الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/02/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 364 ) / إحرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة ( 364 ):- الأحوط أن لا يطوف المتمتع بعد إحرام الحج قبل الخروج إلى عرفات طوافاً مندوباً فلو طاف جدّد التلبية بعد الطواف على الأحوط.
 تتضمن المسألة المذكورة نقطتين:-
 النقطة الأولى:- إن من أحرم للحج هل يجوز له أن يطوف طوافاً مستحباً قبل أن يذهب إلى عرفات حيث يرى البيت فارغاً ؟ ذكر(قده) أن الأحوط عدم ذلك.
 النقطة الثانية:- لو فرض أنه أتى بالطواف المستحب رغم أن الأحوط هو العدم فهنا الأحوط له أن يجدد التلبية - أي يأتي بها ثانية غير تلك التلبية التي عقد بها الإحرام - إذن يوجد لدينا احتياطان في هذه المسألة.
 أما بالنسبة إلى النقطة الأولى:- فيوجد قولان في المسألة ولعل أشهرهما هو عدم جواز الاتيان بالطواف المستحب بعد الإحرام للحج وقبل الذهاب إلى عرفات ، وهناك قول آخر يقول بالجواز على كراهة ، وواضح أن منشأ هذا الخلاف هو اختلاف الروايات فتوجد روايتان صحيحتان يمكن أن يستفاد منهما عدم الجواز ولكن في المقابل توجد رواية أو روايتان تدلان على الجواز ، والمناسب كما نعرف في مثل ذلك هو حمل الروايات الأولى - الدالة على عدم الجواز - على الكراهة كما هي القاعدة العامة في أنه كلما اجتمع ظاهر وصريح ونصّ - أوِّل الظاهر بقرينة الأظهر أو الصريح وموردنا من هذا القبيل.
 وعلى أي حال يوجد رأيان في هذه المسألة وقد أشار إلى ذلك صاحب المدارك(قده) حيث قال ( وفي جواز الطواف المندوب للمتمتع قبل الخروج إلى منى قولان أشهرهما المنع لما رواه الشيخ في الحَسَن عن الحلبي ) ثم قال:- ( ويمكن حمل النهي على الكراهة ) [1] أي بقرينة الرواية المجوزة أو إن نفس النهي هو في حدِّ ذاته بقطع النظر عن الرواية المجوِّزة قد يحمل على الكراهة كما سيتضح ذلك ، وقريب من ذلك ما ذكره في الجواهر [2] .
 وأما الروايتان الدالتان على عدم الجواز فهما:-
 الرواية الأولى:- صحيحة الحلبي ( سألته عن رجل أتى المسجد الحرام وقد أزمع بالحج أيطوف بالبيت ؟ قال:- نعم ما لم يحرم ) [3] .
 وهي من حيث السند مضمرة حيث أن الحلبي قال ( سألته ) وعلى هذا الأساس تُحلُّ المشكلة من هذه الناحية إما بالبيان الخاص الذي ذكره أكثر من واحدٍ وهو أن الحلبي من أجلة الأصحاب فإن النجاشي قال:- ( إن الحلبيّون بيت معروف بالكوفة كلهم ثقاة ) فإذا قبلنا بهذا وإلا فنصير إلى البيان العام الذي أشرنا إليه ولا نكرر.
 وأما من حيث الدلالة فهي قالت:- ( نعم ما لم يحرم ) وظاهر ذلك أنه إذا أحرم فلا يجوز له أن يطوف بالبيت . هكذا قد يقال فتكون بناءً على هذا ظاهرة في التحريم.
 ولكن يمكن أن يقال:- إن الحلبي قال للإمام ( أيطوف ؟ ) وهذه عبارة سؤال مجمل ، ونحن نعرف الجواب من خلال السؤال فإن كان السؤال عن الجواز فيكون الجواب هكذا ( نعم ما لم يحرم) أي أنه جائز أما إذا أحرم فلا يجوز فتكون دالة على التحريم إذا أحرم ، أما إذا كان السؤال عن الجواز من دون كراهة وحزازة فحينئذ يكون جواب الإمام بـ( نعم ما لم يحرم ) لا يدل على عدم الجواز إذا أحرم بل أقصى ما يدل عليه هو أنه لا توجد كراهة إذا لم يحرم وأما إذا أحرم فتوجد كراهة ، فالرواية لا يستفاد منها التحريم ولذلك قلت إن دلالة الروايتين على الحرمة في حدِّ نفسهما قد يقال هي ضعيفة ، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.
 الرواية الثانية:- صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام ( ... فإن رجع إلى مكة رجع محرماً ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى على إحرامه ) [4] وموردها هو من أنهى عمرة التمتع وفرغ منها وطرأت له حاجة للخروج عن مكة فهل يجوز له ذلك ؟ قال عليه السلام:- فليحرم للحج ويذهب لقضاء حاجته ثم يرجع إلى نفس مكة لا أن يذهب إلى عرفات بشكل مباشر وإذا رجع إلى مكة فلا يقرب البيت وعدم قرب البيت كناية عن الطواف يعني لا يطف فلاحظ الرواية من جديد ( فإذا رجع إلى مكة رجع محرماً ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى على إحرامه ).
 وقد يقال:- إن دلالتها واضحة حيث قال عليه السلام ( ولا يقرب البيت ... ) فيستفاد منها التحريم
 هذا ولكن قد يقال:- إنه يوجد فرق بين ( لا تقرب ) أو ( لا يقرب ) وبين ( لم يقرب ) فإن الأول ظاهر في التحريم لأنه نهي أما جملة ( لم يقرب ) ف يشكك في ظهورها في التحريم.
 وعلى أي حال إذا شككنا في أصل ظهور الروايتين في التحريم فحينئذ لا نفتي بالتحريم ولتثبت الكراهة للقصور في مقتضي التحريم إذ الروايتان لا تدلان عليه ، وأما إذا قبلنا بأن ( لا يقرب ) - أي الجملة الخبرية - تدل على اللزوم فكذلك جملة ( لم يقرب ) تدل عليه أيضاً ، ثم إنه لا يخفى أن مورد هذه الرواية وأن كان هو النهي عن القرب في حق من خرج إلا أنه لابد من ضم إلغاء الخصوصية من هذه الناحية حتى نستفيد منها في إثبات المدَّعى - أي أنه لا يجوز الطواف لكل من أحرم للحج وإذا قلنا هكذا فلابد من ملاحظة الروايات الدالّة على الجواز وهي:-
 الرواية الأولى:- موثقة اسحاق بن عمار:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام ........وسألته عن الرجل يحرم بالحج من مكة ثم يرى البيت خالياً فيطوف به قبل أن يخرج عليه شيء ؟ فقال:- لا ...... ) [5] وهي قد دلت على جواز ذلك.
 وقد تناقش بمناقشتين:-
 المناقشة الأولى:- إن قوله عليه السلام ( لا ) لأي فقرة يرجع ؟ فإن رجع إلى الفقرة الأخيرة - أي ( عليه شيء ؟ قال:- لا ) فحينئذ يستفاد منها أنه جائز ، ولكن يحتمل أنها ترجع إلى الفقرة الأسبق على ذلك - يعني ( ثم يرى البيت خالياً فيطوف به قبل أن يخرج ؟ ) - والامام قال ( لا ) - أي لا يطوف وبناءً على هذا تكون دالة على التحريم ، أو على الأقل قُل حيث أنه يوجد كِلا الاحتمالين فتصير مجملة ومعه تبقى الروايتان السابقتان بلا موجب على حملهما على الكراهة إذ أن هذا المعارض مجمل حسبما اتضح.
 قلت:- إن إرجاع كلمة ( لا ) إلى الفقرة الأولى مخالف للظاهر فإنا نفهم رجوعها إلى المتأخر - أي على جملة ( عليه شيء ) - ومن هنا قيل إن الأرجح هو أنه كلما دار رجوع الضمير أو ما بحكمه إلى القريب أو البعيد فالأرجح هو الرجوع إلى القريب فمن أجل هذا الظهور - يعني أن الظاهر عرفاً هو ذلك - يكون لا اشكال من هذه الناحية ، بل لعل الاحتمال الأول لا يخطر إلى الذهن.
  المناقشة الثانية:- إن قوله ( لا ) وإن رجع إلى الفقرة الأخيرة ولكن غاية ما يستفاد منه أنه لا كفارة عليه أما أنه يجوز ذلك له فلا يستفاد من الجواز المذكور وهذا شيء وجيه.
  اللهم إلا أن يقول قائل:- صحيح هي تدل على نفي الكفارة ولكن في نفس الوقت يتضمن ذلك الجواب في احشاءه أن هذا جائز له بلا كفارة . إذن دلالة هذه الرواية على الجواز قابلة للمناقشة.
 الرواية الثانية:- هي رواية عبد الحميد بن سعيد والتي رواها الشيخ الطوسي بسنده عن سعد عن أحمد بن محمد عن بن بزيع عن صفوان عن عبد الحميد بن سعيد عن أبي الحسن الأول عليه السلام :- ( سألته عن رجل أحرم يوم التروية من عند المقام بالحج ثم طاف بالبيت بعد إحرامه وهو لا يرى أن ذلك لا ينبغي أينقض طوافه بالبيت إحرامه ؟ فقال:- لا ولكن يمضي على إحرامه ) [6] فإنها دلت على عدم الجواز باعتبار أنها قالت ( طاف بالبيت بعد احرامه وهو لا يرى أن ذلك لا ينبغي ) يعني أنه لم يعرف لجهلٍ وغفلةٍ أن هذا لا يطوف بعد الإحرام وقبل عرفات والإمام عليه السلام إمضاء على فهمه وارتكازه وقال يمضي على إحرامه ولا مشكلة.
 ولكن في المقابل قد يقال:- إن ( لا ينبغي ) أعم من إرادة التحريم والكراهة وهو لا يرى والإمام عليه السلام أمضى هذا الارتكاز وعلى هذا الأساس لا يثبت من هذه الرواية التحريم بل غاية ما يستفاد هو الكراهة أو على الأقل نقول إنها تدل على الجامع الأعم من الكراهة والتحريم ، فهي من حيث الدلالة قد يصعب استفادة الكراهة منها وربما تلتئم مع التحريم أو هي مجملة.
 وأما من حيث السند:- فالراوي هو عبد الحميد بن سعيد وهو مجهول إلّا أن يتساهل فيه من ناحية رواية صفوان عنه في نفس هذا السند.
 والنتيجة النهائية من كل هذا:- إن الروايتين الأوليين لا يبعد دلالة الثانية منهما على التحريم ، والروايتان الأخيرتان قاصرتان عن إفادة الجواز حتى نحمل تينك الروايتين على الكراهة ومن هنا يكون المصير إلى الاحتياط هو الأوجه دون التحريم لأن دلالة الرايتين الأوليين ليست واضحة بشكل جيد.
 وأما بالنسبة إلى النقطة الثانية -أي تجديد التلبية :- فلا يوجد مدرك له في خصوص المقام - أي لا توجد رواية بذلك - نعم رود ذلك في المفرد والقارن كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة ؟ قال:- نعم ما شاء ويجدد التلبية بعد الركعتين والقارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلّا من الطواف بالتلبية ) [7] ، ولعله توجد روايات أخرى بهذا المضمون أو قريبة منه ، وهي قالت ( ويجدد التلبية بعد الركعتين يعقدان ما أحلّا من الطواف بالتلبية ) وهذا يفهم منه أن الطواف هو محلّل وحينئذ يحتاج إلى التلبية كي تكون عاقدة ومبقية للإحرام ، وموردها وإن كان هو المفرد والقارن ولكن لأجل هذا التعليل يمكن أن يتعدى إلى المقام . نعم موردها هو من أراد أن يطوف طوافاً استحبابياً بعد طواف الفريضة ولعل هذا الطواف بعد الطواف له هذا التأثير في الإحلال أما لو كان الطواف الاستحبابي ليس مسبوقاً بطواف الفريضة كما هو في محل كلامنا فإنه ليس مسبوقا بذلك وإنما يأتي بالطواف المستحب بعد الإحرام فالتعليل قد لا يكون سارياً فيه ، ومن هنا يكون الحكم بنحو الفتوى شيئاً مشكلاً لاحتمال خصوصيةٍ للطواف بعد الطواف فالمصير إلى الاحتياط كما صنع السيد الماتن(قده) شيء وجيه.


[1] المدارك 7 198.
[2] الجواهر 18 58 ، 59.
[3] الوسائل 13 447 83 من أبواب الطواف ح4.
[4] الوسائل 11 302 22 من أبواب اقسام الحج ح6.
[5] الوسائل 11 281 13 من أبواب اقسام الحج ح7.
[6] الوسائل 13 447 83 من أبواب الطواف ح6.
[7] الوسائل 11 286 16 من أبواب اقسام الحج ح2.