46/05/24
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: التفسير الموضوعي/تفسير الآيات المصدرة بيا ايها الناس /تفسير الآية من سورة يونس
﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ سورة يونس 58
قبل الدخول في تفصيلات الآية ينبغي ان نقف عند بعض مفرداتها:
«الوعظ» و «الموعظة»، كما جاء في المفردات: هو النهي الممتزج بالتهديد، عن الخليل بن أحمد الفراهيدي أنّ الموعظة عبارة عن التذكير بالنعم والطيبات المقترن برقة القلب. ولعل الصحيح كلا الموردين فان الواعظ يريد ان بحرض مخاطبه الى الخيرات وقد يريد ان يحذره عن السيئات فكل كلام صدر عن ناصح أراد بذلك تشويق المخاطب الى القرب الى الله بطاعته وترك معصيته حتى في المستحبات او المكروهات فهو مصداق للموعظة. ولا يعني أن كل موعظة يجب أن يكون لها تأثير، بل الموعظة تقتضي بل مقتضي للتأثير في القلوب المستعدة.
والشفاء بمعنى البرء من المرض وهنا أراد من الشفاء البرء من أمراض القلوب، وبتعبير القرآن شفاء لما في الصدور، من الامراض المعنوية والروحية، كالبخل والحقد والحسد والجبن والشرك والنفاق وأمثال ذلك، وكلها من الأمراض الروحية والمعنوية.
اما الهداية فهي الارشاد نحو التكامل والرقي للإنسان في كافة الجوانب الإيجابية.
اما الرحمة ففسرها في مفردات الراغب الاصفهاني بمعنيين، فهي عندما تسبت إلى اللّه فإنّها تعني بذله وهبته للنعم، وعند ما تنسبت إلى البشر فإنّها تعني العطف ورقة القلب. وعلى ضوء هذه المعاني نعود الى الآية المباركة:
قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾. فالآية تبشِّر بمجيئ منظومة تربوية تشتمل على أربع مراحل في تربية وتكامل الإنسان في ظل القرآن. كل مرحلة تلاه مرحلة فالموعظة مقدمة لتطهير روح الإنسان من مختلف أنواع الرذائل الأخلاقية والمفاسد العقدية. وتطهير الروح مقدمة للهداية وهي مقدمة لوصول الإنسان إلى أن يكون لائقا لأن تشمله رحمة اللّه ونعمته. قال أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة حول القرآن: " واعْلَمُوا اَنّهُ لَيْسَ عَلى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَلا لِأحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنَى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أدْوَائِكُمْ، وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأوَائِكُمْ، فَإنَّ فِيهِ شِفاءٌ مِنْ أكْبَرِ الدّاءَ، وَهُوَ الْكُفرُ وَالنّفاقُ، وَالْغَيّ وَالضّلالُ".
ففي هذا البيان المبارك جعل القرآن وصفة لتحسين حال الفرد والمجتمع، وصيانتهم من أنواع الأمراض الأخلاقية والاجتماعية، والمسلمون بدل أن يستفيدوا من هذا الدواء الشافي، جعلوه مجرد كتاب قراءة لا كتاب تفكر وعمل! وتقول في الآية الأخيرة من هذا المقطع:
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ وتكرا فاء التفريع في هذه الآية يفيد حصر موطن الفرح فضل الله ورحمته وهما اللذان يبقيان للإنسان ولا ينبغي ان يكون الفرح بمقدار الثروات، وعظم المراكز، وعزة القوم والقبيلة، لأنّ رأس المال الحقيقي والأساس للسعادة الحقيقية هو هذا القرآن، فهو أفضل من كل ما جمعوه، ولا يمكن قياسه بذلك المجموع، فقال: ﴿هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون﴾.
الى هنا مررنا مرورا على هاتين الآيتين وكفانا عظة واعتباراً.
ونحب تكملة للكلام حول الآية نشير الى نقاط: اولاً: الظاهر في قول الله تعالى: ﴿شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ﴾ المراد مما فی الصور هو القلب والظاهر ان المراد من القلب ليس هذا العضو الذي هو مضخة الدم الى العروق بل الراد منه هو مركز الإحساسات والمشاعر في الانسان كما ان هذا التعبير يستعمل في جميع اللغات في هذا المعنى؟ ويأتي في كلام الشعراء وقد نقول لمن نحبه انت دائما في قلبي واحبك من صميم القلب او ابغضك من صميم القلب، قلبي يهوى الى الذهاب الى الطبيعة، ان الهموم تعصر قلبي فكاد ان ينفجر، وفي القرآن يصف المنافقين بان في قلوبهم مرض ولعل السر في اختيار القلب بين الأعضاء ليكون رمزا لمر كز الاحاسيس، لأنّ القلب اهم أجزاء البدن في حياة الانسان فمادام القلب تخفق فالإنسان حي وبمجرد وقفة القلب يصبح الانسان جمادا وجنازة.
ان في تفسير الأمثل ذكر تحليلاً في هذا الموضوع لا يخلو من فائدة واليك نصه:
(أنّ في جسم الإنسان مركزين: أحدهما المخ، والآخر القلب. عند ما نبحث المسائل الفكرية في محيط الروح، فإنّ انعكاس ذلك التفكير سيتّضح فورا في المخ، وبتعبير آخر فإنّ المخ آلة تساعد الروح في مسألة التفكر، ولذلك فإنّ الدم يدور بصورة أسرع في المخ في حالة التفكير، وتتفاعل خلايا المخ بصورة أكبر، وبالتالي سوف تمتص كمية أكبر من الغذاء وترسل أمواجا أكثر.
أمّا عند ما يكون الكلام والبحث حول المسائل العاطفية كالعشق والمحبّة، والتصميم والإرادة والغضب والحقد والحسد، والعفو والصفح، فإنّ نشاطا عجيبا يبدأ في قلب الإنسان، فأحيانا تشتد ضرباته، وأحيانا تقل إلى الحد الذي يظن معه أنّه سيتوقف عن العمل، ونشعر أحيانا أن قلبنا يريد أن ينفجر. كل ذلك نتيجة للارتباط الوثيق للقلب مع هذه المسائل. لهذه الجهة ينسب القرآن المجيد الإيمان إلى القلب، فيقول: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾. ويعبر عن الجهل والعناد وعدم الإذعان للحق بأنّه عمى القلب:﴿وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾. مثل هذه التعبيرات ليست مختصة بالقرآن، بل تلاحظ في أدب اللغات المختلفة في الأزمنة الغابرة، وتلاحظ اليوم أيضا مظاهر هذه المسألة بأشكال مختلفة. فغالبا ما نقول للشخص الذي نحترمه ونحبّه: إنّ لك مكانا في قلوبنا، أو أنّ قلوبنا منشدة إليك، والأدباء يجسدون هذا المعنى ويجعلون سنبلة العشق نابعة من القلب دائما. كل ذلك لأنّ الإنسان يحس دائما بتأثير خاص في قلبه في حالة العشق والغرام، أو الحقد والحسد، أي أنّ أوّل قدحة في هذه المسائل النفسية عند انتقالها إلى الجسم تتجلّى في القلب).
ما هو الفرق بين الفضل والرحمة؟ الاقوال فيهما:
هناك قول لبعض المفسرين اعتبر الفضل الإشارة الى النعم الظاهرية. والرحمة إشارة إلى النعم الباطنية، وبتعبير آخر إنّ إحداها النعم المادية، والأخرى النعم المعنوية. وقد جاءت مرارا في القرآن أيضا نشاهد تعبير عن فضل الله للأمور المادية كما ورد في سورة الجمعة قال تعالى: ﴿فَإذا قُضيَتِ الصَلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ وهنا أراد من فضل الله أي ذهاب وراء البيع والشراء وغيرها من الآيات التي تعبر من السعي وراء الرزق بطلب فضل الله بمعنى تحصيل الرزق والموارد المادية.
كما ان البعض الآخر جعلوا المراد من الفضل الإلهي بداية النعمة، ومن رحمته دوام النعمة.
ولذلك استندوا الى روايات متعددة من أنّ المراد من الفضل الإلهي هو وجود النّبي صلى اللّه عليه وآله ونعمة النّبوة، وأنّ المراد من رحمة اللّه وجود علي عليه السّلام و نعمة الولاية فالنّبي صلى اللّه عليه وآله جاء بالإسلام، والإمام علي واولده المعصومين عليهم السّلام بلغوا الرسلة الى الامة فهم كانوا سبب بقائه واستمراره قال الله تعالى: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته﴾ فالرسول كان علّة محدثة للإسلام، وعلي واهل بيته كانوا علّة مبقية للاسلام.
وهناك احتمال ثالث: لبعض الآخر وهو أن يكون الفضل إشارة إلى نعم الجنّة، والرحمة إشارة إلى العفو عن الذنب وغفرانه.
وقول رابع: يقول: أن الفضل إشارة إلى نعمة اللّه العامّة التي تعم العدو والموالي، والرحمة- إشارة إلى رحمته الخاصّة بالمؤمنين.
وقول خامس: هو أنّ فضل اللّه إشارة إلى مسألة الإيمان، والرحمة إشارة إلى القرآن، ولا بأس بصحة جميع الاقوال ما دام مفردة الفضل ومفردة الرحمة تتحملها لا تنافي بينها، فهذين التعبيرين جامع للفضل والرحمة.
وفي آخر المطاف نذكر بعض الروايات الواردة حول معنى الآية وهي أيضا يمكن ان تكون بصدد مصداق من هاذين العنوانين:
فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ في حديث قَالَ: ثُمَّ قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: وَالْقُرْآنُ ثُمَّ قَالَ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ قَالَ: الْفَضْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَرَحْمَتُهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، قَالَ: فَلْيَفْرَحْ شِيعَتُنَا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا أُعْطُوا أَعْدَاؤُنَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
وفِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ رَوَى عن أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ وَ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ ثُمَّ شَكَى الْفَاقَةَ كَتَبَ اللَّهُ الْفَاقَةَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ، ثُمَّ تَلَا «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ» الْآيَةَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَضْلُ اللَّهِ رَسُولُهُ وَرَحْمَتُهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ".
وورد فِي أُصُولِ الْكَافِي بسنده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: "قُلْتُ لَهُ: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ- فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ قَالَ: بِوَلَايَةِ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُ هَؤُلَاءِ مِنْ دُنْيَاهُمْ".
و فِي أَمَالِي الصَّدُوقِ (رَحِمَهُ اللَّهُ) بِإِسْنَادِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ حَدِيثٌ طَوِيلٌ وَفِيهِ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً مَا آمَنَ بِي مَنْ أَنْكَرَكَ، وَلَا أَقَرَّ بِي مَنْ جَحَدَكَ، وَلَا آمَنَ بِاللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِكَ وَإِنَّ فَضْلَكَ لَمِنْ فَضْلِي وَإِنَّ فَضْلِي لَفَضْلُ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ فَفَضْلُ اللَّهِ نُبُوَّةُ نَبِيِّكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ «فَبِذَلِكَ» قَالَ: بِالنُّبُوَّةِ وَالْوَلَايَةِ «فَلْيَفْرَحُوا» يَعْنِي الشِّيعَةَ «هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» يَعْنِي مُخَالِفِيهِمْ مِنَ الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ فِي دَارِ الدُّنْيَا"
وفِي تَفْسِيرِ الْعَيَّاشِيِّ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا» قَالَ: فَلْيَفْرَحْ شِيعَتُنَا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا أُعْطِيَ عَدُوُّنَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ".
وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: قُلْتُ: ﴿بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ قَالَ: الْإِقْرَارُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَالِايْتِمَامُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُ هَؤُلَاءِ فِي دُنْيَاهُم" [1]