الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/02/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 365 ) / الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 النقطة الثانية:- يكره الوقوف على الجبل . وهذا الحكم معروف بين الأصحاب إلا أن بعضهم قيد بالأعلى كصاحب الشرائع حيث قال ( ويكره الوقوف في أعلى الجبل ) بينما لم يذكر هذا القيد في كلمات كثير . وبقطع النظر عن هذا القيد يقع السؤال عن الوجه في هذا الحكم والحال أنا إذا رجعنا إلى النصوص لم نجد نصّاً ينهى عن الوقوف على الجبل - أي بلسان ( لا تقف على الجبل ) - حتى يحمل على الكراهة ، فمن أين هذا الحكم ؟
 قد يستدل له بالوجهين التاليين:-
 الوجه الأول:- ما ذكره السيد الحكيم(قده) [1] حيث تقدم أن سماعة سأل من الامام عليه السلام أنه إذا ضاقت منى بالناس فماذا يصنع ؟ فقال:- إلى وادي محسر ، ثم سأله عن المشعر فقال:- إلى المأزمين ، فقال له والمهم هو هذا المقطع وإذا ضاق الموقف ؟ قال:- يرتفعون إلى الجبل فتمسك( قده) بهذه الرواية الدالة على تخصيص الوقوف على الجبل بحالة الضرورة وضيق المكان ولازم ذلك هو الكراهة.
 وهو كما ترى:- فإنا لو أردنا أن نتعايش مع قرينة السياق فالمناسب عدم جواز الوقوف على الجبل إلّا في حالة ضيق الموقف بالناس لا أنه يكره الوقوف عليه في حالة الاختيار والفروض أنا في المقام نقول إن الوقوف على لجبل مكروه في حالة الاختيار وهذه الرواية تدل على أنه لا يجوز في حالة الاختيار وسعة الموقف وإنما يجوز في حالة الضرورة بينما الحكم الذي نريده هو أنه يكره الوقوف في حالة الاختيار ، هذا إذا تماشينا مع السياق.
 ولكن قلنا سابقاً إنه يحتمل أن يكون المقصود شيئاً آخر وهو أن سماعة كان يتخيل أن الموقف هو الأرض فقط دون الجبل فالإمام أرشده وبيَّن له أن الجبل جزء من الموقف ويجوز الصعود إليه من دون اختصاص ذلك بحالة الضرورة ، فصحيح أن سماعة سأل عن حالة الضرورة والضيق ولكن الإمام عليه السلام حينما ذكر أنهم يرتفعون إلى الجبل يريد أن يرشده إلى أن الجبل جزء من الموقف . إذن لا توجد حيرة في المقام بعد كون الجبل يجوز الوقوف عليه.
 وعلى أي حال لو أردنا أن نأخذ بالسياق فالمناسب دلالتها على عدم الجواز إلّا في حالة الضرورة ولا تدل على الكراهة في حالة الاختيار ، فهذه الرواية لا يمكن الركون إليها.
 الوجه الثاني:- ما ذكره صاحب المدارك [2] والحدائق [3] والجواهر [4] وهو التمسك بموثقة اسحاق بن عمار المتقدمة حيث قال:- ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض ؟ فقال عليه السلام:- على الأرض ) ، هكذا ذكر هؤلاء الأعلام بدعوى - وهذا البيان مني - أن كلمة ( أحَبُّ ) تدل على أن الوقوف على الجبل ليس محبباً بالقياس إلى الأرض وذلك عبارة أخرى عن الكراهة.
 والظريف أن الشيخ النراقي(قده) لم يذكر رواية بخصوصها وإنما قال:- ( يكره الوقوف على الجبل للأخبار ) [5] ولم يذكر خبراً ولعل مقصوده هذه الرواية إضافة إلى تلك الرواية السابقة التي أشرنا إليها.
 والإشكال على الاستدلال بالرواية المذكورة واضح:- فإن التعبير بكلمة ( الأرض أحَبُّ ) لا يلازم كراهة الوقوف على الجبل بل إن ( أحَبُّ ) يلتئم مع الأفضل - أي الأفضل أن يكون الوقوف على الأرض - فإنه من الوجيه أن يكون المقصود هو هذا فتعود الرواية آنذاك مجملة ، وعلى هذا الأساس لا تكون الرواية دالة على الكراهة.
 نعم يكن أن ينتصر لهم:- بأن الكراهة في باب العبادات - كما قرأنا في علم الأصول - هي بمعنى قلة الثواب لا بمعنى المبغوضية ولو بالمستوى الخفيف لأن لازم المبغوضية ولو بدرجة مخففة هو البطلان ، يعني الصلاة أن في الحمام مثلاً يلزم أن تكون باطلة لأنها مبغوضة ولو بدرجة مخفّفة فإن المبغوض ولو بدرجة مخفّفة لا يمكن التقرب به فيلزم أن يقع باطلاً والحال أنه لا أحد يقول بالبطلان بل الكل يقول بالصحة فكل كراهة في باب العبادات يحمل على قلة الثواب وذلك حتى في أنه يكره إإتمام المقصِّر بالمتم وبالعكس.
 إذن مادامت الكراهة في باب العبادات تعني قلة الثواب فحينئذ الحكم بكراهة الوقوف على الجبل يكون وجيهاً لأنه أقل ثواباً ومحبوبية وفضلاً من الوقوف على الأرض ، وإذا صار الوقوف على الجبل أقل فضلاً فنحكم بالكراهة لأن معنى الكراهة هنا هو قلة الثواب . إذن ما أفاده الأصحاب يكون شيئاً وجيهاً بعد الالتفات إلى هذه النكتة التي أشرنا إليها
 وهو شيء له وجاهة ولكن المناسب أن لا يُعبَّر بالكراهة وإنما يُعبَّر ويقال:- ( الأفضل هو الوقوف على الأرض والوقوف على الجبل أقل فضلاً ) ولا نعبِّر بالكراهة وإلا فسوف يأتينا في النقطة الثالثة أن الوقوف على السفح من الجانب الأيسر مستحب - أي كثر فضلاً - فيلزم أن يكون الوقوف على الأرض مكروهاً لأنه أقل فضلاً.
 إذن على هذا الأساس ليس كل أقل فضلاً يُعبَّر عنه بالكراهة وإلا فالوقوف على الأرض يحكم عليه بالكراهة والحال أنه لا أحد يحكم بذلك.
 وإذا قلت:- كيف عبَّر الفقهاء بالكراهة في مسألة الصلاة في الحمام ولم يشكل عليهم هناك ؟
 قلت:- هناك افتراض وجود نهي - يعني ( لا تصل في الحمام ) - ووجود هذا النهي صحح أن نعبِّر بالكراهة فيقال إن هذا النهي نهي ارشادي - أي يرشد إلى أفضل الأفراد - وهذا بخلافه في مقامنا فانه لا يوجد نهي حتى نعبِّر بالكراهة
 ومن خلال كل هذا اتضح أن المناسب حذف كلمة ( الكراهة ) وابدالها بكلمة ( الأفضل ) فيقال ( الأفضل الوقوف على الأرض ) ومستند ذلك هذه الرواية حيث قالت إن الوقوف على الأرض أحبُّ إليَّ ، وإذا أراد الفقيه أن يضيف ويقول ( بل هو الأحوط استحباباً ) ووجه الأحوطية الاستحبابية هو التحفظ من مخالفة ابن البراج وابن ادريس مضافاً إلى رواية سماعة المتقدمة التي استدل بها السيد الحكيم(قده) فانها دلت أنه يرتفع إلى الجبل عند الضيق فلاحتمال أن الجبل يختص جواز الوقوف عليه بحالة الضرورة يصار إلى الاحتياط الاستحبابي ، وهذه قضية ليست مهمة وإنما هي نكتة فنية أحببت أن تطلعوا عليها والمهم هو أن المناسب التعبير بالأفضل بدل التعبير بكلمة ( يكره ).
 هذا كله بالنسبة إلى الوقوف على الجبل وقد اتضح أن الأفضل هو الوقوف على الأرض لا أن الوقوف على الجبل مكروه.
 وأما ما ذكره المحقق في الشرائع:- " من أن الكراهة تختص بأعلى الجبل يعني بالمفهوم هي لا تشمل جميع الجبل " فلا نعرف له وجهاً إذ لا توجد رواية قد أخذت هذا القيد ، بل ولعل كلام كثير - كما قلنا سابقا - لا يوجد فيه هذا القيد.
 وإذا قلت:- سوف يأتي في النقطة الثالثة أنه يستحب الوقف على السفح فبهذا الاعتبار قيّد الكراهة بما إذا كانت فوق الجبل.
 قلت:- هذا وجيه إذا لم يقيّد الاستحباب بالجانب الأيسر من الجبل ، أما بعدما قيّد بذلك فلا يعود لهذا الكلام والتوجيه وجه.


[1] دليل الناسك 323.
[2] المدارك 7 415.
[3] الحدائق 16 399.
[4] الجواهر 19 59.
[5] المستند 12 212.