الاستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

32/07/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 وعلى أي حال مستند الحكم المذكور رواية واحدة هي ضعيفة سنداً ودلالةً وهي ما رواه الشيخ الطوسي عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان ( إن مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شيء :- محرم قلع ضرسه ، فكتب :- يهريق دماً )[1] .

أما وجه ضعفها سنداً:- فلما أشار إليه من ليس دأبه الطعن في الروايات - أعني به صاحب الحدائق - فانه ذكرما نصه ( وفيه مع إرساله إن المكتوب إليه غير معلوم والاستناد إلى ما هذا شأنه واثبات حكم شرعي به مشكل )[2] ، ويشير (قده) إلى ضعف السند من ناحيتين ، أحداهما أن الراوي رجلٌ من أهل خراسان وهو مجهول ، وثانيهما إن المكتوب إليه لا يُجزم بأنه الإمام عليه السلام ولعله من أحد أصحابه .

إن قلت:- انه يوجد في الوسائل كلمة ( عليه السلام ).

قلت:- لا نجزم بثبوتها في أصل الرواية ، ولعلها حدثت بعد ذلك من المحقق أو من غيره.

 وعلى أي حال فان صاحب الحدائق طعن بها من حيث السند ، وهذا شيء غريب منه بعد الالتفات إلى كونه إخباري المشرب رغم انه إخباري ليّن وليس مفرطاً .

 ومن الغريب أيضاً في الجهة المعاكسة رد صاحب الجواهر عليه بما نصه ( وكذا هنا عملاً بالمضمر الذي تشهد القرائن أنه عن الإمام عليه السلام خصوصاً بعد عمل من عرفت به بل قيل أنه المشهور)[3] انه يدعي الاطمئنان من خلال القرائن بأن المكتوب إليه هو الإمام عليه السلام ، ولكن يبقى الإشكال من حيث الراوي لهذه المكاتبة فلابد وان يدَّعي اطمئناناً ثانياً بأن الكاتب لم يزوِّر هذه المكاتبة وأنها حق . وعلى أي حال الأمر فيها من حيث السند مشكل.

 وأما ( العدة من أصحابنا ) فقد يمكن التغلب على هذه المشكلة بما أشرنا إليه أكثر من مرة من أن العدة عبارة عن ثلاثة فما فوق ، واجتماع العدد المذكور على الكذب يمكن أن يدَّعى الاطمئنان بعدمه ، إن هذا شيءٌ وجيهٌ ، فالمشكلة المهمة هي من الناحيتين السابقتين كما أوضحنا.

وأما من ناحية الدلالة:- فباعتبار انه عليه السلام سُئل عن ( المحرم قلع ضرسه ) وهو عليه السلام أجاب بأنه ( يهريق دماً ) وواضح أن الغالب في قلع الضرس استلزامه لنزول الدم ، فلا يمكن أن نستفيد من هذه الرواية أن قلع الضرس وان لم يستلزم ذلك هو محرم أيضاً وموجب للكفارة ، فانه من الوجيه أن يكون جواب الإمام ناظراً إلى الحالة الغالبة وهي حالة نزول الدم ولا يستهجن منه عدم التقييد ، إذ بإمكانه أن يجيب ويقول أن هذه هي الحالة الغالبة فلا أحتاج إلى التقييد.

 إذن لا يمكن أن نستفيد من إطلاق جواب الإمام عليه السلام والسؤال التعميم لحالة عدم نزول الدم ، وبالتالي لا يمكن أن نستفيد من هذه المكاتبة حرمة ثانية على المحرم في مقابل الحرمة السابقة ، أعني فعل ما يوجب نزول الدم.

ونؤكد من جديد:- أن المناسب فنياً إلحاق هذا بما سبق ، خصوصاً وانه (قده) ذكر أن في دليل الحرمة تأملاً بل لا يبعد الجواز ، انه بناءاً على هذا يكون إلحاق هذا بسابقه هو المناسب كما هو واضح.

الحرم رقم (25 ) :- حمل السلاح.

مسالة 277 :- لا يجوز للمحرم حمل السلاح كالسيف والرمح وغيرهما مما يصدق عليه السلاح عرفاً . وذهب بعض الفقهاء إلى عموم الحكم لآلات التحفظ أيضاً كالدرع والمغفر وهذا القول أحوط.

تشتمل المسألة على نقطتين:-

الأولى:- لا يجوز للمحرم حمل السلاح.

والثانية:- الاحوط تعميم الحرمة لآلات الوقاية والحفظ كالدرع والمغفر .

أما بالنسبة إلى النقطة الأولى:- فقد ذكر صاحب الجواهر ( إن ذلك هو المشهور عند عدم الضرورة )[4] .

 وإذا رجعنا إلى الروايات وجدنا أن في المسألة ثلاث أو أربع روايات:-

الأولى:- صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ( إن المحرم إذا خاف العدو يلبس السلاح فلا كفارة عليه ) وفي نسخة ( فلبس السلاح فلا كفارة عليه )[5] ، بتقريب:- انه عليه السلام جوز للمحرم لبس السلاح متى ما خاف ، فيستفاد بالمفهوم أنه إذا لم يكن هناك خوف ولا ضرورة فلا يجوز وهو المطلوب ، فان كلامنا في حالة عدم الضرورة وإلا فعند الضرورة لا تحتمل الحرمة فان الضرورات تبيح المحضورات.

والثانية:- صحيحة عبد الله بن سنان ( سألت أبا عبد الله عليه السلام أيحمل السلاح المحرم ؟ فقال:- إذا خاف المحرم عدواً أو سرقاً فليلبس السلاح )[6] والتقريب كما سبق.

وقد تسأل:- انه كيف عبر عن هذه بالصحيحة والحال أن سندها كالتالي ( وعنه

[7] عن أبي جعفر عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن سنان )

وسند الشيخ إلى سعد صحيح في المشيخة والفهرست ، ونفس سعد - صاحب كتاب الرحمة - من أجلَّة أصحابنا ، وإنما الكلام في أبي جعفر الذي ورد هنا وورد في سند الرواية السابقة أيضاً ، فمن هو ؟ لا يحتمل أنه الإمام عليه السلام ، فلابد أن يكون شخصاً آخر وحيث انه مجهول فالرواية ساقطة عن الاعتبار ، هكذا قد يقال.

والجواب واضح:- فان أبا جعفر في هذه الطبقة - أعني طبقة سعد بن عبد الله - يقصد منه أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، فان سعداً يروي عن أحمد المذكور كثيراً وكنية أحمد هي أبو جعفر ، والمقصود هنا جزماً أو اطمئنانا هو أحمد ولا مجال للتوقف من هذه الناحية ، ولأجل هذا كتب صاحب الوسائل في سند الرواية الأولى عند ذكر أبي جعفر ( يعني أحمد بن محمد بن عيسى ) .

الثالثة:- ما رواه الصدوق بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ( المحرم إذا خاف لبس السلاح )[8] .

 وحيث أن من الوجيه كون هذه الرواية عين السابقة لذا رددنا بين كون الروايات ثلاثاً أو أربعاً.

والرابعة:- رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ( لا بأس بأن يحرم الرجل وعليه سلاحه إذا خاف العدو )[9] والدلالة كما سبق ، وإنما عبرنا عنها بالرواية لأن في سندها سهلاً وقد لا يتساهل فيه ، فعلى هذا المبنى تكون رواية.

 هذا من حيث الروايات .

وهل في دلالتها على الحرمة عند عدم الضرورة توقف ؟

نعم يظهر ذلك من صاحب المدارك[10] حيث ذكر ما حاصله:- أنا أسلم بأن الرواية قالت ( المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه ) ولكن يمكن أن نقول إن التعليق على الخوف لا مفهوم له وإنما ذكر من باب القضية المسوقة لبيان تحقق الموضوع ، فان المحرم أو الإنسان بشكل عام متى يلبس السلاح فانه يلبسه عند الخوف ، فذكر الخوف من باب أنه عادة يكون لبس السلاح عنده وإلا فعند عدمه فلا يلبس ، وعليه فهذه القضية لا مفهوم لها ، يعني لا نتمكن أن نجزم بأن المقصود هو ( وان لم يخف ولبس السلاح فعليه الكفارة ) كلا لا نجزم بكونه مقصوداً ، فالرواية تحمل على الكراهة.

وفي الجواب نقول:- هذا وجيهٌ إذا نظرنا إلى لسان الرواية الأولى ، أما إذا نظرنا إلى لسان الثانية التي تقول ( سألت أبا عبد الله عليه السلام أيحمل السلاح المحرم ؟ فقال:- إذا خاف المحرم عدواً أو سرقاً فليلبس ) انه عليه السلام علّق الجواز على الخوف ، وينعقد لمثل هذه مفهوم ، وإذا كان هناك مجال للتشكيك فهو ثابت في حق الرواية الأولى ، أما الرواية الثانية فالتعليق فيها واضح .

 هذا مضافاً إلى أن تعليق السلاح لا يختص بحالة الخوف ، ففي بعض البلدان يلبسون السلاح من باب الزينة والرجولة لحد الآن كما في عُمان واليمن.

 وعلى أي حال المناسب هو الحرمة عند عدم الخوف.

وأما الثانية:- أعني وسائل الوقاية ، فلا نعرف وجهاً لحرمة لبسها في حق المحرم فان الوارد في الروايات المذكورة عنوان السلاح والدرع ليس سلاحاً فلا وجه لحرمته ، اللهم إلا أن يتوسع ويقال إن المراد من السلاح هو المعنى الأعم الشامل للسلاح الوقائي ، ولعل السيد الماتن (قده) احتاط ، ولا نرى وجهاً للاحتياط الوجوبي ، فان تعبيره قد يفهم منه انه احتياط وجوبي حيث قال ( وذهب بعض الفقهاء لعموم الحكم لآلات التحفظ وهذا القول أحوط ) انه لا نرى وجهاً لذلك إلا لما أشرنا إليه من تعميم السلاح إلى ما يُتَّقى به ، أو أن المشهور على ما ذكر صاحب الجواهر هو التعميم ، وكلاهما لا يصلحان للاحتياط الوجوبي . فالأجدر إن أردنا الاحتياط لوسائل الوقاية هو الاحتياط الاستحبابي.

[1] الوسائل 13 175 19 بقية كفارات الإحرام ح1

[2] الحدائق 15 527

[3] الجواهر 20 430 .

[4] الجواهر 18 422.

[5] الوسائل 12 504 54 تروك الإحرام ح1

[6] المصدر السابق ح2

[7] أي سعد بن عبد الله

[8] المصدر السابق ح3

[9] المصدر السبق ح4

[10] المدارك 7 -373 .