الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/02/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 358 ) / إحرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 موارد الاشكال في العمرة المفردة:- إن موارد الاشكال في الإتيان بالعمرة المفردة إما بنحو الجزم أو بنحو الاحتمال هي كما يلي:-
 المورد الأول:- الإتيان بها أثناء الحج أو أثناء عمرة التمتع ، وهنا اتفقت الكلمة على عدم الجواز وذكرنا أن الوجه الصحيح في ذلك هو أن أدلة الإحرام ومشروعيته منصرفة إلى من لم يكن محرماً فلا تعم من كان متلبساً بَعدُ بالإحرام.
 المورد الثاني:- الإتيان بها في الفترة المتخللة بين عمرة التمتع والحج ، وذكرنا أن هذا المورد لم يتعرض إليه المتقدمون بيد أن الشيخ النائيني(قده) ذهب إلى الجواز بشرطين بينما السيد الخوئي(قده) ذهب إلى عدم الجواز ونحن انتهينا إلى الجواز.
 المورد الثالث:- الإتيان بها بعد الفراغ من الحج وقبل الإتيان بطواف النساء ، وقد ذكر الشيخ النائيني(قده) في ذيل المسألة الثانية من فصل المواقيت [1] أنه يجوز ذلك ووافقه على ذلك تلميذه السيد الخوئي(قده) في متن مناسكه ، ووجه الجواز هو أن طواف النساء خارجٌ عن الحج وأجزائه فهو ليس جزءاً من الحج وإنما هو مجرد محلّل كما قد يقال ذلك في سلام الصلاة - يعني ( السلام عليكم ورحمة الله ) - فهل هو جزء أو أنه ليس بجزء وإنما هو مخرج من الصلاة لا أكثر من دون أن يكون جزءاً منها ؟ فإنه في طواف النساء يمكن أن يدّعى ذلك وهو أنه مجرد محلّل للنساء لا أكثر ، ومعه فيجوز الإتيان بالعمرة المفردة قبل طواف النساء إذ الفرض أن المكلف قد انتهى من الحج.
 أما كيف نثبت أن طواف النساء خارج عن الحج ؟ ذلك لصحيحة الحلبي حيث جاء في ذيلها عند سرد واجبات الحج ما نصّه:- ( وطواف بالبيت بعد الحج ) [2] فان قوله ( وطواف بالبيت ) إشارة إلى طواف النساء حيث أشارت الرواية إلى طواف الحج والسعي وفي النهاية ذكرت ذلك وهذا جزماً إشارة إلى طواف النساء ولا كلام فيه والشاهد هو في قوله ( بعد الحج ) فإن هذا التعبير يستفاد منه أن الحج قد انتهى قبل الشروع في طواف النساء ، وعليه فلا مشكلة في الإتيان بالعمرة المفردة قبل الإتيان بطواف النساء ، هذا ما يمكن به توجيه هذا الرأي.
 ولكن يمكن أن يورد على ذلك:- بأن هذه المنهجيّة محلّ تأمل - يعني أن طواف النساء ما دام هو خارجاً عن الحج فيجوز الإتيان بالعمرة قبله - فإن الدليل لم يدل على أن العمرة المفردة لا يجوز الإتيان بها أثناء الحج - أي بعنوان ( أثناء الحج ) - حتى نبقى ندور مدار هذا العنوان وبالتالي نقول إن المكلف قبل طواف النساء هو فارغ من الحج وقد انتهى منه ، كلا بل لابد وأن ننظر إلى الدليل الذي منعنا من الإتيان من الإتيان بالعمرة المفردة في الموردين السابقين والدليل الذي تمسكنا به هو انصراف دليل مشروعية الإحرام عن حالة كون المكلف محرماً ، وحينئذ نقول في مقامنا:- صحيح أن المكلف قد أحل من الإحرام بواسطة التقصير أو الحلق ولكنّه بَعدُ محرمٌ وفي حكم الإحرام من ناحية النساء ، فهو إذن محرم في الجملة - أيعني ناحية النساء - وإن لم يكن محرماً في الجملة - أي من جميع الجهات - وعليه فدعوى الانصراف التي ذكرناها هناك قد يكون لها مجال هنا أيضاً . إذن ينبغي فنيّاً أن تكون عجلة البحث بهذا الشكل وهي أن من لم يأت بطواف النساء هل هو محرم ولو في الجملة ؟ وأدلة شرعية الإحرام هي منصرفة عن خصوص من كان محرماً بشكل كامل أو تعم من كان محرماً ولو في الجملة ؟ فإذا سلمنا بهاتين القضيتين فيكون المناسب هو عدم الجواز ، وحيث أن ذلك شيء وجيه - يعني أن أدلة شرعية الإحرام منصرفة عمن كان محرماً بالجملة - وعليه فليكون المناسب هو الاحتياط الوجوبي بترك العمرة المفردة قبل طواف النساء.
 المورد الرابع:- الإتيان بالعمرة المفردة أيام التشريق ، وهذا المورد قد حصل تغافل عنه في كلمات المتأخرين فلم يشيروا إليه ، ولكن توجد رواية أو روايتان قد يستفاد منهما عدم الجواز ، وذكر صاحب المدارك(قده) ما نصه:- ( وذكر جمع من الأصحاب أنه يجب تأخيرها [3] إلى انقضاء أيام التشريق لصحيحة معاوية بن عمار المتضمنة للنهي عن عمرة التحلّل في أيام التشريق فغيرها أولى ، ولا بأس بالتأخير وإن أمكن المناقشة في دليل الوجوب ) [4] ، أما الصحيحة التي يمكن التمسك بها في هذا المجال - أعني صحيحة معاوية بن عمار - فهي:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل جاء حاجاً ففاته الحج ولم يكن طاف ، قال:- يقيم مع الناس حراماً [5] أيام التشريق ولا عمرة فيها فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل وعليه الحج من قابل يُحرم من حيث أحرم ) [6] ومضمونها واضح فانه عليه السلام سئل عن شخص أحرم ووصل إلى مكة وقد ضايقه الوقت فلم يتمكن من مواصلة أعمال عمرة التمتع ومن ثم أعمال الحج وبالتالي فاته الحج فقال يبقى على الإحرام إلى أن تنتهي أيام التشريق فيأتي بعد ذلك بالعمرة ويتحلل والمقصود أنه يأتي بعمرة مفردة ويلزمه الحج في القابل - يعني إن كان قد اسقر في ذمته وكان حجه حجاً واجباً - وموضع الشاهد هو أنه عليه السلام قال:- ( ينتظر أيام التشريق ولا عمرة فيها ) فيفهم من عبارة ( ولا عمرة فيها ) أن العمرة ليست مشرّعة في أيام التشريق.
 بيد أن مورد الرواية خصوص عمرة التحلّل ، بمعنى أنه قد فرض أن المكلف باقٍ على الإحرام ولابد وأن يتحلل من خلال العمرة فإنه هنا قال عليه السلام ( لا عمرة في أيام التشريق ) يعني أن عمرة التحلل لا تقع في أيام التشريق أما غيرها - يعني العمرة التي يؤتى بها بعد الفراغ من الإحرام بشكل كامل كما هو الحال في الحجاج في زماننا - فلا دليل على مشموليتها لتعبير الإمام عليه السلام حينما قال ( ولا عمرة فيها ) ، إنه من هذه الناحية أضاف صاحب المدارك إضافة ليتغلب على المشكلة من هذه الناحية فقال:- ( إذا كانت عمرة التحلل لا تقع في أيام التشريق فغيرها أولى ) ، ووجه الأولوية هو أن عمرة التحلل قضية ضرورية يحتاج إليها المحرم لأجل أن يتحلل من إحرامه فإذا فرض أنه ممنوع من الإتيان بها في أيام التشريق فتلك العمرة الأخرى التي لا ضرورة إليها لأجل التحلل يكون عدم مشروعيتها في أيام التشريق ثابتاً بنحو الأولوية . هذا ما يمكن أن يستدل به فإن سلّمنا بهذه الأولوية وجزمنا فبها ونعمت وبذلك نفتي بعدم المشروعية كما هو المنسوب إلى جمع من الأصحاب ، أما إذا شكّكنا في الجزم بالأولوية وقلنا بأنها أولوية ظنيّة لا جزمية أو قلنا إن تعبير الإمام عليه السلام بقوله ( ولا عمرة فيها ) شيء مجمل فيحتمل أن يكون المقصود منه هو الإشارة إلى عدم المشروعية رأساً والذي هو ما نستفيد منه في المقام ولكن يحتمل أن يكون إشارة إلى أن الإتيان بالعمرة في هذه الفترة شيء مرجوح من قبيل ( لا تصل في الحمام ) أو ( لا صلاة لجار المسجد ) إن التعبير المذكور يحتمل كلا المعنيين ، فيحتمل أن يراد منه نفي الشرعية بشكل كامل ويحتمل أن يكون المقصود الإشارة إلى الجامع الذي يعمّ حالة الكراهة وحيث لا ظهور له في الأول فيشكل الفتوى بعدم المشروعية من هاتين الناحيتين.
 وهناك رواية ثانية لم يشر إليها صاحب المدارك(قده) وهي رواية داود بن كثير الرِّقي التي رواها الشيخ الطوسي(قده) بسنده إلى الحسن بن محبوب - والسند صحيح - قال:- ( كنت مع أبي عبد الله عليه السلام بمنى إذ دخل عليه رجل فقال قد قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج ، فقال:- نسأل الله العافية ، قال:- أرى عليهم أن يهرق كل واحد منهم دم شاة ويحلون [7] وعليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم [8] وإن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل ) [9] والشاهد هو أنه عليه السلام قال:- ( وإن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق ثم خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكة ) وهذا التعبير يدل على أن الإتيان بالعمرة أيام التشريق أمر غير جائز وإلا لماذا ألزم عليه السلام الانتظار إلى انتهاء أيام التشريق ؟! هكذا قد يتمسك بهذه الرواية.
 ولكن قد يقال:- إنها مضطربة من حيث المتن فإنها قالت إن أتوا بعد ذلك بالعمرة المفردة - أي أقاموا وأتوا بها - فلا حج عليهم من قابل وإن لم يأتوا فعليهم الحج من قابل وهذا لاشي لا يمكن قبوله.
 ولكن قد يدافع ويقال:- يمكن حمل الرواية على كونها ناظرة إلى الحج الاستحبابي فإذا كان حج المكلف في هذه السنة بنحو الاستحباب فيأتي هذا التفصيل في حقه - يعني أنه إذا أتى بعمرة مفردة فلا يوجد في حقه استحباب مؤكد للإتيان بالحج في العام القادم واذا لم يبق في مكة فيستحب له بنحو مؤكد الإتيان بالحج في العام القابل - إذن نحمل الرواية على الحج الاستحبابي ونحمل أيضاً الإتيان بالحج في السنة الثانية على الاستحباب المؤكد إذا فرض أنه لم يبقَ في مكة ويأتي بالعمرة المفردة وإلا فالاستحباب المؤكد ليس بثابت وإنما الثابت هو الاستحباب العام الثابت في حق كل أحد . إذن الاضطراب من هذه الناحية يمكن التغلب عليه.
 ولكن المشكلة الأهم هي أن تعبير الامام عليه السلام لا يمكن أن يفهم منه اللزوم حيث قال ( وإن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا ... ) يعني بمعنى أنه لا تشرع العمرة المفردة في أيام التشريق ولعل ذلك من باب الرجحان لا من باب اللزوم ، مضافاً إلى أن سند الرواية قد يشكك فيه من ناحية داود الرقي فإنه قد تعارض فيه توثيق الشيخ الطوسي بجرح النجاشي .
 وعلى أي حال الفتوى بعدم جواز العمرة المفردة في أيام التشريق أمر مشكل والمناسب المصير إلى الاحتياط الوجوبي.


[1] دليل الناسك 142.
[2] الوسائل 11- 218 2 من أبواب اقسام الحج ح6.
[3] اي العمرة المفردة .
[4] المدارك 8 468.
[5] اي محرماً.
[6] الوسائل 14 50 27 من أبواب الوقوف بالمشعر ح5.
[7] يعني بالحلق.
[8] لابد وان نقول ان المقصود من ان عليهم الحج إن كان قد اسقر عليهم.
[9] المصدر السابق ح5.