الاستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
32/06/25
بسم الله الرحمن الرحیم
وفيه:- إن حمل الرواية الثانية - أعني صحيحة حريز - على حالة الضرورة شيءٌ بعيدٌ لوجود قرينةٍ تأبى عن الحمل المذكور ، وتلك القرينة هي قوله عليه السلام ( ما لم يحلق أو يقطع الشعر ) أي لا بأس بالاحتجام بشرط أن لا يحلق ولا يقطع الشعر ، ومن المعلوم أنه إذا كانت توجد ضرورة وحملنا نفي البأس في هذه الرواية عليها فنفس الضرورة التي جوزت الحجامة سوف تجوِّز الحلق وقطع الشعر . إذن منع الإمام عليه السلام من الحلق وقطع الشعر قرينة على أن المنظور في هذه الرواية ليس هو حالة الضرورة وإنما المقصود إثبات جواز الحجامة في حالة عدم الضرورة ، ولكن قيد الإمام عليه السلام وقال انه تجوز الحجامة في حالة الاختيار شريطة أن لا يقطع الشعر .
ولو عبرت هذه الرواية كما عبرت رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام حيث جاء فيها ( سألته عن المحرم هل يصلح له أن يحتجم ؟ قال: نعم ، ولكن لا يحلق مكان المحاجم )[1] انه لو كان التعبير هكذا ( ولكن لا يحلق مكان المحاجم ) بحيث كان النهي عن الحلق نهياً مستقلاً أمكن حمل الرواية على حالة الضرورة ، فمثل رواية علي بن جعفر يمكن حملها على الضرورة ، حيث قال الإمام عليه السلام ( نعم ) أي في حالة الضرورة ، ولكن عليه أن يواظب بأن لا يحلق مكان المحاجم ، انه شيء جيد ، إذ الضرورة جوزت الحجامة ولكن هذا لا يعني أنه يجوز لك الحلق ، فعليك أن تواظب بعدم الحلق ، ولكن بالنسبة إلى روايتنا - أي صحيحة حريز - لم يعبر هكذا بل قيد نفي البأس بالحجامة بعدم الحلق ، أي إنما يجوز له أن يحجم إذا لم يحلق وأما إذا أراد أن يحلق فلا تجوز له الحجامة ، إن مثل هذا اللسان لا يمكن حمله على حالة الضرورة لما أشرنا إليه من أن الضرورة إذا كانت ثابتة فهي كما تقتضي جواز الحجامة تقتضي جواز الحلق .
وبالجملة:- المناسب بعد عدم إمكان حمل هذه الرواية على حالة الضرورة للقرينة التي أشرنا إليها يلزم الجمع بحمل الطائفة الأولى على الكراهة ، وفاقاً لمثل صاحب الشرائع وصاحب المدارك .
ونلفت النظر إلى أن رواية علي بن جعفر التي ذكرناها ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن حفيد علي بن جعفر ، فانه مجهول الحال كما أشرنا إلى ذلك أكثر من مرة .
إذن ما هي صحيحة السند - أعني صحيحة حريز - لا تقبل الحمل على الضرورة ، وما يقبل الحمل على الضرورة - وهو رواية علي بن جعفر - ضعيف السند ، فالمناسب الحمل على الكراهة وليس الحمل على الضرورة . هذا بالنسبة إلى إخراج الدم بالحجامة .
وأما بالنسبة إلى إخراج الدم بالسواك:- فهل يجوز،أعني السواك إذا علم أنه سوف يخرج الدم ؟
ومن المعلوم أنه إذا كان شاكاً وليس بعالمٍ بخروج الدم فالمناسب الجواز للاستصحاب الاستقبالي ، فالآن لم يخرج الدم جزماً وفي المستقبل نشك في خروجه فنستصحب عدم الخروج.
أما ذا جزم أنه سوف يخرج الدم فهل يجوز السواك ؟ جاء في صحيحة الحلبي أنه لا يجوز ، وهي ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يستاك ؟ قال : نعم ، ولا يدمِ )[2] إنها جوزت السواك ولكن عليه أن يواظب بعدم إخراج الدم ، ولازم ذلك أنه لو علم بخروج الدم فلا يجوز له السواك آنذاك . هكذا قد يستفاد من الصحيحة المذكورة .
وعليه لو كنا نحن وهذه الصحيحة لكان بالإمكان أن نقول مع العلم بخروج الدم لا يجوز السواك ، ولكن جاء في صحيحة معاوية بن عمار التصريح بالجواز حتى في حالة خروج الدم ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام ، المحرم يستاك ؟ قال : نعم ، قلت فان أدمى يستاك ؟ قال: نعم هو من السنة )[3] وهي واضحة في أنه يجوز له أن يستاك حتى مع علمه بخروج الدم فان السواك من السنة ، وعليه يكون المناسب هو جواز السواك للمحرم ، بل هو مستحب لحكم الإمام عليه السلام بأنه من السنة ، نعم عليه أن يواظب من خروج الدم فان إخراجه بالسواك مكروه لا محرم ، وإنما حكمنا بالكراهة لأجل النهي في صحيحة الحلبي
وأما بإخراجه بغير هذا وذاك:- أي بالحك مثلاً ، فالمناسب عدم الجواز ، لصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في مسالة الحلق وإزالة الشعر ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم كيف يحك رأسه ؟ قال: باضافيره ما لم يدمِ أو يقطع الشعر )[4] أنها دلت على جواز الحك بشرط عدم الإدماء ، وهي لا معارض لها .
وبهذا تكون النتيجة النهائية أن الإدماء بغير الحجامة والسواك لا يجوز ، وأما بالحجامة فهو مكروه ، وأما بالسواك فنفس السواك جائز بل مستحب غايته خروج الدم أو إخراجه يكون مكروها . هذا كله في النقطة الأولى من نقاط المسألة
النقطة الثانية:- يجوز إخراج الدم من المحرم في حالة الضرورة ، والوجه في ذلك واضح ، وهو أحد الأمور الثلاثة التالية :
الأمر الأول:- صحيحة الحلبي المتقدمة حيث قال ( سالت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يحتجم ؟ قال : لا ، إلا أن لا يجد بداً ) وهي واضحة في التجويز حالة الضرورة.
الأمر الثاني:- التمسك بقاعدة ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) أو قاعدة نفي الحرج ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ).
الأمر الثالث:- انه بقطع النظر عن هذا وذاك لا يحتمل الحرمة في حالة الضرورة والحاجة إلى إخراج الدم ، فان الإسلام كما نعرف شريعة لم تبن على الخشونة.
النقطة الثالثة :- هل هناك كفارة على من أخرج الدم منه أو أن الحرمة تكليفية ؟
المناسب هو عدم وجوب الكفارة لعدم الدليل على ذلك فيتمسك بالبراءة . نعم لو تمت رواية علي بن جعفر المتقدمة ( لكل شيء اجترحت في إحرامك خرجت من إحرامك فعليه فعليك - دم تهريقه حيث شئت ) سنداً ودلالةً أمكن التمسك بعمومها في المقام ، ولكن تقدم أنها ضعيفةٌ سنداً ودلالةً ، نعم لا بأس بالاستناد إليها على مستوى الاحتياط الاستحبابي .
والمقصود من البحث عن الكفارة هو حالة ما إذا كان إخراج الدم محرماً ، أي مثل حالة الحك من دون ضرورة إلى ذلك .
بهذا تنتهي مسألتنا هذه.
استدراك يرتبط بالمسالة السابقة:- أعني مسالة الشاة وأنها هل تعم المعز أو لا تعمه ؟ نحن ذكرنا فيما سبق أن كلام أهل اللغة ليس بواضحٍ وعليه فالمناسب الرجوع إلى الأصل العملي .
ولكن بعد المراجعة أكثر اتضح أن المناسب هو التعميم ، فالمعز هو من فصيلة الغنم والشاة ، قال في مجمع البحرين ( المعز نوع من الغنم خلاف الضأن وهي ذوات الشعور الأذناب القصار ) وفي المصباح المنير ( المعز هي ذوات الشعر من الغنم الواحدة شاة ) وفي القاموس ( المعز خلاف الضأن من الغنم ) وهكذا عبائر الآخرين . إذن المعز هو من فصيلة الغنم والشاة ، وكلماتهم متفقة على ذلك ، وهذا كما قلنا يورث الاطمئنان فنأخذ به .
وربما يؤيد ذلك:- أنه في باب الهدي دلت الروايات على أن الهدي يجوز أن يكون من المعز ، وهذا يؤيد أن الكفارة يجوز فيها المعز أيضاً ، ولكن لا تصل النوبة إلى ذلك بعدما كانت كلمات أهل اللغة تدل على إن المعز هو من فصيلة الشاة ، وعليه فلا إشكال في الاجزاء.
[1] الوسائل 12 512 62 تروك الإحرام ح11
[2] المصدر السابق ح3
[3] الوسائل 12 561 92 تروك الإحرام ح1
[4] الوسائل 12 533 73 تروك الإحرام ح1