الموضوع: مسألة ( 44 ) آداب التجارة – كتاب التجارة.

الرواية الثانية:- وهي من روايات طلب العلم وأنه راجح مثل:- (طلب العلم فريضة على كل مسلم)[1] .

وهناك روايات أخرى بهذا المضمون ، فهذه طائفة ثانية قد يتمسّك بها فهي تشمل التفقه بالتجارة لمعرفة صحيح البيع.

الرواية الثالثة:- ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:- ( وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا يقعدنَّ في السوق إلا من يعقل الشراء والبيع )[2] .

بدعوى أنَّ قوله عليه السلام: ( إلا من يعقل الشراء والبيع ) يشمل بإطلاقه أنه يعقل حكمه لا أنه يعرف البيع والشراء فقط بل يعرف الأحكام أيضاً ، فاذا بنينا على وجود مثل هذا الاطلاق فسوف تدل على المطلوب.

الخلاصة:- إنه كان من المناسب الاستناد إلى الروايات كما أشرنا.

القضية الثانية:- كان من المناسب إضافة قيد في عبارة المتن بحيث يقال ( يستحب التفقه لمعرفة صحيح البيع وفاسده وللتخلص من الربا ) ثم يقول ( بل يجب في ما إذا علم المكلف أنه سوف يبتلي بمعاملة ربوية في المستقبل ) ، لأنه حتماً واحدة من المعاملات بسبب عدم معرفة للأحكام سوف تكون ربوية وهذا علم اجمالي في التدريجيات فهنا يجب التعلّم ، لا أنه يستحب ، لأنَّ العلم الاجمالي في التدريجيات منجّز ، لأنَّ له علم بالحرمة والعلم بالحرمة فعليّ والحرام متأخر لا أنَّ الحرمة متأخرة ، أي أنَّ الحرمة ثابتة للمعاملة من الآن لا أنَّ حرمتها تثبت إذا جاء بها في المستقبل بل من الآن تحرم بحرمة فعلية كلّ المعاملات المحرمة التي تصدر مني الآن والتي تصدر مني في المستقبل ، فالحرمة فعلية والمحرّم استقبالي ، نظير الواجب المعلّق فإن الوجوب فعلي وفعل الواجب يكون متأخراً إن صحّ التعبير بأن المحرّم معلق.

إذن العلم الاجمالي في باب التدريجيات منجّز ، وعليه يلزم على المكلف أن يتعلّم أو يحتاط بالترك في كل معاملة يحتمل أنها ربوية.

القضية الثالثة:- إذا فرض أنَّ المكلف شك في صحة معاملة وفسادها بنحو الشبهة الحكمية ، يعني لا يعرف أن هذه المعاملة صحيحة أو انها فاسدة في الاسلام بسبب أنه لا يعرف المعاملات الصحيحة والفاسدة فأوقع معاملة مع الصبي مثلاً وهو لا يدري أنها صحيحة أو فاسدة فهذا ليس شك بنحو الشبهة الموضوعية وإنما هو شك بنحو الشبهة الحكمية ، ففي مثل هذه الحالة إذا باع وحصل له الشك في صحة المعاملة فلا يجوز له التصرّف في الثمن ولا في المثمن ، وأصالة عدم ترتب الأثر لا تجري في حقة ، لأنَّ هذه شبهة حكمية واجراء الأصل من وظيفة المجتهد لأنه لابد أن يفحص عن صحة المعاملة ، فاذا فحص ولم يجد فحينئذٍ يطبق الأصل.

إذن هو لا يجري أصالة عدم ترتب الأثر لأنه ليس بمجتهد ، وحينئذ يعلم أن أحد الأمرين لا يجوز التصرّف فيه لأنه إن كانت المعاملة صحيحة وهو قد باع فالمثمن لا يجوز التصرّف فيه لأنه صار ملكاً للمشتري ، وإذا كانت فاسدة فالثمن لا يجوز التصرّف فيه ، وفي مثل هذه الحالة إما أن يتعلّم حتى ينحل العلم الاجمالي أو التصالح والتراضي ، أما من دون تعلّم ومصالحة فلا يجوز له التصرّف لا في الثمن ولا في المثمن.

نعم إذا فرض ــ كما هو الغالب ــ الرضى بالتصرّف حتى إذا كانت المعاملة فاسدة فلا اشكال ، أما إذا لم نعلم بالرضا فيتكون علم اجمالي كما ذكرنا فيكون منجّزاً ، فلا يجوز التصرّف في كلا العوضين.

القضية الرابعة:- هناك طائفتان من الروايات الأولى كما عرفنا تدل على استحباب التفقه في أحكام التجارة بل الأعم ، وأخرى تدل على استحباب طلب الرزق ، فهل يوجد بينهما تزاحم ؟

الجواب:- إنَّ هذا التزاحم يتم فيما إذا فرض أنَّ المطلوب هو الاجتهاد في أحكام التجارة وهو يحتاج إلى زمن طويل ، أما التفقه الذي يحتاجه العامي هو التعلّم ومعرفة الحكم ولو على مستوى التقليد فهذا لا يتزاحم مع طلب الرزق.

وأما بالنسبة لنا طلاب العلوم الدينية فتوجد روايات تدل طلب الرزق تشملنا بإطلاقها وكذلك توجد آيات كريمة ، مثل ﴿ لولا نفر من كل فرقة ﴾ تدل على طلب العلم والمفروض هنا يمكن اجتماعها في زماننا فيقع التزاحم بين طلب العلم وبين طلب الرزق اللذان كلاهما مستحب أو كلاهما واجب؟

الجواب:- نعم التزاحم موجود إلا أنَّ طلب العلم هو الأهم ، لأننا إذا لم نتصدَّ لطلب العلم فهذا يعني أن الحوزة العلمية سوف تنتهي ، وبالتالي إذا ذهبت الحوزة فسوف يذهب الدين شيئاً فشيئاً وحفظ الدين والمذهب من بركات الحوزة العلمية ، فإذن هي أهم من هذه الناحية فيقدّم طلب العلم من باب التزاحم.

القضية الخامسة:- إذا فرض أنَّنا شككنا في صحة معاملة وفسادها فبإمكان المكلف ايقاع تلك المعاملة لاحتمال أنها صحيحة ثم بعد ايقاعها يذهب ويسأل فإن كانت صحيحة رتّب آثار الصحة وإن كانت فاسدة فلا يرتب الأثر ، وهذا بخلافه في باب العبادات فإنه لو دار الأمر بين كونها مطلوبة أو محرّمة فهنا لا يمكن الفعل مع قصد القربة ، لأنَّ المفروض أنه يحتمل كونها محرّمة ومع احتمال الحرمة لا يتأتى قصد القربة.

نعم إذا فرض احتمال الحرمة لم يكن موجوداً بل دار الأمر بين كونها مطلوبة أو غير مطلوبة لا أنها محرّمة كالدعاء عند رؤية الهلال أو كصلاة الحائض بناءً على عدم كونها من المحرّمات الذاتية بل هي محرمة تشريعا[3] فحينئذٍ يمكن أن تأتي بها برجاء المطلوبية ولا يتحقق التشريع فإذا ظهر أنها طاهر فتقع منها صحيحة لإمكان تأتي بقصد القربة ما دام لم تحتمل الحرمة.

أما إذا احتملت حرمتها فلا يمكن الاتيان بها بقصد القربى وبالتالي لا يمكن أن تقع صحيحة.

وأما في باب المعاملات حتى لو احتملنا حرمتها الذاتية يمكن ايقاعها برجاء أن تكون صحيحة وبعد ذلك إذا اتضح صحتها تقع صحيحة فإن قصد القربة غير معتبر في باب المعاملات ، هذا كله في النقطة الأولى من النقاط التي يشتمل عليها المتن.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج27، ص26، ب4، ح16، 18، 20، 20، 23، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص382، ب1، ح3، ط آل البيت.
[3] بناء على أن الحرمة ذاتية وشكت المراءة انها حائض او طاهرة ولا يوجد اصل مؤمن فلا يمكن ان تأتي بالصلاة لأنه مع احتمال الحرمة لا يمكن تقصد القربة.