الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة مسألة ( 360 ) ، مسألة ( 361 ) / إحرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الوجه الأول:- التمسك بفكرة الاطلاق المقامي بأن يقال:- إنه عليه السلام حينما يأمر بالإحرام للحج ويسكت عن بيان كيفيته وماذا يلزم فيه من شرائط وغير ذلك فهذا الأمر مع السكوت عن ذلك يفهم منه عرفاً أن كل ما يجري في إحرام العمرة ويقال فيه يجري في إحرام الحج ، وهذا ما يمكن أن نصطلح عليه بـ( الإطلاق المقامي ) ، ونظير ذلك ما يقال في باب الغسل فإن الروايات بينت طريقة غسل الجنابة ولم تبين طريقة الأغسال الأخرى كغسل الحيض والنفاس والجمعة وغيرها إن نفس هذا السكوت يدل على الوحدة لفكرة الإطلاق المقامي ، وهي طريقة ظريفة عقلائية عرفيّة يمكن الاستعانة بها في هذه المجالات.
 الوجه الثاني:- إن المسألة عامة البلوى فإن كل من يذهب إلى الحج يحتاج إلى الإحرام فلو كانت هناك طريقة أخرى للإحرام معتبرة فيه أي في إحرام الحج على خلاف ما يعتبر في عمرة التمتع لاشتهر ذلك وشاع فإن ذلك لازم افتراض كون المسألة ابتلائية والحال أنه لم يتفوّه فقيه بكيفيةٍ أخرى لإحرام الحج تغاير الكيفية المعتبرة في إحرام عمرة التمتع ، هكذا ينبغي أن يستدل على الاتحاد بين الاحرامين.
 وأما ما تمسك به السيد الخوئي(قده) من صحيحة معاوية بن عمار حيث ذكر أنه يدل على الاتحاد صحيحة معاوية حيث جاء فيها:- ( ...... ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة وأحرم بالحج .... فلبِّ ) [1] إنه(قده) ذكر هذا المقدار ولم يذكر تقريباً للدلالة فلو أردنا عدم الاستعانة بفكرة الإطلاق المقامي أمكن المناقشة في دلالة هذه الرواية إذ أقصى ما قالت هو ( قل ) أي الأدعية كما قلتها في إحرام عمرة التمتع ، ثم قالت ( أحرم بالحج ولبِّ ) أما أنه ماذا يعتبر في الإحرام ؟ وما هي موانعه ؟ وما هي شرائطه ؟ فهي ساكتة عنه ، وليس من البعيد أن مقصوده(قده) هو التمسك بفكرة الإطلاق المقامي ولعله سكت عن ذلك لوضوح المطلب ، والمهم هو أن نلتفت إلى أنّا إذا ضممنا فكرة الإطلاق المقامي فالاستدلال جيد وأما إذا لم نستعن بها فالرواية بمفردها لا تدل على المطلوب وهو أمر واضح.
 
 
 مسألة ( 361 ):- للمكلف أن يحرم للحج من مكة القديمة من أي موضع شاء ويستحب له الإحرام من المسجد الحرام في مقام إبراهيم أو حِجر اسماعيل.
 ..........................................................................................................
 هكذا جاء المتن في بعض النسخ وجاء في بعض النسخ القديمة هكذا ( للمكلف أن يحرم للحج من مكة من أي موضع شاء .... ) فلا توجد في الصياغة عبارة ( مكة القديمة ) ، وفي بعض النسخ الأخرى [2] ( للمكلف أن يحرم للحج من مكة من أي موضع شاء ولكن الأحوط وجوباً أن يحرم من مكة القديمة ..... ).
 وهذه المسألة تشتمل على نقاط ثلاث:-
 النقطة الأولى:- إن إحرام حج التمتع هو من مكة ، وهذا الحكم لم ينقل فيه خلاف بين الأصحاب ، قال في المدارك(قد):- ( أجمع العلماء كافة على ذلك ) ثم قال:- ( تدل على ذلك عدة روايات منها صحيحة الصيرفي ) [3] وعلى هذا المنوال ما جاء في الحدائق [4] ، وهكذا في مستند الشيعة للنراقي [5] .
 إذن المسألة لم ينقل فيها خلاف بين الأصحاب ، ومن يكتفي بهذا المقدار من الدليلية كفاه ذلك ، أما من لم يرتضِ ذلك فيحتاج إلى أدلة أخرى.
 ويمكن أن يستدل على ذلك بالوجهين التاليين:-
 الوجه الأول:- إن المسألة عامة البلوى فيلزم أن يكون حكمها واضحاً ، فلو كان الإحرام واجباً من مكان آخر أو يجوز من مكان أخر غير مكة لاشتهر ذلك والحال أن الأصحاب لم ينقل عنهم خلاف في أن الإحرام للحج يكون من مكة المكرمة وهذا يوجب الاطمئنان للفقيه بأن الحكم كما ذكره الفقهاء - يعني أن الإحرام للحج يكون من مكة -.
 الوجه الثاني:- صحيحة الحلبي ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف ، قال:- يهل بالحج من مكة وما أحب أن يخـرج منهــا إلّا محرمـاً ) [6] فإن موردها هو إحرام حج التمتع لأنه قد فرض أن الشخص قد تمتع بالعمرة إلى الحج والامام عليه السلام قال ( يُهل بالحج من مكة ) وبناءً على هذا نستفيد أن إحرام حج التمتع يكون من مكة.
 نعم رب قائل يقول:- ان موردها هو من أراد الخروج من مكة لحاجةٍ فأمره الإمام بأن يحرم للحج من مكة قبل الخروج فهذا هو غاية ما تدل عليه ولا يمكن أن يستفاد من هذا أن الشخص الذي لا يريد الخروج من مكة لحاجةٍ هو أيضاً وظيفته الإحرام للحج من مكة المكرمة.
 وجوابه واضح:- وهو أنه لا يحتمل الخصوصية من هذه الناحية ولم يتفوّه بالخصوصية أحدٌ من هذه الناحية.
 هذا وقد استدل الأصحاب برواية الصيرفي ولم يسلطوا الأضواء على صحيحة الحلبي كصاحب المدارك والحدائق ومنهم السيد الخوئي في المعتمد ، وهي هكذا ( عمرو بن حريث الصيرفي:- قلت لابي عبد الله عليه السلام من أين أهل بالحج ؟ فقال:- إن شئت من رحلك وإن شئت من الكعبة وإن شئت من الطريق ) [7] ، هكذا نقلها الشيخ الكليني والشيخ الطوسي في موضع من التهذيب ، ولكن نقلها الشيخ الطوسي أيضاً في موضع آخر من التهذيب [8] مع اختلاف يسير حيث نقلها هكذا:- ( قلت لأبي عبد الله وهو بمكة .... وإن شئت من المسجد ) . إذن توجد نقطتان للخلاف في متن الرواية.
 ومورد هذه الرواية كما ترى لم يذكر أنه إحرام حج التمتع ونما قال ( من أين أهل بالحج ) ولعل الصيرفي كان من أهل مكة ويريد حج الإفراد وإحرام حج الإفراد لأهل مكة يكون من مكة المكرمة . إذن كيف نستفيد أن من يريد حج التمتع تكون وظيفته ذلك ؟
 وفي مقام التغلب على المشكلة نقول:- يمكن الاثبات بالإطلاق حيث أن الامام عليه السلام أطلق - أو لم يستفصل - فيثبت أن الحكم كذلك لإحرام حج التمتع من باب ترك الاستفصال.
 ويمكن التمسك بوجه آخر وهو أن يقال:- إن الحج الابتلائي للناس عادةً في كل زمن هو حج التمتع لا حج الإفراد فيصير حج التمتع هو الفرد المتيقن إرادته من هذه الرواية ، وهذه طريقة أخرى غير طريقة التمسك بالإطلاق بل هي تمسك بالقدر المتيقن من الإطلاق ، ولكن هذا يتم بناءً على كون القضية والسؤال بنحو القضية الحقيقية وأما إذا كان السؤال بنحو القضية الخارجية - أي أن الصيرفي يسأل عن الحكم لنفسه ويقول للإمام أنا من أين أهل بالحج والامام عرفه أنه من أهل مكة فحينئذ أجابه بالحكم الخاص به - وبناءً على هذا الاحتمال لعله يؤثر حتى على التمسك بالإطلاق فالإطلاق أيضاً لا يجوز التمسك به لأن القضية خارجية ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
 هذه ناحية يمكن أن يستشكل من جهتها.
 وهناك ناحية ثانية:- وهي أن الامام عليه لسلام قال ( من رحلك - أي من شقة السكن - أو من المسجد أو من الطريق ) وقد يقول قائل:- إن غاية ما يثبت هو الجواز من هذه الثلاثة أما الإحرام من دكانٍ مثلاً في سوق الليل فهذا لا يصدق أنه رحل أو مسجد أو طريق فعلى هذا الأساس لا يمكن أن نستفيد التعميم فنحتاج إلى ضمّ الجزم بعدم الخصوصية ، ولرب قائل يقول من أين لك هذا ؟ فكان الأجدر تسليط الأضواء على صحيحة الحلبي دون صحيحة الصيرفي ويذكرون صحيحة الصيرفي ثانية لا أنهم يسلطون الأضواء على صحيحة الصيرفي ويتركون صحيحة الحلبي.


[1] الوسائل 13 519 1 من أبواب الاحرام والوقوف بعرفة ح1.
[2] وهي نسخة المعتمد المطبوع في زمن حياته(قده) .
[3] المدارك 7 169.
[4] الحدائق 16 360.
[5] مستند الشيعة 11 247.
[6] الوسائل 11 303 22 من أبواب اقسام الحج ح7.
[7] الوسائل 11 339 21 من المواقيت ح2.
[8] التهذيب 5 477.