لا يدرى كم هو مقدار الثمن )، لأنه قال له ( دينار غير درهم ) يعني هل هو تسع دراهم كما هو المتعارف أنَّ الدينار يساوي عشر دراهم، أو هو ثمان دراهم في فترة تقلّب الأحوال وصيرورة الدينار يساوي تسعة دراهم، فإذاً الرواية دلت على أنَّ مجهولية الثمن مضرّة بصحة البيع.


[1] تهذيب الأحكام، الطوسي، ج وروها في تهذيب الأحكام، الطوسي، ج7، ص123 مع الارسال حيث رواه عن الحسن بن محمد بن سماعة عمّن ذكره عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله. ورواه الكليني في الكافي، ج5، ص194، عن حُمَيد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عمّن ذكره عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص343، أبواب عقد البيع وشروطه، ب5، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج18، ص81، أبواب احكام العقود، ب23، ح4، ط آل البيت.