46/06/09
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الناس /تفسير الآيات 104-107 من سورة يونس
قال تعالئ فی سورة یونس: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ. وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِه وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [1]
في هذه الآيات أمر الله النبي صلوات الله عليه ان يخاطب الناس بان يقول لهم ﴿إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي﴾ والدين على ما فسره صاحب الميزان: (هو السنة المعمول بها في الحياة لنيل سعادتها وفيه فمتعلق الشک هو المعنى الطاعة) [2] وفی المراد من الشک فی الدين احتمالین أحدهما: الشک فی صحة هذا الدين الذي ادعو اليه، فمتعلق الشك هو نفس الدين، والمعنى الآخر في شك من تديني والتزامي بما ادعوا اليه وصاحب الميزان رجح المعنى الثاني فقال: (قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي﴾ أي في طريقتي التي أسلكها وأثبت عليها، وشك الإنسان في دين غيره وطريقته المعمولة له إنما يكون في ثباته عليه هل يستقر عليه ويستقيم؟ وقد كان المشركون يطمعون في دينه (ص) وربما رجوا أن يحولوه عنه فينجوا من دعوته إلى التوحيد ورفض الشرك بالآلهة. فالمعنى: إن كنتم تشكون فيما أدين به وأدعو إليه هل أستقيم عليه؟) [3]
هذا الاحتمال قريب فانه بما ان رسول الله كان منتسباً الى قبيلة شريفة اصيلة ولها موقع في القريش ما كانوا يجترئون ان يقضوا عليه ويقتلوه، فكانوا بصدد استمالته بالمال او الجاه او الشهوة كما ذكر انهم اجتمعوا في دار الندوة وبعد التشاور وصلوا الى ان يقترحوا عليه إن تريد المال، فنحن نعطيك ما تريد وان تريد الجاه، نحن نخولك مكانة عالية بيننا وان تريد الشهوة، نزوجك بأجمل بنات العرب، في مكة المكرمة فلما اقترحوا عليه هذه الأمور، قال بما مضمونه: ان جعلتم الشمس في يدي اليمنى والقمر في يدي اليسرى لا استطيع ان اتنازل عن ديني ومقالتي.
قال تعالى في سورة الاسراء ﴿وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً. وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً. إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً. وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [4]
قال فی المجمع في ذيل الآيات فوقها (أنهم قالوا له: كف عن شتم آلهتنا وتسفيه أحلامنا- واطرد هؤلاء العبيد والسقاط الذين رائحتهم رائحة الصنان- حتى نجالسك ونسمع منك فطمع في إسلامهم فنزلت الآية) [5] مثل هذه الآيات بيان لاستحالة النزول عن رسالته حتى يأسوا عنه ولا يضغطوا عليه في التفاوض معهم في التوحيد او سائر الاعتقادات الحقة وما يجب عليه من انكار الكفر والشرك والتأكيد على انه صلوات الله عليه اره بيد الله وليس من عنده.
والمعنى الثاني: المحتمل في قوله ﴿إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي﴾ إن شككتم في ديني انه حق من عند الله؟ وفی هذا الاحتمال متعلق الشک هو نفس الدین کما ان کثیا منهم کانوا یکذبون النبی ویرمونه بالساحر والکذاب. حیث لم تحصلوا على الأصل الذي يبتني عليه، فهو صرح لهم القول فيه وبينه لهم بقوله: لا أعبد آلهتكم وأعبد الله وحده.
وقد أتخذ في قوله: ﴿وَ لكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ له تعالى وصف توفيهم دون غيره من أوصافه تعالى لأنهم کانوا یعترفون بالله وانه هو المحیی وممیت وهو خالق السماوات والارض الا انهم کانوا یشرکون بالله فی العبادة فکانوا یعبدون الاصنام رمزا الى بعض الآلة التي إنما كانوا يعبدونها لزعمهم الحاجة إليها في دفع الضرر وجلب النفع، ولکن التوفي أمر لا يشكون أنه سيصيبهم وأنه من فعل لله وحده فمساس الحاجة إلى الأمن من ضرر الموت يوجب عبادة الله سبحانه.
مضافا الى أن اختيار التوفي للذكر ليكون في الكلام تلويح إلى تهديدهم فإن الآيات السابقة وعدتهم العذاب وعدا قطعيا، ووفاة المشركين ميعاد عذابهم، ويؤيد ذلك اتباع قوله: ﴿وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ بقوله: ﴿وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فإن نجاتهم من العذاب جزء الوعد الذي ذكره الله في الآيتين اللتین سبقتا على هذه الآية:هما قوله تعالى :﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ. ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.[6]
والمعنى: فاعلموا و استيقنوا أني لا أعبد آلهتكم و لكن أعبد الله الذي وعد عذاب المكذبين منكم و إنجاء المؤمنين وأمرني أن أكون منهم كما أمرني أن أجتنب عبادة الآلهة. الى هنا كان التأكيد على التوحيد في العقيدة والتوحيد في العبادة ثم تطرق الى التوحيد في الاطاعة المطلقة لله بقوله تعالى: ﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً﴾ فهذا المقطع عطف على موضع قوله: ﴿وأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وإقامة الوجه للدين الحنيف عبارة عن كون جميع الاعتقادات والاعمال كلها متوجه الى ما امر الله به وفي سبيل طاعته ثم قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ نهي عن كل مساومة في الدين بصورة مؤكدة والشرك في الاعتقاد والعبادة والاطاعة.
لم نستطع ان نكمل البحث في هذا المقطع فنتركه للأسبوع القادم ان شاء الله