الأستاذ السيد مجتبی الحسيني
بحث التفسیر

46/05/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الناس /الآية 158 من سورة الاعراف

﴿قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [1]

هذه الآية سادس آية وردت في القرآن على ترتيب الموجود وهي في سورة الأعراف امر الله تعالى رسوله ليخاطب به الناس فقال: ﴿قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾. أكّد على انه صلوات الله عليه مبعوث الى جميع الناس وليس رسولا لفئة او قوم او اهل صقع من الأرض او أصحاب لغة خاصة بل رسالته لجميع البشر فهي ككثير من الآيات تدل على عالمية الرسالة منها:

قوله تعالی: ﴿وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾.[2] فهذه الآية تنفي الرسالة الا الشاملة لجميع الناس.

ومنها قوله تعالی: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أي بلغه القرآن﴾ [3] فتفید شمولیة الرسالة واستمراریتها الی یوم القیامة.

ومنها قوله تعالی: ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى‌ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً﴾ [4] فبینت ان الهدف من هذه الرسالة اصلاح العالم كله.

هذه نماذج من الآيات التي تشهد بعالمية دعوة الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.

نعم هناك آيات قد يوهم منها تدرج الرسالة كقوله تعالى في سورة الانعام: ﴿وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى‌ وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى‌ صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾ [5] وقوله تعالى في سورة الشورى: ﴿وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى‌ وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [6]

ولکن کما تعلمون اثبات الشیء لا ینفی ما عداه، وسوف نبحث عنها فی الجلسات القادمة ان شاء الله.

ثم وصف لله المرسل لهذا الرسول بقوله: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ﴾ فوصف الله تعالى بصفات ثلاثة أولاً: ﴿له ملك السماوات والأرض﴾ وليس ملكوه ملكاً اعتبارياً يمكن ان لا يساطيع ان يتصرف في ملكه بل الملك وهو السلطة الكاملة على مملوكه لله تبارك وتعالى واهل الكتاب والمشركون كلا الطائفتان كانوا مقرون بهذه الحقيقة وانما ذكّرهما القران بهذا الامر الذي من عقيدتهم. ثانياً: ﴿لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ هذا المعنى أيضا معروف عندهم و اكثر ما كانوا يشركون بالله فهو كان في العبادة كما يصفهم القرآن بقوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون﴾‌ وقريب من هذا المضمون الآيات 25 من سورة لقمان و28 من سورة الزمر و9 من سورة الزخرف ثالثاً: ﴿يُحيِي وَيُمِيتُ﴾ وها الامر أيضا كانوا معترفين به فكان دعوة رسول الله لم تكن اجنبيا عن عقائدهم.

قال فی الميزان: (هي بمجموعها بمنزلة تعليل يبين بها إمكان الرسالة من الله في نفسها أولاً: و إمكان عمومها لجميع الناس، ثانياَ: فيرتفع به استيحاش بني إسرائيل أن يرسل إليهم من غير شعبهم وخاصة من الأميين وهم شعب الله ومن مزاعمهم أنه ليس عليهم في الأميين سبيل، وهم خاصة الله وأبناؤه وأحباؤه، وبه يزول استبعاد غير العرب من جهة العصبية القومية أن يرسَل إليهم رسول عربي. وذلك أن الله الذي اتخذه رسولا هو الذي له ملك السماوات والأرض والسلطنة العامة عليها، ولا إله غيره حتى يملك شيئا منها فله أن يحكم بما يشاء من غير أن يمنع عن حكمه مانع يزاحمه أو تعوق إرادته إرادة غيره فله أن يتخذ رسولا إلى عباده وأن يرسل رسوله إلى بعض عباده أو إلى جميعهم كيف شاء).[7]

من مصالح جعل القرأن بلسان العربی: اولاٌ: کما یقال ان اللغة العربية أوسع اللغات لتأدية المعاني قال تعالى: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [8] ثانياً: لأنه كان عند العرب عصبية جاهلية ما كانوا يستسلمون لغير قومهم ولغير لغتهم قال تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ. فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ .كَذٰلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾[9] ثالثاً: بما ان جزيرة العرب كانوا ابعد الناس عن الحضارة وجلهم كانوا اميين لا يعرفون من الكتابة وكانوا شديد التمسك بأعرافهم الجاهلية والخرافات ولذلك الرسول صلى الله عليه واله خرج نهم بخلق رفيعة و توحيد لله وثيقة ولم يكن مجال للقول بان ما عنده تعلم من بعض العلماء وتأثر منهم فكان كلامه وخلقه ومواقفه كلها اعجاز جماله بارز لكل منصف. ورابعاً: اذا استطاع ان يصنع منهم عبادا مخلصا وفيا صادقا وبعيدا عن الخرافات، كما استطاع فعلاً ان يغير طباع كثير منهم ويربيهم تربية إسلامية هؤلاء الذين لم تؤثر فيهم حضارة ايران ولا الروم وهذا الدين الحنيف والنبي الحكيم هكذا حولهم واحياهم وهذه أيضا معجزة عظيمة لم يترك لمن لم يلتحق بهذا النور الجميل عذر.

الاحیاء المعنوی والاماتة المعنویة:

ثم في قوله تعالى: ﴿هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ﴾ احتملوا مضافا الى ان المحيي والمميت بمعناهما الظاهرتان هو الله يحتمل معنى آخرا وهو الحياة والممات الإنساني او المعنوي بيد الله فهو يرشد عباده فمن اخذ بها احيى ومن تركها وفعل المحرمات فقد مات فهو الذي له الإحياء والإماتة بحياة طيبة سعيدة بالهدى او الشقاوة والضلالة فهو میت، قال تعالى: «﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ»﴾ [10] وقال ایضاً: ﴿أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ کمن مثله فی الظلمات لیس بخارج منها﴾ [11] ، و قال: ﴿إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتى‌ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثم الیه یرجعون﴾ [12]

 

ثم في المقطع الأخير من الآية قال: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾

فدعا الناس الی الایمان بالله ورسوله ووصف الرسول اولاً: بانه نبی ینبئ عن الله ﴿ولا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى﴾ ثانیاً: انه امی لم یتآثر من ثقاقة ولم یتعلم عند غیر الله وهو الذي لا يكتفي بدعوة الآخرين إلى هذه الحقائق فحسب، بل يؤمن هو في الدرجة الأولى- بما يقول، يعني الإيمان باللّه و كلماته ﴿الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ﴾. إنّه لا يؤمن فقط بالآيات التي نزلت عليه، بل يؤمن بجميع الكتب النازلة من السماء علی سائر الأنبياء السابقين. إنّ إيمانه بدينه والذي يتجلى من خلال أعماله وتصرّفاته دليل واضح على حقانيته، وعمله باقواله أحسن چلیل على صدقه.

إنّ تأريخ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم برمّته يشهد بهذه الحقيقة و هي أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان أكثر من غيره التزاما بالتعاليم التي جاء بها. أجل، لا بدّ لكم من اتّباع مثل هذا النّبي حتى تسطع أنوار الهداية على قلوبكم، لتهتدوا إلى طريق السعادة ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.﴾ وهذا إشارة إلى أنّه لا يكفي مجرّد الإيمان، وإنما يفيد الإيمان إذا اقترن بالاتباع العمليّ.

الآية الحاضرة التي نزلت في مكّة على كل تصوراتهم هذه، فهي تصرح في غير إبهام ولا غموض بأنّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أعلن عن دعوته العالمية منذ البداية.

 


[1] سوره اعراف، آيه 158.
[2] سوره سبا، آيه 28.
[3] سوره انعام، آيه 19.
[4] سوره فرقان، آيه 1.
[5] سوره انعام، آيه 92.
[6] سوره شورى، آيه 7.
[7] الميزان في تفسير القرآن، العلامة الطباطبائي، ج8، ص283.
[8] سوره شعراء، آيه 195.
[9] سوره شعراء، آيه 198-200.
[10] سوره انفال، آيه 24.
[11] سوره انعام، آيه 122.
[12] سوره انعام، آيه 36.