الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 87 ) يشترط في البيع أن لا يكون غررياً - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وأما بالنسبة إلى الدلالة: - فقد أبرز المحقق الأردبيلي(قده) ثلاث نقاط: -

النقطة الألى:- إنَّ صحيحة الحلبي مجملة، ولا يبعد من كونها مجملة هو أنَّ الوارد فيها هو ( وما كان من طعام سميت فيه كيلاً فإنه لا يصلح مجازفة ) فلعل وجه الاجمال هو هذا فهي قالت ( وما كان من طعام سكيت فيه كيلاً ) يعني كناية عن كونه ميلاً وذكرت الكيل فيه من باب أنه مكيل فسميت الكيل فيه من باب أنه مكيل أو أنك أنت سمّيت فيه كيلاً وإن لم يكن هو مكيلاً، والذي ينفعنا هو الأول، فكانه يريد أن يقول إنَّ هذه الرواية مجملة لأنه كما يحتمل كون المقصود هو الاحتمال الأول - يعني الكناية عن كون الطعام مكيلاً - يحتمل أيضاً أن يكون المقصود هو الاحتمال الثاني - وهو أنك أنت تشتريه بكيل معين وتسمي كيلاً معيناً سواء كان مكيلاً أو ليس مكيلاً - فتكون مجملة، لأن الذي ينفعنا هو الاحتمال الأول ولكن يحتمل إرادة الاحتمال الثاني.

النقطة الثانية: - إنها مختصة بالمكيل وبالطعام، فهي إذاً أخصّ من المدعى، يعني أنها لا تشمل الموزون، أي لا تدل على أنَّ الموزون لابد وأن يوزن وغير الطعام لابد أن يكال أو يوزن وإنما هي فقط ناظرة إلى الطعام فهي أخص من المدعى، لأنَّ مدعانا ليس خصوص المكيل لابد أن يكال، بل سواء كان مكيلاً أو موزونا بينما الرواية مختصة بالمكيل، كما أن كلامنا أنه لا يستعمل الكيل في الطعام فقط وإنما في الطعام وغيره - ومن الواضح أنَّ الطعام تستعمل في الحنطة ولكن لنفترض أننا نخصصه بالحنطة أو نعممه لغيرها - فالمكيل والموزون لا يختص بالأطعمة بل هناك أشياء أخرى ليست من الأطعمة ولكنها قد تكال وتوزن مثل الحناء والصبغ فهذا لا يؤكل ولا يشرب ولكنه مع ذلك يكال أو يوزن فلابد من كيله أو وزنه.

النقطة الثالثة: - إنَّ الرواية اشتملت على عبارة تضفي إجمالاً على الرواية لأن الامام عليه السلام قال في ذيلها ( هذا مما يكره من بيع الطعام ) فيحتمل أن الامام يريد أن يقول إنَّ الكيل أو الوزن ليس شيئاً لازماً نعم أنه مكروه، فهذه العبارة تجعل ارباك واجمالاً وقصوراً في دلالة الرواية على الزوم.

قال(قده): - ( وفي الدلالة على المطلوب أيضاً تأمل للجمال، وللاختصاص بالكيل والطعام في قوله " ما كان من طعام سميت فيه كيلاً"، ولقوله " هذا مما يكره من بيع الطعام" ....... ويؤيد الجواز الأصل وعموم أدلة العقود )[1] ، وعموم أدلة العقود واضح كـ ﴿ وأحل الله البيع ﴾ و ﴿ تجارة عن تراض ﴾ وغير ذلك، أما الأصل فما هو مقصوده منه فهل يقصد الأصل العملي أي أصل الجواز أو هو الأصل اللفظي؟

فإن كان يقصد الأصل العملي فيرد عليه إشكالان: -

الاشكال الأول: - إنه مع وجود العمومات لا تصل النوبة إلى الأصل العملي حتى يصير مؤيداً، إلا اللهم لو لم يكن عموم فالأصل العملي سوف يصير مؤيداً.

الاشكال الثاني:- قد تقدم فيما سبق إنَّ الأصل العملي في أفعال الانسان إذا شككنا في التحريم والجواز هو الاباحة، وينسب إلى الاخباريين هو الاحتياط، وأما في باب المعاملات فالأصل العملي يقتضي الفساد، لأنه قبل تحقق المعاملة لم يتحقق الأثر الذي هو النقل والانتقال وبعد تحققها نشك هل تحقق النقل والانتقال أو لا فنستصحب عدم تحققه، فالأصل العملي دائماً في باب المعاملات يقتضي عدم ترتب الأثر، خلافاً للميرزا علي الايرواني(قده) حيث ذهب إلى أنَّ الأصل العملي يقتضي الصحة وليس الفساد، ولكن المشهور بين الأصحاب أنَّ الأصل العملي يقتضي عدم ترتب الأثر، إذ الأثر لم يترتب أولاً ثم نشك هل ترتب أو لا فنستصحب عدم ترتب الأثر.

وإن كان مقصوده الأصل اللفظي فنقول: -

أولاً: - إنَّ الأصل اللفظي ليس إلا العمومات مثل ﴿ وأحل الله البيع ﴾ و ﴿ تجارة عن تراض ﴾ وليس شيئاً آخر، وعليه فسوف يصير الأصل مع أدلة العمومات شيئاً واحداً، إلا أن تدافع وتقول:- إنَّ العطف هنا تفسيري، ولكن نقول:- إنَّ هذا ضعيف، إذ لا داعي إلى الاتيان بالعطف التفسيري هنا.

ثانياً: - إنه مع وجود الرواية الخاصة لا تصل النوبة إلى العمومات حتى تجعلها مؤيداً أو دليلاً، لأنَّ النوبة لا تصل إلى العموم إلا بعد فقد الدليل الخاص، أما بعد وجود الرواية الخاصة فالعموم لا مجال له حتى يكون مؤيداً.

إذاً يوجد تأمل من جهتين في كلام المحقق الأردبيلي(قده)، ونكتفي بهذا المقدار.

هذا ما ذكره المحقق الأردبيلي فيما يرتبط بصحيحة الحلبي، ونحن نتعرض الآن لما هو المناسب أن يقال بلحاظ هذه الصحيحة لأنها وقعت محلاً للقال والقيل.

تحقيق الحال في صحيحة الحلبي: - إنَّ هذه الصحيحة تواجه ستة أمور بعضها سهل الدفع وبعضها قد يحتاج إلى تأمل في دفعه، وقبل أن نذكر التأملات في هذه الصحيحة وكيفية حلها نشير إلى أنَّ الموضع المهم في هذه الصحيحة الذي ينبغي ان تسط الأضواء عليه هو الذيل وهو وقله عليه السلام ( وقال:- وما كان من طعام سميت كيلاً فإنه لا يصلح مجازفة هذا مما يكره من بيع الطعام )[2] ، وقد قلنا إنَّ هذا الذيل نقله المحمدون الثلاثة بالإضافة إلى نقلهم لكامل الرواية أيضاً، فالمهم هو الذيل، ولكن توجد عدَّة ملاحظات على هذا الذيل:-

الأولى: - ما أشرنا إليه في كلام الأردبيلي وهو أنَّ الوارد في هذه الفقرة ( ما كان من طعام سميت فيه كيلاً )، وقد قلنا إنه يوجد احتمالان في عبارة ( سميت فيه كيلاً )، فيحتمل أن يكون كناية عن كونه مكيلاً ، فـ( سميت فيه كيلاً ) يعني أنك ذكرت الكيل من باب أنه مكيل، وهذا ينفعنا، فالمكيل لابد أن يكال، ويحتمل أنك أنت إذا اشتريته بعنوان كيلٍ معين وإن لم يكن مكيلاً وهذا لا ينفعنا، فهنا قد تصير الرواية مجملة وقد تُرَدُّ بسبب هذا الاجمال.

الثانية: - إنه ورد في صدرها أنَّ البائع يثول للمشتري أنت اشتريت مني هذا العدل من الطعام بكيل كذا فاشتر مني العدل الثاني فإنَّ فيه من الكيل ما في الأول والامام عليه السلام في مقام الجواب لم يقل له خذ بكلامه وإنما قال له لا بد أن تكيله فقد قال:- ( في رجلٍ اشترى من طعاماً عدلاً بكيل معلوم وأن صاحبه قال للمشتري ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته، قال:- لا يصلح إلا بكيل )[3] ، وهذه الفقرة موجودة في الرواية، والحال أنه توجد عندنا روايات متعددة دلت على أنَّ البائع إذا أخبر بالبيع وقال إني قد كلته وكان كيله كذا فهنا يؤخذ بكلامه بينما هذه الصحيحة قالت لا يؤخذ بكلامه، وهذا مخالف لما هو متواتر أو واضح في الروايات الأخرى، وهذه نقطة ضعفٍ في هذه الصحيحة.

الثالثة: - إنَّ الامام عليه السلام قال ( وما كان من طعام سميت فيه كيلاً فإنه لا يلح مجازفة )، وكذلك ذكر في الفقرة الأولى ( لا يصلح مجازفة ) وهل أنَّ ( لا يصلح ) بمعنى لا يصح، أو أنَّ المقصود أنه مكروه وليس بحسن؟، وعيله فسوف يصير اجمال في الرواية من هذه الناحية فنطرحها ولا يمكننا الأخذ بها.

الرابعة: - إن الامام عليه السلام: - ( إنَّ هذا مما يكره من بيع الطعام ) فهو عبر بـ( يكره ) ولعل المراد من الكراهة هنا هي الكراهة بالمعنى الاصطلاحي عندنا، كما يحتمل كون المقصود منها الكراهة بالمعنى الذي تشمل المحرم والفاسد، وعليه سوف تصير مجملة، إلا أن يقول قائل:- إنها ظاهرة في عدم الجواز وعدم الصحة، ولكن نقول:- نحن لا يوجد عندنا هكذا استظهار قوي، وعليه فسوف تصير الرواية محل تأمل وإجمال.

الخامسة: - إنه عليه السلام قال: - ( هذا مما يكره من بيع الطعام )، وكلمة ( يكره ) يحتمل أن يكون المقصود منها الإلزام يعني لا يجوز، كما يحتمل الكراهة أن يكون المقصود منها الكراهة بالمعنى للغوي، وعليه فسوف يصير إجمال من هذه الناحية.

السادسة: - إنها تختص بالمكيل ولا تعم الموزون، فهي أخصّ من المدّعي.

السابعة: - إنها مختصّة بالطعام ولا تشمل غيره.


[1] مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج8، ص177.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص341، أبواب عقد البيع وشروطه، باب4، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص341، أبواب عقد البيع وشروطه، باب4، ح2، ط آل البيت.