الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 86 ) حكم الحقوق بأقسامها الثلاثة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

النقطة الثالثة: - إنَّ الحقوق القابلة للإسقاط يجوز أن يجعل الانسان مقداراً من المال على إسقاطها كحق التحجير، فهذا يمكن أن يجعل ثمناً على إسقاطه، يعني لو كان عندك حق التحجير أو حق الخيار فإنَّ الخيار قابل للإسقاط فأقول لك - وهذا سواء كان في معالة أو من دون معاملة - هذا الخيار الذي عندك في المعاملة الفلانية أنا أطلب منك أن تسقط خيارك مقابل أن أعطيك مائة دينار أو أن أدعو لك عن رأس الحسين عليه السلام ليلة الجمعة، فالمهم أنه يجوز جعل مقدار من المال على اسقاط الخيار، وقد يكون هذا خارج المعاملة وقد أكون أجنبياً عن طرفي المعاملة، قال(قده):- ( ويجوز جعل شيء بإزاء رفع اليد عن الحق حتى فيما إذا لم يكن قابلاً للانتقال وكان قابلاً للإسقاط ).

النقطة الرابعة: - يجوز جعل نفس اسقاط الحق ثمناً، كما لو قلت بعتك الكتاب هذا على أن تسقط الخيار الذي لك في تلك المعاملة أو حق التحجير أو حق الاحياء الذي لك.

وأنا قلت ( على أن تسقط ) ولم اقل ( على أن يكون ساقطاً ) فإنه يوجد فرق بينهما، فإن ( تسقط ) يعني أنت تقوم بالإسقاط، أما ( ساقطاً ) يعني يكون ساقطاً من دون حاجة إلى أن تقوم أنت بالإسقاط فإن ذاك لا يسقط وحده، لأنَّ ذاك شرط النتيجة وهو باطل، أما هذا فهو صحيح وذلك بأن أقول له ( بعتك الكتاب على أن تسقط حق الخيار الذي لك في تلك المعاملة أو حق التحجير أو ما شاكل ذلك ) فهذه المعاملة صحيحة ويكون الثمن هو الاسقاط، فإذا كان الثمن هو الاسقاط دون السقوط فإذا تمت المعاملة فأقول للطرف - الذي هو المشتري - عليك أن تسقط الخيار فيسقطه ويقول لي أنا أسقط حق التحجير أو أسقطت الخيار الذي هو لي في تلك المعاملة، لأنَّ الثمن ليس هو السقوط وإنما هو الاسقاط.

وقد تسأل وتقول: - إذا شرط هذا الطرف هذا الشرط ولكنه لم يسقط الخيار مهما حاولنا فماذا نفعل؟

والجواب: - إنَّ لي فسخ البيع، لأنه لم يدفع الثمن - وهو اسقاط الحق -.

قال(قده): - ( كما يجوز جعل الاسقاط ثمناً بأن يملك البائع عليه العمل فيجب عليه الاسقاط بعد البيع ).

ويوجد مطلبان: -

المطلب الأول: - فهو مطلب يرتبط بالشيخ الأعظم(قده).

المطلب الثاني: - الفرق بين الحق والحكم والملك.

أما المطلب الأول:- فقد ذكر الشيخ الأعظم(قده)[1] أنَّ الحقوق تنقسم إلى ثلاثة أقسام بالشكل الذي أوضحناه، ثم بعد أن ذكر أنَّ الحقوق تنقسم إلى ثلاثة أقسام أخذ يتكلم في هذه القضية وهي أنَّ هذه الحقوق هل تقبل المعاوضة بجعلها ثمناً أو مثمناً أو لا تقبل ذلك؟

فمرة نتكلّم في الحق من القسم الأول الذي لا يقبل الاسقاط ولا النقل كحق الحضانة والولاية، ومرة في الثاني ومرة في الثالث، والآن نحن نتكلّم فيما أفاده الشيخ الأعظم(قده) في هذا المطلب.

إذاً هو في هذا المطلب قسّم الحقوق إلى ثلاثة أقسام.

أما بالنسبة إلى القسم الأول الذي لا يقبل النقل ولا الاسقاط - كحق الحضانة والولاية -: - فهل يجوز جعله ثمناً أو مثمناً؟

قد يقال:- كلا لا يجوز جعله ثمناً أو مثمناً، لأنه إذا لم يكن قابلاً للتمليك النقل فكيف يجوز جعله ثمناً ومثمناً، لأنَّ الثمن والمثمن تمليك، وأنا حينما أجعله ثمناً فإنا أملّكه للبائع أو أجعله مثمناً فأنا أملّكه للمشتري، فإذاً من الواضح أنَّ هذا القسم الأول لا يقبل أن يكون ثمناً أو مثمناً، قال الشيخ(قده):- ( وأما الحقوق فإن لم تقبل المعاوضة بالمال كحق الحضانة والولاية فلا إشكال ) [2] ، يعني لا إشكال في عدم صحة جعله عوضاً أو معوضاً في المعاملة.

والذي نريد أن نقوله في هذا الصدد: - إنَّ الذي يقصده الشيخ فيه احتمالان

الاحتمال الأول: - أن يفترض أنَّ هذا القسم الأول لا يقبل المعاوضة بالمال، يعني تجعل مالاً مقابله فإنه لا يقبل ذلك أما أنك تريد أن تسقطه فهو يقبل ذلك، فيمكن أن تسقطه مجاناً أما أنك تجعل بعوضاً لإسقاطه فهذا لا يقبله الشيخ الأعظم(قده).

الاحتمال الثاني: - إن قوله ( فإن لم يقل المعاوضة بالمال فلا إشكال ) يعني أنه لا يقبل الاسقاط، لا أنه يقبل الإسقاط ولكن بنحو المجانية لا بنحو العوضية.

فإن كان مقصوده الأول: - فلا نعهد حقاً من الحقوق يكون كذلك، وأما مثال حقّ الحضانة والولاية فهو أصلاً لا يقبل الاسقاط بعوضٍ أو بدون عوض، فإن كان مقصوده هو الأول فهو لا مصداق له.

وإن كان مقصوده الثاني: - فهذا مقبول، فإنَّ حق الحضانة لا يقبل الاسقاط أبداً بعوضٍ أو من دون عوض، ولكن نقول إنَّ هذا ليس حقاً وإنما هو حكم شرعي، فإنَّ الذي لا يقبل الاسقاط هو الحكم الشرعي وليس الحق.

فإذاً على كلا التقديرين الاشكال وارد على الشيخ الأعظم(قده).

وعلى هذا الأساس اتضح أنَّ المناسب حذف القسم الأول من قائمة الحقوق في الإسلام - وهو الحق الذي لا يقبل الاسقاط - فإنَّ جعله حقاً فيه مسامحة وهو باطل، بل الحق لابد أن يكون قابلاً للإسقاط بعوضٍ أو من دون عوض وإلا لم يصر هناك فرق بين الحق وبين الحكم الشرعي.

فإذاً الذي لا يقبل الاسقاط لا يكون حقاً وإنما يكون حكماً.


[1] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص8.
[2] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري) ط تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص8.