الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات المكاسب المحرمة.

وهذا الاشكال بناءً على رأي السيد اليزدي(قده) المتقدّم حيث ذكرنا عنه أنه يرى أنَّ الأمر بالوفاء ليس توصلياً كما أنه ليس بتعبّديٍّ وإنما يتبع في توصلّيته وفي تعبّديته المتعلّق فإذا كان المتعلّق عبادياً صار عبادياً ، إنه بناءً على هذا الرأي سوف يصير كلا الأمرين عبادياً ، أما الأمر الذي هو متعلّق بالعبادة فواضح أنه عبادي ، وأما أمر أوفوا باعتبار أنه متعلّق بالاتيان بالعبادة والمتعلّق عبادي فيصير عبادياً.

إذن بناءً على رأي السيد اليزدي(قده) لا تعود لدينا مشكلة وإنما القضية منحلّة ، إنما الكلام بناءً على غير هذا الرأي.

ويمكن الجواب بما يلي:

أوّلاً: إنَّ كلا الأمرين ذو متعلّق واحد ، فالأمر بالعبادة متعلّق بالعبادة والأمر بالوفاء متعلّق أيضاً بالاتيان بالعبادة ، فمتعلّق كلا الأمرين عبادة ، ومعه لا محذور في الاندكاك ، فيندكّ أحد الأمرين في الآخر بعدما كان المتعلّق في كليهما عبادياً ، يعني كلاهما يدعوان إلى الاتيان بالعمل بقصد العبادة والقربة وبعد هذا لا مانع حينئذٍ من الاندكاك ، وإنما يكون هناك مانعاً لو أنَّ واحداً يشترط القربة والآخر لا يشترطها فصار الفصل لهما مختلفاً يعني أشبه بالفصل فلا يمكن الاندكاك ، أما إذا كان المتعلّق لكليهما هو الدعوة إلى الاتيان بالعبادة فأيُّ مانعٍ من الاندكاك ؟! ويتحوّل هذا الوجوب إلى وجوبٍ واحد قويّ يدعو إلى العبادة.

الثاني: إنه ما المانع من بقاء كلٍّ منهما على ما هو عليه بلا حاجة إلى الاستعانة بما ذكرناه الآن يعني أن المتعلّق في كليهما واحد وهو الدعوة إلى الفعل العبادي بل نغضّ النظر عن هذا العنصر ونقول أيُّ مانعِ في أن يتوجه أمران إلى شيءٍ واحد وليكن أحدهما توصلياً والآخر عبادياً ؟! ، من قبيل أن أنذر الاتيان بالحج وهذا المثال لا أريد أن أتي به لإثبات الإمكان أو لزيارة الامام الحسين عليه السلام ، فهناك أمر بالذات موجودٌ إما أمرٌ وجوبي أو استحبابي وفي نفس الوقت حينئذٍ يكون هناك أمراً وجوبياً من ناحية النذر ، فأيّ محذور في ذلك ؟!! وتطبيق ما قرأناه في المعقول على الأمور الفقهية ليس بصحيح في كثير من الأحيان ، فهناك قرأنا أنه لا يمكن اجتماع عرضين لأنَّ المحلّ لا يتحمل إلا واحداً ، فإذا عرض السواد وسواد آخر على محلٍّ واحدٍ فحيث إنَّ المحل لا يسع إلا سواداً واحداً فيندكّ حينئذٍ أحد السوادين في الأخر ويتحوّلان إلى سوادٍ واحد فهذا صحيح ولكنه في الأمور الحقيقية ، وأما في الأمور الاعتبارية كما في مقامنا فأيّ مانعٍ من ذلك ؟!

إذن لا داعي إلى الالتزام بمسألة الاندكاك وليكن أمرٌ عبادي موجوداً بهذا الشيء وفي نفس الوقت يوجد أمرٌ ثانٍ توصّلي بالوفاء ، فأيُّ مانعٍ من بقاء الأمرين على حالهما ؟!

نعم عملاً سوف تتقوّى الدعوة إلى فعل هذا الشيء أما كأمرين فيبقيان على ما هما عليه ولا يوجد مانع من ذلك ، فإذن لا توجد مشكلة من هذه الناحية.

ثالثاً: إنه وردت عندنا كما ذكرنا روايات في الحج الاستيجاري عن الميت أو عن الحيّ فماذا تصنع هناك ؟ فهل تقول للإمام الصادق عليه السلام لابدّ وأن تحل المشكلة حتى أتقبّل منك هذا ؟! ، فإذن مادام قد دلّ الدليل على ذلك فنفس الدليل يكون كاشفاً عن الامكان ، فإنَّ الوقوع أدلّ دليلٍ على الامكان ، فلا معنى للتوقف ، لكنك إذا أردت أن تعرف أنَّ هذا كيف صار فاذهب وفكّر في ذلك ولكن لا تشكك في أصل صحّة الاجارة وتقول إنه لا يمكن الالتزام بصحّتها فإنَّ هذا الكلام لا معنى له.

ولا يقول أحد: إنَّ هذا النص قد ورد في الحج فنقول به ولكنه لم يرد في باب غير الحج فلنفصّل إذن بين الحج وبين غيره.

قلت: ما هو الفرق بين الحجّ وبين غيره ، فإنه إذا أمكن في الحج أمكن في غيره ، فنفس ورود الدليل في الحج يدلّ على الإمكان في الحج ، وبالتالي يدلّ على الامكان في غيره؛ إذ الجميع عبادة ، فالصلاة عبادة ، والحج عبادة ، فإذا أمكنت الاجارة في الحج أمكنت في الصلاة من حيث الامكان والاستحالة ، فلا معنى لأن تقول فلنفصّل بينهما.

عودٌ إلى صلب الموضوع: ذكرنا فيما سبق أي في بداية مسألة الاجارة على الواجبات أنه قد يستشكل في صحة الاجارة بثلاثة أصناف من الوجوه ، الصنف الأوّل يقول إنَّ نفس الوجوب لا يجتمع مع الاجارة والاجارة لا تجتمع مع الوجوب بقطع النظر عن حيثية القربة والعبادة كلا أصلاً حيثية الوجوب تمانع حيثية الاجارة والبعض قال كالشيخ الانصاري(قده) إنَّ نفس الوجوب معناه إلغاء احترام العمل .... وذكرنا له عدة بيانات وقد انتهينا منه ، والصنف الثاني هو أنه كيف تجتمع الاجارة مع قصد القربة وكان هذا هو الاشكال الأساسي والمهم ومنه ابتكرت فكرة الداعي إلى الداعي وكانت هي أحد الأجوبة عنه ، وهذا الصنف يعمّ كلّ إجارة على الواجب سواء كان بنحو النيابة أو لا بنحو النيابة وانتهينا منه.

القسم الثالث: وهو أنه هناك منافاة بين قصد القربة وحيثية النيابة لا وحيثية الاجارة ، فهذا القسم من الاشكال خاص بالنيابة أي بالعبادات التي يؤتى بها بنيّة النيابة ، فأنت تقصد القربة لمن ؟فهل بالأمر المتوجه إليك ، أو بالأمر المتوجه إلى المنوب عنه ؟

ولأجل أن نحيط بأطراف ها الموضوع نطرح أربع نقاط في هذا المجال:

النقطة الأولى: هل الميت ينتفع بعمل الحي وتفرغ بذلك ذمته إن كانت مشغولة بصومٍ أو صلاةٍ بإجارة أو من دون إجارة ؟

النقطة الثانية: كيف يمكن تصحيح الاجارة على النيابة ، فما هو الدليل على ذلك ؟

النقطة الثالثة: كيف يمكن التقرّب في حق الأجير ؟ فهو لا يوجد عنده أمرٌ إنما الأمر متوجه إلى الميت فحينئذٍ كيف يتقرب هو وبأيّ أمر ؟

النقطة الرابعة: كيف يكون التقرّب من النائب تقرباً للمنوب عنه ؟

النقطة الأولى: هل ينتفع الميت بعمل الحي ؟

من الواضح أنه لو كنّا نحن والقاعدة بقطع النظر عن الروايات هل المناسب فراغ ذمة الميت بعمل النائب الحي ؟ فأنا حينما أصلّي عن والدي فهل تفرغ ذمته بمقتضى القاعدة ؟ المناسب هو العدم ، لأنَّ الأدلة دلت على اشتغال ذمّة كل إنسان بما هو ثابت في حقّه ، فمثل ﴿ أقيموا الصلاة ﴾ معناه أنك أنت أيها المكلّف أقم الصلاة ، يعني أنت المكلف ذمتك مشغولة بالصلاة ، وأنت المكلف الآخر ذمتك مشغولة بالصلاة....وهكذا ، فهو انحلالي بعدد الأفراد فكلّ فردٍ ذمته مشغولة ، وحينئذٍ زوال الاشتغال بعمل الآخر إذا شككنا فيه فالمناسب لو كنّا نحن والقاعدة بقاء الاشتغال فإنَّ الفراغ وزوال الاشتغال هو الذي يحتاج إلى دليل لأنَّ ذمة الميت كانت مشغولة فزوال الاشتغال هو الذي يحتاج إلى دليل ، وحيث لا دليل بل الدليل على العدم موجود وهو استصحاب بقاء الاشتغال في ذمة الميت فهذا دليل على عدم الفراغ ، مضافاً إلى قاعدة الاشتغال العقلية فإنه إذا شكّ بعد الاشتغال اليقيني فلابد من الفراغ اليقيني ، وحيث لا يجزم بالفراغ اليقيني بعمل الغير فيحكم بالاشتغال اليقيني ، فمقتضى القاعدة أنَّ كل إنسان ذمته مشغولة والفراغ يحتاج إلى دليل وحيث لا دليل بل الدليل على العدم بمقتضى القاعدة والدليل على العدم هو استصحاب بقاء الاشتغال وقاعدة الاشتغال العقلية فإذن يحكم ببقاء الاشتغال وعدم تحقق الفراغ إلا إذا دلَّ الدليل ، وبالإمكان أنه لو قام الدليل نلتزم بحصول الفراغ ، وقد دلّت روايات كثيرة على أنَّ الميت ينتفع بعمل الحي ويخفّف عنه ، من قبيل صحيحة معاوية بن عمّار: ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما يلحق الرجل بعد موته ؟ فقال: سنّة سنّها يعمل بها بعد موته فيكون له مثل أجر من يعمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، والصدقة الجارية تجري من بعده ، والولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما ويحج ويتصدق ويعتق عنهما ويصلّي ويصوم عنهما ، فقلت: أشركهما في حجتي ؟ قال: نعم )[1] ، وتوجد روايات غيرها ، ونفس هذه الرواية يمكن أن نستفيد منها العموم ، يعني أنَّ القضية لا تختصّ بالصلاة والصوم بل يفهم منها أنَّ أي عمل تأتي به عنهما كقراءة القرآن أو الاعتكاف أو اهداء ثواب هذا الدرس لهما وأيّ عمل آخر تأتي به عنهما يكون صحيحاً ونافعاً لهما.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج2، ص444، ابواب الاحتضار، ب28، ح6، آل البيت.