الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 367 )/ الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفي مقام التعليق نقول:-
 أما بالنسبة إلى الوجه الأول:- فباعتبار أنه في علم الأصول أي في مبحث التعبدي والتوصلي - وإن عقد الأعلام مسألة بعنوان ( هل الواجب يصدق على الحصة المتحققة من دون اختيار أو لا ؟ ) وللشيخ النائيني(قده) كلام في هذا المجال لعله يظهر منه الاختصاص بالحصة الاختيارية بيد أنه رفض ذلك فلاحظ كلماته في المبحث المذكور من قبيل ما جاء في المحاضرات [1] فإنه لم يبنِ على ذلك ، نعم لعل ما ذكره هنا تراجع عما بنى عليه في علم الأصول ولا محذور في ذلك ولكن الغريب هو أنه يقول ( كما ذكرنا في علم الأصول ) يعني أنه ينسب هذا المطلب إلى أنه ذكرناه في المطلب المذكور أي في مبحث التعبدي والتوصلي - فهذا هو محل التأمل . وعلى أي حال هذه قضية ليست علمية بل هي فنيّة أو قريبة منها والأمر سهل ولكن واقع الحال بقطع النظر عمّا هو يختاره اعتبار الاختيار في صدق الواجب ليس أمراً واضحاً - يعني دعوى إنه عرفاً لا يصدق انتساب المادة إلى الفعل إلا إذا صدر الفعل بالاختيار - .
 والمهم الذي نريد أن نقوله:- هو أنه لو سلمنا اعتبار الاختيار في صدق النسبة عرفاً ولكن نقول يكفي أدنى الاختيار وأقله في صدق الانتساب والمفروض في مقامنا أن المكلف جاء باختياره ووقف في عرفات غايته قبل الوقت الواجب فالانتساب عرفاً يمكن أن يقال بأنه صادق وإنما لا يكون صادقاً فيما لو كان مجيئه من البداية بغير اختيار كما لو حمل وهو نائم من شقة السكن إلى عرفات فلم يأتِ برجله إليها فهنا قد لا يصدق الانتساب عرفاً والقضية عرفية لا أكثر ، أما بعد أن جاء برجله ويريد الوقوف من الزوال فلا نسلم ما ذكره من أن الانتساب لا يكون صادقاً.
 وأرجو أن لا يحصل التباس بين هذه المسالة وبين المسألة التي قرأناها في مبحث اجتماع الأمر والنهي وهي أن الامتناع أو الايجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار فإن تلك المسألة ناظرة إلى أن العقوبة هل يكفي فيها الاختيار من حيث المقدمات أو لا ؟ والعقل قد يقول يكفي ذلك بل حتى الخطاب قد يقول إنه يجوز مادامت المقدمة بالاختيار ، كلا فإن مسألتنا ليست مصداقاً لهذه بل هي مسألة عرفية وهي أنه هل ينتسب الفعل والمادة إلى الفاعل عرفاً أو لا ؟ فالقضية ليست دقيّة بل هي عرفية فهل عرفاً يصدق الانتساب إذا لم يكن هناك اختيار بأن كان الشخص نائماً ؟ فمسألتنا عرفية لا عقلية من حيث العقاب ومن حيث صحة توجه الخطاب.
 إذن نحن نريد أن ندّعي أنه قال لا يصدق عرفاً إذا لم يكن اختيار ، ونحن نقول:- سلمنا ولكن إذا لم يكن هناك اختيار رأساً وبشكل كليّ - كمن حمل وهو نائم كما مثلنا - فمثل هذا الشخص يمكن أن ندعي أنه يصدق عرفاً أنه وقف.
 وأما ما يذكر في الوجه الثاني ففيه:-
 أولاً:- إنه(قده) بنى في علم الأصول على أن القدرة ليست شرطاً في متعلق التكليف بل يصح توجيه التكليف إلى غير القادر أيضاً وهذه مسألة محل كلام وخلاف فالتفتوا إلى ذلك فالشيخ النائيني مثلاً بنى على أن التكليف لا يتعلق إلا بالحصة المقدورة بنكتة أن التكليف مجعول بداعي التحريك ولا يمكن تحريك غير القادر ، والسيد الخوئي(قده) هنا ذكر أنه لا تشترط القدرة في متعلق التكليف وإنما هي شرط في الادانة - يعني في التنجز - أو بالعبارة الأوضح في استحقاق العقوبة وفي صحة العقاب فغير القادر لا يجوز عقابه أما أنه لا يصح توجه التكليف إليه فلا ، بل يصح توجهه إليه فإنه بنى على ذلك [2] . والملفت للنظر - كما أشرت أكثر من مرة - أني طيلة حضوري عنده لا أتذكر منه مرّة أنه أشار الى هذا وإنما كان يتجارى مع القول الآخر - وهو أن القدرة شرط - ولا أدري أن هذه غفلة عن مبناه أو عدول عنه ، لا أدري كيف يفسر؟! وهذا واقع أنقله لكم . والخلاصة:- إنه بناءً على كون القدرة ليست شرطاً في صحة التكليف لا يتم هذا الوجه.
 وثانياً:- لو سلمنا أن القدرة شرط في متعلق التكليف كما يبني عليه الشيخ النائيني(قده) ولكن نقول هناك كلام هو عقلي ولكنه أثير في علم الأصول وهو أن الجامع بين المقدور وغير المقدور هل هو مقدور ويصح تعلق التكليف به أي بالجامع أو أنه ليس بمقدور ولازمه اختصاص التكليف بالحصة المقدورة دون الجامع بينها وبين الحصة غير المقدورة ؟ ربما يلوح من الشيخ النائيني(قده) أن الجامع بين المقدور وبين المقدور ليس بمقدورٍ ، وعلى هذا الأساس لا يصح توجه التكليف إلى الجامع فلا يصح القول ( ااتني إما بقلمك الذي بيدك أو بالقلم الذي بيد السلطان ) فعلى رأي الشيخ النائيني(قده) إنه لا يمكن توجه التكليف إلى هذا الجامع وإنما ينحصر التكلف بالمقدور - يعني بالقلم الذي في يدك فلابد وأن تقول ( أعطني القلم الذي بيدك ) ، وهذا بخلافه على المبنى الآخر الذي يقول أن الجامع مقدور مادام إحدى حصتيه مقدورة فإنه يصح توجه التكليف إلى الجامع ، والسيد الخوئي(قده) يبني على أن الجامع بين المقدور وغير المقدور مقدورٌ ، وهذه قضية واضحة ، ومن الغريب أن الشيخ النائيني(قده) يلوح منه خلاف ذلك ، ووجه الغرابة هو أن الجامع له فردان وأحدهما مقدور فذلك يكفي للقدرة عليه والمفروض أن الجامع يتحقق بأحد فرديه ولا يتوقف على كلا الفردين فمادام أحدهما مقدور فيصح توجه التكليف إلى الجامع ، إنه بناءً على أن الجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور نقول حينئذ في مقامنا إن الجامع في المقام وهو الكون في عرفات هو جامع بين الحصّة المقدورة - وهو أن يبقى هذا المكلف مستيقظاً - وبين الحصة غير المقدورة - وهو أن يفترض أنه نائم - وما دام أن إحدى الحصتين مقدورة له - وهي حصة أن يبقى مستيقظاً لأن المفروض أنه يتمكن أن يبقى مستيقظاً ولكنه نام - فعلى هذا الأساس سوف يكون الجامع مقدوراً له فيكون التكليف متوجهاً للكون والكون مقدورٌ وحينئذ يكون ما أتى به مصداقاً لمتعلق الأمر إذ متعلق الأمر هو الكون وما أتى به - وهو الحصة حالة النوم - هو مصداق للكون الجامع الذي هو المأمور به فلا مشكلة من هذه الناحية حتى بناءً على اشتراط القدرة في متعلق التكليف.
 وثالثاً:- لو سلمنا أن القدرة شرط في متعلق التكليف وقلنا أن الجامع بين المقدور وغير المقدور ليس بمقدورٍ فمع ذلك يمكن توجه التكليف إلى الحصة المذكورة - وهي الكون من الزوال إلى الغروب حالة النوم المستوعب - والوجه في ذلك هو أن مقدمة هذه الحصة مقدورة للمكلف فإن المفروض هو أنه جاء بنفسه إلى عرفات قبل الزوال فصنع ذلك بقدرته وبقدرته أن يبقى مستيقظاً أيضاً إلى أن يحل الزوال فمادامت المقدمة مقدورة إذن فذي المقدمة سوف يكون مقدوراً بمعنى أنه يصح توجيه الخطاب إليه ولا يقال بأنه لا يصح توجيه الخطاب إليه ولا يقال إنه ليس بمقدورٍ ، كلا إنه مقدور له وذلك بأن يبقى مستيقظاً ولا ينام قبل الزوال ، ومادام هذا مقدوراً فذي المقدمة يكون مقدوراً فيصح توجه التكليف إليه ، وعليه فمن هذه الناحية - أي من ناحية أن متعلق التكليف يلزم فيه القدرة - لا محذور لما أشرنا إليه من المناقشات الثلاث.
 وأما بالنسبة إلى الوجه الثالث:- فباعتبار أن مدرك اعتبار قصد القربة لا يقتضي أكثر من قصد القربة ولو قبل الزوال - أي قبل تحقق النوم - يعني أن القربة معتبرة في الجملة ولو قبل أن يقف المكلف - أو بالأحرى قبل أن ينام - فإن المستند المهم هو الارتكاز المتوارث كما ذكرنا وإلا فلا توجد آية أو رواية تدل على ذلك أي اعتبار القربة وأن تكون متحققة من الزوال لا قبله والقدر المتيقن منه هو اعتبار القربة في الجملة وذلك يتحقق بالقربة التي قصدها حينما جاء إلى الموقف والمفروض أنه قاصد أن يقف إلى الغروب قربة إلى الله تعالى ولكنه كان قاصداً لها قبل أن ينام ثم نام فلا يمكن أن نقول إن هذا تخلف منه قصد القربة فيقع منه باطلاً . والخلاصة من كل هذا:- هو أنه لا دليل على صحة الوقوف في الحالة المذكورة أي الحالة الأولى من الحالتين الاخيرتين-.
 بقيت عندنا الحالة الثانية من الحالتين الأخيرتين وهي أن يستولي عليه النوم من البداية ولكن يستيقظ قبيل الغروب ، والمناسب ربط حكم هذه المسألة بالمسألة الآتية والتي تتعرض إلى أن المقدار الواجب من الوقوف في عرفات ما هو ؟ فإن بنينا على أن الواجب هو الجميع من الزوال إلى الغروب ولكن الركن الذي يبطل به الوقوف أو الحج هو المسمى - كما هو الصحيح وسياتي - فحينئذ مادام قد استيقظ قبل الغروب بلحظات ونوى فقد تحقق بذلك الواجب بلا اشكال ، نعم قد يقال هو آثم لو نام باختياره حيث قد فوَّت عليه مقداراً من الواجب . واما إذا بنينا على أن الوجب هو المسمى ايضاً فحينئذ يزول حتى الإثم فيكون الوقوف منه متحققاً ويكون ممتثلاً من دون إثم . ونحن ذكرنا فيما سبق أن عبارة المتن تتضممن الإشارة إلى هاتين الحالتين الأخيرتين فتدل على أن الحالة الأولى من الحالتين الأخيريتين ليست مجزية بالمنطوق بينما الحالة الثانية من الأخيرتين هي مجزية ولكن بالمفهوم.
 والآن أقول:- إنه حتى بالنسبة إلى الحالتين الأوليين يمكن استفادتهما من العبارة ، فالعبارة تكون حاوية لجميع الحالات الأربع ، أما الأولى - وهي أن يقف مستيقظاً - فواضح فإن العبارة تدل على الاجزاء فهي قالت ( لا يجزي إذا استوعب نومه ) وبالمفهوم نستفيد أنه إذا بقي مستيقظاً فلا إشكال في صحة وقوفه ، وهكذا الحالة الثانية من الحالتين الأوليين نستفيدها أيضاً بالمفهوم لأن المفروض أنه أدرك مقداراً من الوقت وبالمفهوم نستفيد من العبارة أنه من أدرك مقداراً من الوقت يصح منه الوقوف ، وهذه قضية جانبية ليست مهمة ، وإنما المهم في كل ما ذكرناه هو أنه من استولى عليه النوم من البداية وحتى النهاية يمكن الحكم بصحة وقوفه.


[1] المحاضرات 2 رقم التسلسل 43 500 ط جديدة.
[2] ومن أراد المراجعة امكنه ان يراجع هامش اجود التقريرات 1 153 ط جديدة ، وذكره أيضا في 2 24.