الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

هذا ولكن في المقابل ربما يقال:- باختصاص التصدق بالحق الخارجي لاحتمال جود الخصوصية له وذلك ببيانين:-

الأول:- إنَّ الحق الخارجي - أعني العين الخارجية - إذا لم يتصدّق بها فحينئذٍ لابد وأن يتحمل الذي عثر عليها أعباء التحفظ عليها وهذا شيء ربما يكون فيه عسرٌ أحياناً فالشارع أراد أن يخفّف على الشخص ، وهذا لا نريد أن نبرزه على مستوى الجزم بل يكفينا ابراز الاحتمال في هكذا مقامات ، فربما الشارع أراد ان يخفف على هذا الشخص الذي عثر على مجهول المالك وحكم عليه بالتصدّق ، وهذا بخلاف الحق الذمّي فإنه لا يحتاج إلى تحفظ إذ هو باقٍ في ذمته فإن جاء صاحبه دفعه إليه وإن لم يجئ فهو قد حصل على شيءٍ من دون خسارة لأنَّ هذا الحق الذمّي سوف يبقى له من دون ضمان ، فإذن احتمال الفرق موجودٌ.

الثاني:- أن يقال: صحيح إنَّ الروايات الأربع الدالة على التصدّق وردت في الحق الخارجي والعين الخارجية والعرف يلغي الخصوصية ويعمّم للحق الذمّي ، ولكن هذا الإلغاء يتم إذا لم تكن هناك روايات في المقابل تدل على حكم آخر للحق الذمي وأنه ليس التصدّق بل التحفّظ عليه والإيصاء ، أما بعد وجود روايات تدل عليه والمفروض أنها ثلاث روايات فيحصل احتمال الخصوصية حينئذٍ بسبب وجود روايات في المقابل.

ومن الواضح أنَّ هذا لا يقال في جميع الموارد بل أحياناً العرف يصنع هكذا ، يعني إذا كانت هناك روايات في المقابل تدل على الخلاف هنا أحياناً وليس دائماً العرف يحتمل الخصوصية آنذاك ولا يلغيها ، ولا أريد أن أقول دائماً إذا كانت هناك روايات في المقابل فالعرف يحتمل الخصوصية ، كلا بل لعلّ إلغاء الخصوصية يكون قوياً بدرجة 99 % أو 100% فإنه حتى لو كانت توجد روايات في المقابل فهي لا تجدي في حصول احتمال الخصوصية ، لكن إذا فرض أنَّ العرف لم يلغِ الخصوصية بدرجة 100 % وإنما كان بدرجة أقل بحيث لو جاءت روايات في المقابل تدل على أنَّ الحق الذمّي لا يتصدّق به بل يوصى به فحينئذٍ العرف يمكن أن نقول يمكن أن نفرّق بين الحق الخارجي فحكمه التصدق بعد اليأس وبين الذمي فحكمه بعد الفحص الايصاء والتحفظ عليه.

فإذن هذان بيانان لهذا الاحتمال الثاني.

وبناءً عليه إنه حتى لو فرض أنَّ الحق الذمّي تولّد بسبب العصيان كما يحصل في أيام المدرسة فإنَّ البعض قد يضرب صديقه عمداً والآن هو ليس موجوداً حتى يطلب منه براءة الذمّة وإنما فقدت أخباره فهذا حق ذمّي قد تولد بسبب العصيان ، فهنا أيضا نقول ذلك وأنه يبقى هذا الحق يتحفّظ عليه ، ومن الواضح أنه حينما نقول يبقى هكذا يعني بالتالي أنَّ الله عزّ وجل لا يحاسبني عليه ولا يقول لم لا تبرئ ذمتك منه ، فإنه إن جاء فسوف أدفع له أبرئ ذمتي وإن لم يجئ وعادةً هو لا يجيء فالله تعالى لا يحاسبني عليه ، يبقى أنَّ هذا ذنب كفارته الاستغفار لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رواية السكوني:- ( من ظلم احداً وفاته فليستغفر الله له فإنه كفارة له )[1] ، وهذه أيضاً للغيبة.

والخلاصة:- عرفنا أنه يحتمل التعميم لنكتتين ، ويحتمل التفرقة أيضاً لنكتتين أو لبيانين ، وماذا ترى ؟

والجواب:- إنَّ الاحتمال الثاني له وجاهة إلا أنَّ الجزم به شيء مشكل ، فإذن إذا أردنا أن نفتي فنقول الأحوط وجوباً في مجهول المالك إذا كان ذمّياً هو الفحص عنه وبعد ذلك التصدّق به ، وهذا احتياط في محلّة ويتقبله الناس ، وتبرأ الذمّة جزماً ، لأني لو أبقيته في ذمتي فسوف يفوت والله تعالى لا يعاقبنا عليه كما قلنا لكن إذا تصدقت به فحينئذٍ هذا عملٌ جيد وهو عمل بالاحتياط وبالتالي لا يتنافى مع التحفّظ عليه ، نعم تظهر الثمرة فيما لو تصدقت به وجاء صاحبه ولكن هذا احتماله موجود بدرجة ضعيفة جداً كواحد بالألف أو بالمليون ، فالتصدّق هو الأحوط وجوباً وتبرأ به الذمة جزماً.

بهذا فرغنا من الاحتمالات السبعة التي في مقابل روايات التصدّق وقد عرفنا النتيجة وهي أنَّ الحكم هو التصدّق من دون تفرقةٍ بين معلوم المالك ومجهول المالك.

وهناك فروع ترتبط بمجهول المالك قد تعرّض السيد الماتن إلى بعضها في عبارة المتن وأما البعض الأخر فنحن نذكره تتمة للبحث عن مجهول المالك.

فروع ترتبط بفكرة مجهول المالك:-

الفرع الأوّل:- هل الحكم بالتصدّق يختصّ بما بعد الفحص واليأس أو يثبت حتى قبل الفحص بأن نقول إذا كان عندي مجهول المالك فحكمه التصدّق بلا حاجة إلى فحص ويأس ؟

وسبب عرض هذا الاحتمال وخطوره في الذهن هو أنَّ الروايات مختلفة من هذه الناحية فبعضها لم تشترط الفحص بل قالت من عرفته تدفع إليه ومن لم تعرف تصدّقت من دون اشتراط الفحص ، من قبيل رواية علي بن أبي حمزة الوارد في عامل بين أمية حيث كان الوارد فيها:- ( جعلت فداك فهل لي مخرج منه ؟ ...... قال له:- فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانه فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به ) من دون أن يحكم عليه السلام بلزوم الفحص ، فإذن هذه الرواية مطلقة ومقتضى اطلاقها عدم لزوم الفحص وأنَّ الحكم هو التصدّق بلا حاجة إلى فحص ، ولكن في المقابل توجد بعض الروايات تدل على لزوم الفحص ، من قبيل رواية يونس بن عبد الرحمن رفيق كان معنا بمكة وحينما وصلنا بعض الطريق وجدنا بعض متاعه مع متاعنا والامام عليه السلام امرهم أن يلحقوا به في الكوفة فقالوا له لا يمكن أن نحصل عليه فقال لهم تصدقوا به ، ونصّها:- ( قال: تحملوه حتى تحملوه [ تلحقوه ] في الكوفة ، قالك لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع ؟ قال: إذا كان كذا فبعه وتصدق بثمنه ).

إذن رواية عامل بني أمية جوّزت التصدّق بلا حاجة إلى فحص وهذه الثانية أمرت بالفحص ، وقد أشار الشيخ الأعظم(قده) إلى هذا الفرع ولكن بإشارة عابرة حيث قال:- ( ويحتمل غير بعيد عدم وجوب الفحص لإطلاق غير واحد من الأخبار )[2] ، وهذا يسجل عليه لأنه توجد رواية أخرى عندنا كما قرأنا وهي رواية يونس وقد دلت على لزوم الفحص وبعد ذلك التصدّق فلماذا لم تعمل قضية الاطلاق والتقييد فتقيد الأولى بسبب الثانية فعليه أن يذكر كل هذا وإذا كان عده جواب فيجيب به لا أن يقول ( لإطلاق بعض الروايات ) فقط ولا يذكر شيئاً آخر ، ومقصودة من اطلاق بعض الروايات هي رواية علي بن أبي حمزة الواردة في عامل بني أمية ، فالمقصود هو أنَّ هذه قضية يلزم الالتفات إليها.

إذن من المناسب أن تعالج هذه المشكلة وحاصل المشكلة هي أنَّ رواية علي بن ابي حمزة الواردة في عامل بني أمية دلت على أنَّ الحكم هو التصدّق من دون اشتراط الفحص بينما رواية يونس اشترطت ذلك فماذا نصنع ؟

والجواب:- المناسب بادئ ذي بدءٍ هو التقييد فنقول صحيح إنَّ الأولى مطلقة لكن الثانية مقيدة كجميع موارد المطلق والمقيد فنقيد حينئذٍ - ومن الواضح أن هذا الجواب تام أو ليس بتام فهذا ما سنذكره فميا بعد لكن الذي نريد أن نقوله الآن هو أنَّ السيد الخوئي(قده)[3] قال لا أقيد وإنما اعمل بإطلاق رواية عامل بني أمية ، ولماذا ؟ لأنَّ رواية عامل بني أمية واردة في مجهول المالك وأما رواية يونس فهي واردة في ملوم المالك ويمكن التفرقة بين الموردين فإذا كان المالك مجهولاً فلا يلزم الفحص بل التصدق ابتداءً كما هو مورد رواية عامل بين مية وإذا فرض أن المالك كام معلوماً ( رفيق كان لنا بمكة .. ) ففي مثل هذا المورد يلزم الفحص.

وربما يشكل عليه:- بأنه إن قلت إنه ذكر كما أشرنا في بعض الأبحاث السابقة أنه لا فرق بين معلوم المالك ومجهول المالك فمعلوم المالك إذا انقطعت اخباره ولم نعرفه حكمه حكم مجهول المالك فإنَّ العرف لا يفرّق بين الأسباب ، فإذن هذا يناقض ذاك ؟

قلت:- يمكن أن يجيب بأنَّ ذاك هو قد ذكره من حيثية التصّدق فإنَّ الحكم بالتصدق لا يفرق بين كونه مجهول المالك أو معلوم المالك وانقطعت اخباره فإنَّ العرف لا يفرق بين الأسباب ، أما من ناحية الفحص فيمكن أن نقول إن العرف يفرّق ، فإذن حديثنا الآن من زاوية وذاك الحديث السابق من زاوية أخرى فحديثنا الآن من زاوية الفحص وأنه لازم أو فيمكن التفرقة بين معلوم المالك ومجهول المالك وأما ذلك الحديث وهو وجوب التصدق فهو من زاوية وجوب التصدّق والعرف لا يفرق بين مجهول المالك ومعلوم المالك ، فإذن لا تناقض بين كلماته.

والخلاصة:- إنه ذكر أنه يمكن أن نفرّق بين رواية عامل بني أمية التي لم تأمر بالفحص باعتبار أنَّ المالك مجهول وبين رواية يونس والتي أمرت بالفحص نقول هي واردة في معلوم المالك وسوف تصير النتيجة هي التفرقة هكذا ، فإن قبلنا بهذا فبها وإلا فسوف يذكر بياناً آخر في هذا المجال.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج16، ص53، ابواب جهاد النفس، ب78، ح5، ط آل البيت.
[2] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج2، ص185.
[3] تراث السيد الخوئي( مصباح الفقاهة )، الخوئي، تسلسل35، ص777.