الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/02/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 87 ) يشترط في البيع أن لا يكون غررياً - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الراية الخامسة: - صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام حيث جاء فيها: - ( .... قيل له فما ترى في الحنطة الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فيعزله بكيله فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال:- إن كان قبضه بكيلٍ وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل ([1] ، ودلالتها واضحة جداً على شرطية الكيل لأنه قال ( إذا قبضه بكيل وأنتم حضور فلا بأس بشرائه منه من غير كيل ) ولا يحتاج إلى كيل جديد، فدلالتها واضحة على أن أصل الكيل معتبر وإنما الاختلاف في الجزئيات وهو أنه هل نحتاج إلى كيل مرة ثانية أو نكتفي بالكيل الأول الذي صدر منه، والامام عليه السلام أمضى هذا الارتكاز وقال إذا كنتم حضوراً ورأيتم فلا بأس بالشراء منه، فدلالتها واضحة، نعم موردها مختص بالكيل، ولكن بضم عدم الفرق بين الكيل والوزن والمعدود نتعدى إلى الكيل والوزن، بل المذروع كالقماش، فبضم عدم القول بالفصل فيثبت المطلوب.

وأما سندها:- فهو ( محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً عن ابن محبوب عن هشام ب سالم عن ابي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام )، ورواها الشيخ أيضاً بنده عن الحسن بن محبوب بسند معتبر أيضاً، أما طريق الشيخ الكليني فهو رواها عن عدة من أصحابنا، وقد تقدم أنَّ العدّة من أصحابنا قد يفسّرها شخص بفلان وفلان، لأنه قد يقول قائل إنَّ العدَّة مجهولة عندنا ولكن رأيت في فائدة من الفوائد في خلاصة العلامة المذكورة في آخر الخلاصة يقول ( وكل ما كانت العدّة عن فلان قال الكليني فالمقصود منها فلان وفلان وفلان وإذا كنت العدّة عن فلان فالمقصود فلان وفلان وفلان )، وقد بينا هذا سابقاً، ولكن هذا نقل مرسل فمن أين لك أنَّ الكليني قال إنَّ مقصودي هو هذا، فلا يوجد مثبت علمي لهذا الكلام فلا اعتبار بذلكن نعم توجد عدة واحدة ثبتت بالسند نقل النجاشي أو غيره أما بقية العدد التي فسّرها الأعلام نقلاً عن الكليني لا عبرة بها، وهل تصير كل العدد مرسلة؟ كلا، بل يوجد طريق آخر وهو ما أشرنا إليه سابقاً من أنَّ العدَّة يطلق على ثلاثة فما فوق، ومشايخ الكليني معروفين أيضاً والطابع العام لهم أنهم من الثقات، فقولك بأنه اجتمع ثلاثة من مشايخه كلّهم من غير الثقات - والذين منهم محمد بن يحيى الذي روى عنه الكافي ربع الكافي أو علي ابن إبراهيم وهذه الطبقة الذين يروي عنهم كثيراً - ضعيف جدا، فحتماً يوجد أحد هؤلاء الثقات من بينهم، أن نقول إن اجتماع ثلاثة من مشايخ الكلين على الكذب احتماله بعيد جداً وضعيف، يعني افترض أنَّ الثلاثة لم يكنوا تثبت وثاقتهم بشكل جيد فهذا لا يعني أنهم يكذبون، كلا، وإنما لا يوجد توثيق لهم مع أنهم ثلاثة وليس واحداً، فإنه لو كان واحداً لكان هذا الاحتمال موجوداً، أما إذا كانوا ثلاثة فلا داعي إلى التوقف هنا، فالسند هو ( محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحد بن محمد جميعاً )، ولو كان هناك كلام في سهل بن زياد فلا كلام في أحمد بن محمد، وأحمد بن محمد هو ابن عيسى أو ابن خالد البرقي وكلاهما ثقة، فلا مشكلة من هذه الناحية، ويتكرر في العدّة أحمد بن محمد وهو ابن عيسى في غالب الظن، ( جميعاً عن ابن محبوب ) وهو الحسن بن محبوب، ( عن هشام بن سالم ) وهو من ثقات أصحابنا، ( عن أبي عبيدة ) وهو زياد بن عيسى الحذاء وهو ثقة، وهو صاحب وراية ( من بنى مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى له الله بيتاً في الجنة )، ولو قال قائل:- إنه عند المراجعة نجد أكثر من شخص باسم أبو عبيدة فمن قال إنَّ هذا الراوي هو أبو عبيدة الحذاء؟ ولكن نقول: - إنه عند المراجعة نجد أنَّ أبو عبيدة الذي توجد عنده روايات وهو معروف هو الحذّاء، كما يوجد غيره، ولكن أولئك لا توجد عندهم روايات، ولذلك إذا أطلق أبو عبيدة فسوف ينصرف اللفظ إليه، فإذاً السند معتبر بلا إشكال والدلالة معتبرة أيضاً.

بقي شيء:- وهو أنَّ البعض أراد أن يناقش في الدلالة، وتنسب هذه المناقشة إلى الشيخ عبد الكريم الحائري(قده) فقال:- إنه يوجد عندنا عنوانان في باب بيع الشيء فيوجد عندنا عنوان والذي قد تدل عليه بعض الروايات، وهو أنه لابد من ضبط المبيع بكيله أو وزنه وإذا لم يكن من دون كيل أو زون فهو باطل، ويوجد عنوان حكمٍ ثانٍ وهو أنه لا يجوز بيع المكيل والموزون قبل قبضهما، فهو يدّعي الاجمال مثلاً فهذه الرواية ناظرة إلى هذا الباب ولا تنفعنا في محل كلامنا لأنَّ محل كلامنا في أنه هل يلزم ضبط المكيل والموزون والمعدود قبل البيع أو لا وهذه الرواية يحتمل أنها ناظرة إلى حالة أنه لا يجوز بيع المكيل والموزون قبل القبض.

ولكن كما ترى: - فحينما نقرا الرواية لا يوجد فيها بيع قبل القبض وإنما ناظرة على البيع الأول، فهي تقول ( ما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فيعزله بكيل فما ترى في شراء ذلك الطعام منه، قال إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك )، فعلى هذا الأساس النظر إلى أنه لابد من ضبطه بالكيل لا أنه لابد أن يكون بيعه بعد القبض، فإذاً الرواية ليست مملة من هذه الناحية بل نظرها واضح إلى أنه لابد من الضبط ولذلك قال ( وأنتم حضور فلا بأس بشرائه منه بغير كيل )، يعني أنه ناظر إلى أنه لابد من ضبط الكيل، فإذا كنتم حضور فيجوز شرائه منه من غير كيل، فنظرها واضح إلى محل كلامنا وليست مرددة بين هذه المسألة وتلك المسألة التي أشار إليها، فإذاً الرواية ليس فيها إجمال.

الرواية السادسة: - صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال:- ( في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل ان يكال، قال:- لا يصلح ذلك )[2] ، ودلالتها واضحة أيضاً فهو يشتري الطعام ثم يبيعه قبل بيعه فهنا لا يجوز بل لابد أن يكيله أولاً فالضبط بالكيل لابد منه، وموردها وإن كان هو المكيل ولكن قلنا للقطع بعدم الفرق بين الكيل والموزون والمعدود يثبت المطلوب بكامله، فإذاً دلالتها جيدة ولا بأس بها.

وأما سندها: - فلا شيء فيه، وهو ( محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي )، والكيني هنا يرويها بسندين، فمرة يرويها عن علي بن إبراهيم عن أبيه ومرة يرويها عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، جميعاً يعني إبراهيم بن هاشم وأحمد بن محمد يروونها عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي، فالسند معتبر.

الرواية السابعة: - وهي: - ( الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن إسحاق بن عمار عن أبي العطارد :- .... قلت:- فأخرج الكر والكرين فيقول الرجل أعطنيه بكيلك، فقال:- إذا ائتمنك فليس به بأس )[3] ، ودلالتها جيدة أيضاً، فإن البائع قال للإمام عليه السلام إني أخرج الكر أو الكرين فيقول لي المشتري أنا أشتريه منك بهذا الكيل من كيل جديد فهل يجوز لي ذلك فقال له عليه السلام إذا ائتمنك فليس به بأس، يعني إذا كان يعتبرك ثقة ويأتمنك جاز البيع، فهي تدل على أنَّ الكيل لابد منه ولكن الائتمان والوثاقة والوثوق طريق إلى اثبات الكيل وإلا ما الداعي إلى قوله عليه السلام ( إذا ائتمنك فلا بأس )، فإذاً دلالتها لا بأس بها، وموردها وإن كان هو الكيل ولكن للقطع بعدم الفصل بينه وبين المعدود والموزون يثبت المطلوب.

نعم توجد مشكلة في سندها، فإنَّ أبي العطارد لم يذكر بتوثيق، فالرواية تصلح للتأييد لا أكثر.

الرواية الثامنة: - ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسن بن محبوب[4] عن زرعة بن محمد عن سماعة[5] قال:- ( سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن؟ فقال: - أما أن تأتي رجلاً في طعام قد كيل ووزن تشتري منه مرابحةً فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه إذا كان المشتري الأول قد أخذه بكيل أو وزن وقلت له عند البيع اربحك كذا وكذا وقد رضيت بكيلك ووزنك فلا بأس )[6] ، ودلالتها واضحة، فهي تدل على أنه لابد من الكيل والوزن، ولكن الامام عليه السلام في صدد الطريق إلى أنَّ هذا الشخص كاله أو وزنه فقال له ( لا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه إذا كان المشتري الأول قد أخذ بكيل او وزن قلت له عند البيع إني أربحك بكذا وكذا وقد رضيت بكيلك ووزنك فلا بأس )، فإذاً الكيل والوزن معتبر ولكن إذا جعل كيل ووزن البائع طريق إلى اثبات الوزن فلا بأس بذلك، فإذاً دلالتها لا مشكلة فيها.

ولكن يبقى شيء: - هو أنَّ الرواية جاء فيها: - ( قال:- سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن فقال أما أن تأتي رجلاً في طعام قد كيل ووزن تشتري منه مرابحة)، فالإمام عليه السلام قيد بالمرابحة، يعني لابد أن يكون البيع مرابحة فهنا يجوز لك الاعتماد أما إذا لم يكن البيع مرابحة كما لو كان تولية فهنا لا يجوز لك الاعتماد، وهذا يصعب الالتزام به، وماذا يفرق سواء كان البيع مرابحةً أو كان من غير مرابحة؟ ولكن الجواب: - هو أنَّ مرابحةً ذكر من باب الغالب، فغالباً حينما تشتري الانسان شيئاً هو يشتريه مرابحةً لأنه تشتري لأجل الربح، فليس من البعيد أنَّ الامام عليه السلام ذكر المرابحة من باب القيد الغالب، كما أنه يوجد إطناب في ألفاظ هذه الرواية.

فإذاً دلالتها على اعتبار الكيل واضحة ولا مشكلة فيها، وبضم القطع بعدم الفرق يثبت المطلوب في الموزون والمعدود.


[1] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج17، ص219، ابواب ما يكتسب به، ب25، ح5، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج18، ص66، أبواب أحكام العقود، ب16، ح5، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج18، ص66، أبواب أحكام العقود، ب16، ح6، ط آل البيت.
[4] وطريق الشيخ على الحسن بن محبوب معتبر.
[5] وزرعة بن محمد وسماعة لا مشكلة فيهما.
[6] وسائل الشيعة، الشیخ الحر العاملي، ج18، ص66، ابوا أحكام العقود، ب16، ح7، ط آل البيت.