الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/02/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 87 ) يشترط في البيع أن لا يكون غررياً - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وأما من حيث السند: - فسماعة توجد ظاهرة في رواياته وهي الاضمار، فتوجد الكثير من رواياته مضمرة وكأن الأصل الأولي عنده هو الإضمار والذي خرج هو حالة عدم الإضمار، ولكن هذا ليس بمهم كما في هذه الرواية، فلعل الضمير لا يرجع إلى الامام عليه السلام.

وقد تكلمنا أكثر من مرة عن قضية الإضمار ولكن نشير إليها هنا مرة أخرى: - وهو أنَّ الآراء في حجية المضمرة ثلاثة، الأول عدم الحجية مطلقاًن والثاني التفصيل بين من لا يليق به أن يروي عن غير الامام وبين غيره فالأول روايته حجة والثاني روايته ليست بحجة، الثالث هو الحجية مطلقاً.

أما الأول: - فهو ما يأتي بادئ ذي بدء، فإنَّ هذا الراوي يقول سألته ولعله سمع زرارة مثلاً وليس الامام، فليس من المعلوم أنَّ الضمير يعود إلى الامام عليه السلام، فلا تكون المضمرة حجة، ومستند هذا القول هو عدم احراز كون النقل عن الامام عليه السلام، والنقل عن غيره لا نيفع شيئاً.

أما الثاني: - وهو التفصيل بين من لا يليق به أن يروي عن غير الامام فهو حجة كزرارة، وبين غيره فليست بحجة، وهذا التفصيل موجود، فحينما وصلنا إلى صحاح زرارة في علم الأصول قيل بأن زرارة لا يليق به أن يروي عن غير الامام عليه السلام لأنه من أجلّة أصحابنا فروايته تكون حجة وإن كانت مضمرة، نعم غيره من كان ليس بهذه المنزلة فرواياته المضرة لا تكون حجة.

ولكن هذا القول يحتاج إلى متمم: - وهو أنَّ زرارة لا يليق به النقل عن غير الامام في أواخر حياته العلمية وجلالته، أما في بداية شبابه فإنه يليق به أن ينقل عن غير الامام عليه السلام، فلابد إذاً أن نثبت أنَّ روايته المضمرة قد رواها في حال كبره وجلالته.

أما الثالث: - فهو يوجه بهذا التوجيه ولعلني رأيت هذا التوجيه في المستمسك وحاصله أن يقال إنَّ الرواية أحياناً تكون طويلة يذكر في بدايتها الامام عليه السلام، كأن يقال ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كذا فقال كذا )، وفي السؤال الثاني يقول ( وسألته .... )، وحيث قُطِّعت الروايات على الأبواب المختلفة برزت ظاهرة الاضمار.

وهذا الكلام الذي ذكره السيد الحكيم(قده)، هو ينفع في موضعين، الأول أنه لماذا برزت ظاهرة الإضمار، وقد اتضح أن الرواية طويلة وقد قُطِّعت، والثاني أنَّ المضمرة حجة لأنَّ الامام عليه السلام مذكور في بدايتها ثم يرجع الضمير إليه.

وفي التعليق على ما أفاده نقول: - إنَّ هذا وجيه إذا أحرزنا أنَّ المسؤول في البداية هو الامام عليه السلام، ولكن ما يدريك أن المسؤول هو الامام عليه السلام؟!! إلا أن تضم ضميمة وهي أن تقول إنَّ زرارة لا يناسبه أن يسال غير الامام عليه السلام، ولكن بهذا قد رجعنا إلى القول السابق الذي يفصّل بين من يليق به أن يروي عن غير الامام فمضمراته لا تكون حجة وبين من لا يليق به أن يروي عن غير الامام فتكون مضمراته حجة، والمفروض أنك تريد اثبات حجية المضمرات مطلقاً، وما ذكرته لا يثبت لك ما تريد.

والأجدر أن يوجه بما أشرنا إليه أكثر من مرة وقد أشرنا إليه في دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي: - وهو أن يقال إنَّ ظاهرة الاضمار ظاهرة مرفوضة إلا مع معهودية مرجع الضمير، أما إذا لم يكن مرجع الضمير معهوداً فظاهرة الاضمار مرفوضة عرفاً، مثلا لو دخل علينا شخص وقال قلت له وقال فهذا نرفضه منه ولا نقبله، لأننا لا نعرف من هو المسؤول والمجيب إلا إذا كان معهوداً بيننا، فلو كان معهوداً بيننا فلا حاجة إلى التصريح باسمه وإنما تكيفنا المعهودة، ثم بعد هذه المقدمة نضم ضميمة وهي أنه حيث إنه لا يوجد معهود في الوسط الشيعي إلا الامام عليه السلام فيتعين أن يكون مرجع الضمير هو ذلك المعهود - أعني الامام عليه السلام -، وبذلك تثبت حجية المضمرات مطلقاً من دون تفصيل بين زرارة وغيره، لأنَّ ظاهرة الاضمار في حدّ نفسها صارت غير مستساغة إلا مع معهودية المرجع، وهنا لا فرق بين زرارة وغيره.

إن قلت: - لعله يوجد مرجع معهود بين الطرفين، فلو كان زيداً يتكلم مع عمروٍ وكان المعهود بينمها هو بكر فمرجع الضمير عندهما هو بكر، فإذاً نحن نسلّم أنَّ ذكر الضمير من دون مرجع هو قضية غير محببة ولابد من وجود مرجع معهود، ولكن لعل ذلك المعهود شخص آخر غير الامام عليه السلام فإذاً سوف لا ينفعنا هذا البيان.

قلت: - حيث إنَّ الرواة حينما يتكلمون فهم يريدون أن ينقلوا ذلك إلى جميع الأجيال، يعني أن القصة ليس قصة خاصة بين طرفين وإنما حينما يأتي زرارة ويتحدث مع فلان فمقصوده أنه يريد أن ينقلها على جميع الأجيال وليس إلى هذا الطرف بالخصوص فلابد أن يكون المرجع معهوداً لدى الجميع، وليس ذلك إلا الامام عليه السلام، فإذاً بهذا البيان نثبت حجية جميع المضمرات من دون فرق بين كون المضمر هو من أجلّة الأصحاب أو من غيرهم، فلا إنكار حجية المضمرات انكاراً مطلقاً هو الصحيح، ولا التفصيل بين كون المضمِر من أجلة الأصحاب وغيره هو الصحيح، بل الصحيح حجية جميع المضمرات بالبيان المذكور، ولا يخفى لطفه.

إذاً الرواية لا تأمل فيها من ناحية السند، وكذلك دلالتها جيدة.

والخلاصة: - أنه نقلنا ثمان روايات للزوم ضبط العوضين بالكيل أو الوزن أو العدّ وكانت الرواية الأولى والثانية ضعيفتان ولكن في الستة الباقية كفاية.

ورب قائل يقول: - إنَّ أكثر من رواية ورد فيها ( إذا حضرت الكيل فلا بأس ) وهي تدل على شرطية الكيل ولكن هل هي تدل على ذلك بنحو اللزوم أو لا، لأنَّ مفهومها ( وإذا لم تحضر ففيه بأس )، والبأس أعم من الحرمة والكراهة، فلعله مكروه؟، وهذا الاشكال قد يرد على أكثر من رواية، فلابد من حل هذه المشكلة وإلا سوف تسقط مجموعة كبيرة من الروايات عن اعتبار.

والجواب: - إنه قد نستعمل كلمة البأس في بعض استعمالاتنا ولا نقصد بها اللزوم أحياناً، ولكن الحالة المتعارفة في استعمالاتنا هي أنَّ البأس يدل على الزوم، فمثلاً إذا سألني شخص وقال لي أنا شككت بالصلاة بهذا الشكل فأقول له إذا لم تعلم بأن الشك طرأ أثناء الصلاة فلا بأس بذلك، وأنت تفهم من ذلك أنه إذا طرأ الشك ثناء الصلاة فعليك أن تتوقف، فالبأس يستعمل بيننا على مستوى الإلزام، نعم في بعض المرات قد أريد من البأس الكراهة ولكن اعتمد في إرادة ذلك على قرائن، ولكن إذا لم تكن هناك قرائن محتفة فالبأس حتى في استعمالاتنا العرفية يمكن أن يقال هو يفيد اللزوم، كما لو سألني شخص عن الشك في الصلاة فأقول له مادام في غير الرباعية ففيه بأس وهو يفهم من هذا أنها باطلة، نعم إذا اردت أن أقول له إنها غير باطلة فأقول له على الأرجح اعادتها وإلا فهو يفهم أنه لابد أن يعالجها، فالتوقف في كلمة البأس من هذه الناحية لا موجب له، وهذه قضية تعرض إليها الفقهاء في كلماتهم عند التعرض للروايات، ولابد لك أن تتخذ موقفاً في ذلك.

وتوجد رواية قد تعد معارضة لهذه الروايات:- وهي ما وراه الشيخ عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، وأبان لا يوجد فيه توقف عندنا، وعبد الرحمن بن أبي عبد الله هو البصري ثقة، ولكن المشكلة في القاسم بن محمد فإنَّ فيه تأمل، فالسند فيه تأمل من ناحية القاسم بن محمد، ونصها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري بيعاً فيه كيل أو زون بغيره ثم يأخذ على نحو ما فيه، قال:- لا بأس به )[1] ، والشاهد هو أنَّ المشكلة أنه يقول عن الرجل يشتري بيعاً فيه كيل أو زون بغيره أي بغير كيل أو وزن والحال أنه مكيل أو موزون ثم يأخذه على نحو ما فيه، فقال لا بأس به، فإنَّ المقصود من ( بغيره ) يعني بغير كيلٍ أو وزنٍ والامام عليه السلام قال ( لا بأس ) فهذه الرواية دلت على أنَّ المكيل والموزون لا بأس أن يباع بغير كيلٍ أو وزنٍ، فتصير معارضة لتلك الروايات، وبالتالي نحمل تلك الروايات على الكراهة إذا لم يكن من دون كيلٍ أو زونٍ، ونحمل كلمة البأس الواردة في بعض الروايات على الكراهة لهذه القرينة، وقد رواها الشيخ الطوسي أيضاً في التهذيب[2] بالإرسال هكذا:- ( عن الحسن بن محمد بن سماعة عمّن ذكره عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله )، والمشكلة هنا أنه يوجد فيها ارسال، كما رواها الكليني عن حُمَيد بن زياد[3] عن الحسن بن محمد بن سماعة عمّن ذكره عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن )، وهذا السند فيه ارسال أيضاً.

وكيف نعالج هذه الرواية؟

[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج17، ص342، أبواب عقد البيع وشروطه، ب4، ح4، ط آل البيت.
[2] تهذيب الأحكام، الشیخ الطائفة، ج7، ص123.
[3] وهو من أهل نينوى ويروي عنه الشيخ الكليني كثيراً ولكنه يأتي في الدرجة الثانية بعد علي بن إبراهيم ومحمد بن يحيى.