الموضوع: حرمة حلق اللحية - مسألة ( 43 ) - المكاسب المحرّمة.

ويرد على كلا الوجهين:-أما بالنسبة الى الأوّل فيرده:-

أولاً:- إنَّ الطلب لم يكن تأليف كتابٍ يشتمل على الآثار الصحيحة فقط دون غيرها وإنما كان هو تأليف كتابٍ فيه الآثار الصحيحة لا أنه لا يشتمل على غيرها ، فلاحظ العبارة فأنه يقول (قلت إنك تحب ان يكون عندك كتاب كاف يأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين وقد يسر الله) ، فهذه العبارة يمكن أن يشكك في دلالتها على أنَّ المطلوب هو تأليف كتاب لا يشتمل إلا على الآثار الصحيحة ، ومعه فقد يشتمل على الآثار غير الصحيحة ، فلا يمكن اثبات حجية جميع روايات الكافي بهذا البيان.

ثانياً:- لو سلّمنا أنَّ المطلوب هو تأليف كتاب لا يشتمل إلا على الآثار الصحيحة ولكن ما معنى صحة الحديث عندهم ؟ فهل هي بالمعنى المتداول في زماننا يعني أنَّ جميع الرواة إمامية ؟ إنَّ هذا إن لم نجزم بكونه اصطلاحاً حادثاً من زمن العلامة أو ابن طاووس على ما يقال فلا أقل من المحتمل أنه لم يكن ثابتاً في ذلك الزمان ، وإنما كان يقصد من الأثر الصحيح يعني ما يكون حجّة وما يعمل به ولو لأجل قرائن ، ولعلّ تلك القرائن لو عرضت علينا لرفضناها ، وإجتهاد كلّ شخصٍ هو حجة على نفسه وعلى مقلديه وليس حجّة على غيره من المجتهدين ، ونحن بهذا لا نريد أن نضعّف من آراء الشيخ الكليني(قده) ولكن بالتالي لا تصلح أن تكون آراء مجتهدٍ حجة على مجتهد آخر.

نعم ربما يحصل اطمئنان لدى البعض عندما يسمع باسم الكليني خصوصاً إذا انضمّ اليه نظيره الصدوق ، وهذا يكون من باب حجية الاطمئنان لمن حصل له ذلك ولكنه ليس بحجة على من لم يحصل له الاطمئنان.

وأما الوجه الثاني فيرده:-

أوّلاً:- نقول نعم صحيح أنَّ الكتاب كان موجوداً في زمان السفراء ، ولكن نتساءل عن الذي عرضه من هو ؟ فهل مقصودك أنَّ نفس المؤلف هو الذي عرضه أو غيره ؟ فإن كان نفس المؤلف فهذه عادة لم تكن جارية في ذلك الزمان ، وإذا كان مقصودك غيره فجوابه إنَّ هذه العادة موجودة لو سلّمت فيما إذا كان المؤلف قد طرأت عليه أدوار ، يعني كان مستقيماً فترة من الزمن ثم انحرف مثل الشلمغاني ، فمثل هذا من المناسب أن يعرض كتابه على الأئمة عليهم السلام ، أو مثل بني فضّال الذين كان عندهم فساد من حيث العقيدة ، وأما اذا فرض أنَّ الشخص كان مستقيماً وليس عليه أيّ علامة استفهام فلا موجب لعرض كتابه.

ثانياً:- لو فرض أنه يوجد عرض لنقل إلينا ولقيل إنَّ الكتاب قد عرض وجاء الجواب أنه معتبر وهو صحيح.

ولا تقل:- نعم يوجد عندنا قول ( الكافي كافٍ لشيعتنا ).

فإنه يقال:- إنَّ هذه العبارة قد تداولتها أفواه بعض الناس ولكن لا سند لها ، فإن الكافي إذا كان معروضاً فإن مثل هذه قضية مهمّة جداً فمن غير المعقول أن لا تنقل إلينا ، وعدم نقلها يدل على العدم.

إذن لا يمكن أن نقول إنَّ كل ما في كتاب الكافي معتبر فإنَّ هذين الوجهين قابلان للمناقشة كما أوضحنا.

ولكن قد يقال:- يوجد بيانٌ في خصوص هذه الرواية لا لجميع روايات الكافي ، وذلك بأن يقال: إنَّ من يقرئ هذه الرواية يرى فيها مضاميناً عالية لا تصدر إلا من معدن العصمة والطهارة ، فهذه الرواية قرينة صدقها معها ، وبعض هذه الروايات من هذا القبيل ، مثل كلمات مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مثل ( عاتب أخاك بالإحسان اليه ورد شره بالإنعام عليه ) ، وكذلك بعض الزيارات من هذا القبيل مثل زيارة الجامعة فلا حاجة إلى البحث عن السند فإنَّ المضامين العالية الموجودة فيها شاهد صدقٍ على صحتها.

نعم قد نختلف أحياناً في الصغرى أما الكبرى فينبغي أن تكون مسلّمة ، فمن المناسب أن نتفق على أنَّ بعض الروايات وبعض الزيارات تشتمل على مضامين عالية بحيث يطمئن الشخص بصدورها من معدن العصمة والطهارة.

وفيه:- لو سلّمنا الصغرى ولكن نقول: إنَّ هذه الطريقة أقصى ما توجب الاطمئنان بصدور هذا المضمون ، أما أنَّ هذه اللفظة وتلك اللفظة بالخصوص قد صدرتا فهذا لا يثبت ، نعم المجموع من حيث المجموع بقطع النظر عن التفاصيل الجزئية هو صادر ، أما هذا اللفظ أو ذلك اللفظ بالخصوص فهذا لا يمكن اثباته.

والمهم في هذه الرواية هو التعبير الذي ورد فيها وهو:- ( أقوام حلقوا اللحا وفتلوا الشوارب فمسخوا ) فنحتمل أنَّ لفظ ( مسخوا ) لم يكن موجوداً بل كان هناك تعبير ثانٍ لا يدل على الحرمة ، أو أنَّ عبارة ( حلقوا اللحا ) لم ترد ، فإذن يحتمل أنَّ بعض الألفاظ لم تكن صادرة فلا يمكن أن نستدل بهذه الطريقة على أن هذه الكلمة التي هي محلّ الاستدلال صادرة منهم عليهم السلام ، فإذن ان هذه الرواية محل للتأمل سنداً.

الوجه السادس:- رواية البزنطي ، وهي: محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب الجامع لأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال:- ( وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يأخذ من لحيته ؟ قال : أما من عارضيه فلا بأس ، وأما من مقدمها فلا )[1] .

بتقريب:- أنَّ ( لا يصلح ) يدل على التحريم بناءً على ظهور ( لا يصلح ) في التحريم ، وهذه قضية متروكة لكم ، وكان السيد الخوئي(قده) يرى أنها ظاهرة في التحريم.

وقد نقلها صاحب الوسائل عن الحميري هكذا:- ( ورواه الحميري في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه ).

ويوجد طريق ثالث ذكره صاحب الوسائل وهو:- ( ورواه علي بن جعفر في كتابه ) ، إلا أنه قال في آخره ( فلا يأخذ ) ، أي بدل ( لا يصلح ) قال ( لا يأخذ ) ، ولعل دلالتها آنذاك تكون واضحة في التحريم.

ولكن صاحب الوسائل(قده) نقلها مرتين عن علي بن جعفر مرّة قال في كتابه لأنَّ كتاب علي بن جعفر واصل إلى صاحب الوسائل وينقل منه ، ومرة من طريق قرب الأسناد بواسطة حفيده ، فإذن الرواية بطريقين هي منسوبة الى علي بن جعفر ، ولكن كيف نسبها صاحب السرائر إلى البزنطي؟! لأنه لا يمكن إما أن تنسبها إلى البزنطي أو إلى علي بن جعفر ، فعلى هذا الأساس هي لأحدهما ، وحيث إنَّ صاحب الوسائل قال إنها موجودة في قرب الأسناد وكذلك في كتاب علي بن جعفر فلا يبعد أنه حصل اشتباه لابن إدريس في نسبتها إلى جامع البزنطي.

والكلام تارة يقع في دلالتها وأخرى في سندها:-

أما دلالتها:- فبناءً على ظهور كلمة ( لا يصلح ) في التحريم نقول إنَّ هذه الرواية لا يمكن العمل بظاهرها لأنها قالت ( من المقدّم لا تأخذ ) وحينئذٍ هذا يعني أنَّ المقدّم يبقى على حاله ولا يأخذ منه وهذا لا يمكن الالتزام به فلابد أن تحمل على معنىً آخر خلاف الظاهر ، وهذا المعنى الآخر لا ينحصر بواحدٍ ، فيحتمل أن يكون المقصود يعني لا تأخذ بمقدار لا يصدق عليك أنك ملتحٍ بل لابد أن يبقى مقدار يصدق معه أنك ملتحٍ ، وبناءً على هذا يكون الالتزام بحرمة أخذ ما زاد يكون وجيهاً ، أو يكون المقصود ( لا تأخذ منها أكثر من قبضة ) لأنه سوف يأتي أنه توجد روايات تذكر أنه يستحب أن يبقي بمقدار قبضة ، فالزائد على القبضة يأخذه منها ، وبناءً عليه نحمل عبارة ( لا يصلح ) على الرجحان ، أي يكره أن تأخذ من المقدّم بنحو لا يصدق معه عنوان الملتحي.

إذن على الأول يبقى ( لا يصلح ) على دلالته على التحريم ، وعلى الثاني يكون المقصود هو الكراهة ، وكلاهما بعد تعذّر إرادة المعنى الحقيقي محتملان ولا مرجح للأوّل على الثاني فتعود الرواية مجملة لا يصح التمسّك بها لإثبات التحريم.

وهذه الفكرة نستفيد منها في موارد متعدّدة ، وضابطها أنه متى ما كانت الرواية لا يراد منها المعنى الظاهري جزماً ودار الأمر في المعنى غير الظاهر بين أكثر من احتمال فحينئذٍ تكون مجملة ، ومقامنا من هذا القبيل.

نعم إذا كان المعنى المخالف للظاهر ينحصر في واحدٍ فهنا لا يكون لدينا اجمال ونقول إنَّ المراد هو المعنى المخالف للظاهر. هذا تمام الكلام من حيث الدلالة.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج2، ص111، ب63، ح5، ط آل البيت.