الأستاذ السيد مجتبی الحسيني
بحث التفسیر

46/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: التفسیر الموضوعی/الآیات المصچرئ بیا ایها الناس /الآیات الاخیرة من سورة يونس

قال تعالى فی سورة یونس: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ. وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِه‌ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[1]

قال فی تفسیر الامثل: (هذه الآيات والآيات التي تليها، هي آخر آيات هذه السورة، وتتحدث جميعا حول مسألة التوحيد ومحاربة الشرك والدعوة إلى الحق، وهي في الحقيقة فهرست أو خلاصة لبحوث التوحيد وتأكيد على محاربة ومجابهة عبادة الأصنام التي بيّنت‌ مرارا في هذه السورة).[2]

مما ینبغی نحن کاتباع اهل البیت علیهم السلام ان نعاتب انفسنا لقصورنا فی مسألة التوحيد فعلينا ان نجعل القران اسوة لأنفسنا ففي جملة آيات القران نسبة تخصيصها بالتوحيد ونفي الشرك ماهي؟ اظن إننا ان مسحنا آيات القران نرى نسبة اهتمامه بالتوحيد اكبر نسبة فيها ولكن في حياتنا الدينية والثقافية والدعوية من المجالس والمنابر وكراسي الدرس والكتب المؤلفة وحتى في مجال الذكر والعبادة، نحن قد جفانا هذه العطية الإلهية وقصرنا فيها وقد نرى بعض العوام يحلفون باسم الجلالة في كل صغيرة او كبيرة ولا يبالون فيها ولعل كثير منها كذب فلا يراعون حرمة الله في احلافهم ولكن يتورعون عن الحلف بابي الفضل العباس سلام الله عليه. كما ان بعض شعرائنا ومادحينا يمدحون اهل البيت عليهم السلام بما يشم منها رائحة الشرك ويفتخرون بذلك. وفي هذه القصة غصص كثيرة وعلى كل حال نعود الى بحثنا في تفسير الآيات:

قد تحدثنا فی الاسبوع الماضی فی الآیتین الأولى والثانية من هذا المقطع من سورة يونس واليوم نريد ان نتناول بالبحث الآيات التي تليهما: من قوله تعالى: ﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ﴾ نهي بعد نهي فالنهی الأول کان عن الشرک فی العقيدة وبيان أن الشرك يُدخل الإنسان في زمرة المشرکین والنهی الثانی النهی عن دعاء غير الله الذي يستحق فاعلها ما أوعد الله به الظالمين.

قال فی الميزان: (ومن لطيف التعبير قوله حين ذكر الدعاء: ﴿ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ﴾ وحين ذكر العبادة: ﴿الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ فإن العبادة بالطبع يعطي للمعبود شعورا وعقلا فناسب أن يعبر عنه بنحو «الَّذِينَ» المستعمل في ذوي العلم والعقل، والدعاء وإن كان كذلك لمساوقته للعبادة غير أنه لما وصف المدعو بما لا ينفع ولا يضر، وربما توهم أن ذوي العلم والعقل يصح أن تنفع و تضر، عبر بلفظة «ما» ليلوح إلى أنها جماد لا يتخيل في حقهم إرادة نفع أو ضرر.

و في التعبير نفسه أعني قوله: ﴿ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ﴾ إعطاء الحجة على النهي عن الدعاء.(

قوله تعالى: ﴿وإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾ إلخ، الواو للحال لما ورد في الآية السابقة، والمعنى: ولا تدعُ من دون الله ما لا نفع لك عنده ولاضرر، والحال أن ما مسّك الله به من ضرٍّ لا يكشفه الا هو وما أرادك به من خير لا يرده الا هو، فهو القاهر دون غيره يصيب بالخير عباده بمشيئته وإرادته، ثم عقب الله کلامه بما فیه التبشیر فقال: ﴿وهو الغفور الرحيم﴾، يغفر ذنوب عباده ويرحمهم، واتصافه بهذه الصفات الكريمة يقتضي تخصیص العبادة والدعوة به‌.

وهنا نأتی بآخر آيات يخاطب الله الناس في هذه السورة وهی قوله تعالى: ﴿قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى‌ فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ ﴿وَاتَّبِعْ ما يُوحى‌ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾ [3] في الآية الأولى امر الله نبيه ان ينبه الناس بنزول الإسلام بكل ما يتضمن هذا الدين الحنيف من القيم والخيرات والقران الذي فيه كل ما يحتاجه البشر ويسعده من الدروس والقوانين والاحكام والمواعظ و النصائح وغيره..، فالحق الذي بشرت الآية بمجيئه يشمل جميع ما نزل على رسول الله صلى الله عليه واله وبلغها اهل بيته سلام الله عليهم اجمعين.

بما ان صدق النبي وحقانية هذا الدين حقيقة واضحة: ﴿فَمَنِ اهْتَدى‌ فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾. أي المنتفع الأول والأخر هو الذي اهتدى بهذا الدين كما ان المتضرر الأول والآخر هو الذي ضل عن الدين وتعاما عنه كما انه لابد ان يعرف الناس ان القادة الإلهيين والكتب السماوية ما هي في الواقع إلّا دروس لتربية وتكامل البشر، فلا يزيد الالتزام بها شيئا على عظمة اللّه، ولا تنقص مخالفتها من جلاله شيئا.

﴿وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ أي إنّي لست مأمورا بإجباركم على قبول الحق، لأن الإجبار على قبول‌ الإيمان لا يمكن تحققه، نعم، يمكن الاجبار على التنطق بالإسلام ولكن الاجبار بالإيمان امر محال لان الايمان هو القناعة القلبية فان لم تقبلوا الحق ولم تؤمنوا لا أدفع عنكم العذاب الإلهي، بل إنّ واجبي ومسئوليتي هي الدعوة والإبلاغ والإرشاد والهداية والقيادة، أمّا الباقي فيتعلق بكم، وعليكم انتخاب طريقكم.

أمّا الآية الثّانية فهي تخاطب النّبي صلى اللّه عليه وآله، وتبين واجبه تجاه الامة بقوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعْ ما يُوحى‌ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾ فأمره باتباع الوحي حتى يعرف الناس انه صلوات الله عليه ﴿مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى اِنْ هُوَ اِلّا وَحْيٌ يُوْحَى﴾ ولا يتوقعون عنه مفاوضات وتنازلات كما يكون عند الرجال السياسيون.كما ان فيها ايعاز الى النبي إنّك ستعترضك في هذا الطريق مشاكل مضنية ومصاعب جمة، فلا تَدَعْ للخوف من سيل المشاكل إلى نفسك طريقا، بل ﴿وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾ [4] فإنّ أمره حق، وحكمه عدل، ووعده متحقق لا محالة. وفي هذا تسلية لكل من يتبع الحق من انه لا يخسر ابدا سواء اقبلت عليه الدنيا او ادبرت

 


[1] سوره یونس، آيه 102 تا 107.
[2] الامثل في تفسير كتاب الله المنزل‌، مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر، ج6، ص444.
[3] سوره یونس، آيه 108 و 109.
[4] سوره یونس، آيه 109.