الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ثم انه بعد اتضاح المناقشة في جميع الوجوه المذكورة للجمع يتضح أن التعارض مستقر وبالتالي يلزم الحكم بالتساقط في مادة المعارضة - أعني من ترك الموقف في عرفات عن عذر - وبالتالي نرجع إلى ما يقتضيه الأصل بعد فرض فقدان الدليل الاجتهادي - أعني إطلاق دليل لفظي فإنه بعد عدم وجود هذا الإطلاق نرجع إلى الأصل العملي - وهو يقتضي البراءة من التقيّد بأكثر من الموقف الاضطراري للمشعر في حق صاحب العذر فنحن نشك أن صاحب العذر هل اشتغلت ذمته بأكثر من الموقف الاضطراري للمشعر ؟ إن هذا شك في أصل التكليف واشتغال الذمة فتجري البراءة عن ذلك وتصبح النتيجة هي كفاية الموقف الاضطراري للمشعر كما ذهب إليه غير واحد ولكن لا لفكرة انقلاب النسبة أو شاهد الجمع أو ما شاكل ذلك وإنما لأجل التمسك بالأصل بعد استقرار المعارضة .
 وإذا قيل:- لم لا نطبّق قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فإن ذمتنا قد اشتغلت بالحج جزماً ونشك في فراغها بالإتيان بالموقف الاضطراري للمشعر فقط فيكون المناسب للقاعدة المذكورة هو الفراغ اليقيني - أي التيقن بالفراغ بعد الاشتغال اليقيني - وذلك لا يكون إلا بالإتيان بالحج الكامل في السنة الثانية.
 قلنا:- إننا نسلم بهذه القاعدة ونطبقها في المقام أيضاً ولكن بهذا الشكل وهو أن نقول:- إن ما اشتغلت به الذمة يقيناً يلزم تفريغ الذمة منه يقيناً والذي اشتغلت به الذمة يقيناً هو الحج المقيّد بالمشعر الحرام في الجملة أي ولو بنحو الموقف الاضطراري لصاحب العذر أما ما زاد على ذلك فنشك في أصل الاشتغال به ، وعليه فما اشتغلت به الذمة يقيناً قد فرّغنا الذمة منه يقيناً والذي لم نفرغ الذمة منه يقيناً لا نجزم باشتغال الذمة به يقيناً ، وهذه نكتة ظريفة سيّالة نطبقها في هذا المورد وكل مورد يكون من هذا القبيل وإن كان الاحتياط يقتضي إعادة الحج في العام المقبل.
 
 
 قال(قده):-
 السابعة:- أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط . والأظهر في هذه الصورة بطلان الحج فينقلب حجّه إلى العمرة المفردة ويستثنى من ذلك ما إذا وقف في المزدلفة ليلة العيد وأفاض منها قبل الفجر جهلاً منه بالحكم كما تقدّم ولكنه إذا أمكنه الرجوع ولو إلى زوال الشمس من يوم العيد وجب ذلك وإن لم يمكن صح حجّه وعليه كفارة شاة.
 ..........................................................................................................
 وقع الكلام في أن من أدرك اختياري عرفات فقط من دون أن يدرك شيئاً من موقف المشعر - الاختياري منه والاضطراري هل يجزيه ذلك أو لا ؟ والمحقق(قده) في الشرائع لم يتعرض إلى هذه الصورة وهو غريب وكان من المناسب له التعرض إلى ذلك ، نعم تعرض إلى ذلك صاحب المدارك(قده) [1] ونقل عن جده الشهيد الثاني(قده) أنه اختار الإجزاء وادعى عدم الخلاف في ذلك يعني يكفي لحصول فراغ الذمة إدراك أحد الموقفين فيكفي إدراك الموقف الاختياري لعرفات - وواضح أنه فيما إذا كان تركه للآخر عن عذر - كحالة العكس أي أدرك المشعر الحرام من دون أن يدرك عرفات ، وأشكل على جدّه بإشكالين:-
 فأشكل أولاً:- إنه لا يوجد ما يدلّ على إجزاء اختياري عرفة وحده وإنما الثابت بالروايات هو إجزاء الوقوف في المشعر الحرام وحده.
 وأشكل ثانياً:- بأن الخلاف في المسألة ثابت حيث أن العلامة(قده) ذهب إلى عدم الإجزاء ، قال(قده) بعد الإشكال الأوّل مشيراً إلى الإشكال الثاني ما نصّه:- ( إن الخلاف في المسالة متحقق فإن العلامة في المنتهى صرّح بعدم الاجتزاء بذلك وهذه عبارته :- ولو أدرك أحد الموقفين اختياراً وفاته الآخر مطلقاً [2] فإن كان الفائت هو عرفات فقد صحّ حجّه لإدراك المشعر وإن كان هو المشعر ففيه ترددٌ أقربه الفوات ) ، ثم قال صاحب المدارك(قده):- ( فعُلم من ذلك أن الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة ليس إجماعياً كما ذكره الشارح وأن المتّجه فيه عدم الإجزاء لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه وانتفاء ما يدلّ على الصحة مع هذا الإخلال ) . إذن صاحب المدارك يدّعي مطلبين الأول هو أنه لا دليل على الإجزاء والثاني هو أن القول الإجزاء محلّ خلاف وليس محلّ وفاق.
 وحاول صاحب الجواهر(قده) [3] أن يردّ كلا الاشكالين انتصاراً للشهيد الثاني(قده):-
 أما بالنسبة إلى الخلاف وعدمه فذكر أن المحدث المجلسي والسيد نعمة الله الجزائري في شرح التهذيب نقلا الشهرة على الإجزاء بل عن شارح المفاتيح - أي السيد الكاشاني - الإجماع.
 وأما بالنسبة إلى ردّ الاشكال الأول:- فقد ذكر مجموعة أمور ربما تصلح ولو بعضها لإثبات الإجزاء والذي ذكره هو:-
 الأمر الأول:- ما ورد من أن ( الحج عرفة ) [4] ، وبناءً عليه يكون الركن الأساسي هو عرفة وبالتالي من أدركها فقد أدرك الحج وإلا يلزم أن لا يكون الحجّ عرفة.
 وفيه:- إن هذا ليس موجوداً في مصادرنا الحديثية وإنما هو قد يكون موجوداً في أحاديث غيرنا ولذلك نقلناه عن مستدرك الوسائل وإلا فلا وجود له في وسائل الشيعة مثلاً . وبغض النظر عن ذلك يمكن أن يقال إن هذا الحديث معارض بما دلّ على أن من فاته المشعر فقد فاته الحج وأن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج فتحصل معارضة بين الحديثين وبالتالي لا يمكن الأخذ بهذا الحديث لوجود المعارض ، على أنه ربما يقال:- إن هذا المضمون - أي ( الحج عرفة ) هو ليس بصدد بيان أن الركن الأساسي في الحج هو عرفة بحيث يكون من أدركه قد أدرك الحج ، كلا وإنما هو بيان لأهميّة الموقف في عرفات وأن الثواب الجزيل والمهم هو في ذلك ، أما أن إدراك الحج يتحقق بإدراكه فهو أجنبي عنه . إذن هو وراد في بيان أهمية موقف عرفات من حيث الثواب لا من حيث الإجزاء ويكفينا التردد والإجمال ، فإذا لم ندرِ أن الحديث هل هو ناظر إلى هذا أو هو ناظراً إلى ذاك فيصير مجملاً ولا ظهور له في أحدهما وهذا المقدار يكفينا في سقوطه عن صلاحية الاستدلال.
 الأمر الثاني:- هو إن ( الحج الأكبر الموقف بعرفة ورمي الجمار ) وقد جاء هذا الحديث في الوسائل [5] بتقريب أنه كسابقة يدل على أن الحج الأكبر هو الموقف بعرفة وإضافةً إلى ذلك رمي الجمار فيكون الحج متقوّماً بمجموع أمرين والمفروض أن رمي الجمار متحقق والوقوف بعرفة متحقق فيحصل بذلك إدراك الحج ، والحديث المذكور جاء تفسيراً لمصطلح ( الحج الأكبر ) الوارد في الآية الكريمة التي تقول:- ( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله ) فيسأل عمر بن أذينة الإمام عليه السلام ويقول:- ما هو الحج الاكبر ؟ فأجابه:- ( الوقوف بعرفة ورمي الجمار ).
 ويرد على هذا ما أوردناه ثانياً على الحديث السابق:- من أنه معارض بما دلّ على أن من فاته المشعر فقد فاته الحج ، مضافاً إلى أن الرواية المذكورة هي في نفسها قابلة للتأمل والنظر بقطع النظر عن المعارضة وذلك باعتبار أن الآية الكريمة قالت:- ( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) وحينئذ يكون تفسير يوم الحج الأكبر بالموقف بعرفات ورمي الجمار لا ملائمة فيه بين هذا وذاك فإن السؤال هو عن المقصود من الحج الأكبر فما معنى تفسيره بالوقوف بعرفة ورمي الجمار ؟! ووصف الحج بأنه أكبر لا يتلاءم مع تفسيره بالوقوف بعرفة ورمي الجمار ، نعم قد نفسّر يوم الحج بأن يكون المقصود منه هو زمان الوقوف بعرفات فالأذان وإعلان البراءة يصير في موقف عرفة ولكن المفرض أن الآية قد وصفت الحج ويوم الحج بالأكبر فتفسير ذلك بموقف عرفات ورمي الجمار قد لا يكون فيه ملائمة.
 ولو سلمنا وجود ملائمة فلا يدلّ هذا الحديث على أن الحج متقوم بعرفة بل غاية ما يفيد هو أن اجتماع الناس يكون في مكانين هما عرفات ورمي الجمار أما أن قِوام الحج بذلك بحيث أن من أتى بذلك فقد أتى بالحج فهذا قد يكون الحديث أجنبي عنه.
 وأيضاً مضمون الحديث مرفوض لدى الفقهاء إذ لازمه أن الوقوف بعرفة لا يكفي إلا بضم رمي الجمار والحال أن من يقول بالكفاية أو بعدم الكفاية لا يرى أهميةً وعبرةً لرمي الجمار بل الأهمية كل الأهمية هي للموقف بعرفة فضم رمي الجمار إلى الموقف بعرفات يزعزع من حجية الرواية.


[1] المدارك ج7 ص405.
[2] سواء كان عن اختيار أو عن عذر.
[3] الجواهرج19 ص39.
[4] مستدرك الوسائل ب18 من ابوب احرام الحج ح3.
[5] الوسائل ج14 ص263 ب 4 من ابوب العود إلى منى ح1.