46/04/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الايات المصدرة بيا ايها الناس/سورة النساء /اية 175-176
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً﴾ ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً﴾ [1]
فی الاسبوع الماضی تحدثنا حول الآية المباركة الأولى واكملنا الكلام فيها ولكن ما اشبعنا الكلام في الآية الثانية، بالأخص حول معنى الصراط ولذلك نتابع بحثنا في هذه الآية:
قد تحدثنا من خلال ما قاله المفسرون حول معنى الصراط وبغض الروايات التي تصدت لهذا المعنى واليوم نريد ان نقف وقفة عند القرآن لنستلهم منه المعاني والرسالات حول الصراط.
قد ورد في القرآن فی معنى الصراط تعابير مختلفة. كما جاء في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، فجعل ملة ابراهیم هی الصراط المستقيم ووصفها قبلها "بدين قيم" أي المستقيم غير مائل الى اليمين او اليسار، فهذه الآية الشريفة عرّفت الصراط المستقيم فی بٌعده الاعتقادی والعبادي مؤکداً على الإخلاص في العبادة و رفض عبادة غیر الله.فتأكّد على رعاية التوحيد.
وفي قوله: ﴿أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾، أما في هذه الآية ركز على الإخلاص في الطاعة والعمل والظاهر ان النهي عن عبادة الشيطان هو النهي عن طاعته وتسليم الأمور اليه. ولیس عبادته بالمعنى المصطلح. ففي صدر الآية ينهي عن طاعة الشيطان وفي ذيلها يأمر بطاعة الله وجعل الإخلاص في الطاعة مصداق للصراط المستقيم.
ثم یمکن ان نستدل على قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾. ان الصراط المؤدي الى الله هو طريق واحد وهو الاعتصام بالله من خلال دين الحق والطريق المستقيم هو اقرب الطرق وهو لا يتكرر. قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [2]
والروايات الموجودة في المصادر الإسلامية في هذا الحقل، تشير إلى جوانب متعددة من هذه الحقيقة الواحدة، و تعود جميعا إلى أصل واحد، منها:
ما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه واله: «اهدنا الصّراط المستقيم صراط الأنبياء، و هم الّذين أنعم اللّه عليهم . وعن جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام في تفسير الاية: ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ قال: "الطّريق هو معرفة الإمام" وعنه علیه السلام أيضا: "واللّه نحن الصّراط المستقيم".
وعنه أيضا: الصّراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السّلام". ومن الواضح أن النّبي صلّى اللّه عليه واله وسلّم، وأئمّة أهل البيت عليهم السّلام، دعوا جميعا إلى دين التوحيد الإلهي، والالتزام به عقائديا وعمليا. واللافت للنظر، أنّ «الراغب» يقول في مفرداته في معنى الصراط: (إنّه الطريق المستقيم، فكلمة الصراط تتضمّن معنى الاستقامة. و وصفه بالمستقيم تأكيداً على هذه الصفة).
قد يكون سؤال يتبادر إلى الأذهان عن سبب طلبنا من اللّه الهداية إلى الصراط المستقيم، ترى هل نحن ضالون كي نحتاج إلى هذه الهداية؟ و كيف يصدر مثل هذا الأمر عن المعصومين وهم کذلك يقرؤون هذه الآية في صلاتهم وغيرها وهم كانوا نموذجا للإنسان الكامل؟!
والرد على هذا السؤال يتم في أمور:
أوّلا: الإنسان معرض في كل لحظة إلى خطر التعثر والانحراف عن مسير الهداية- ولهذا كان على الإنسان تفويض أمره إلى اللّه، والاستمداد منه في تثبيت قدمه على الصراط المستقيم.
ثانیاً: ينبغي أن نتذكر دائما أن نعمة الوجود وجميع المواهب الإلهية، تصلنا من المبدأ العظيم تعالى لحظة بلحظة. فلیس الله مجرد علة للوجود حدوثا بل هو علة البقاء أيضا فكل شيء قائم بالله وتقریبا الى الذهن نشبه موضوعنا بالمصابيح الكهربائية، فالنور المستمر في هذه المصابيح يعود إلى وصول الطاقة إليها من المولد الكهربائي باستمرار. فهذا المولّد ينتج كل لحظة طاقة جديدة ويرسلها عن طريق الأسلاك إلى المصابيح لتتحول إلى نور. ومجرد انقطاع الکهرباء یوجب خمود النور. وجودنا يشبه نور هذه المصابيح. هذا الوجود، وإن یظهر امام اعیننا ممتدا مستمرا، ولکن في الحقيقة وجود متجدّد يصلنا باستمرار من مصدر الوجود الخالق الفيّاض. هذا التجدّد المستمر في الوجود، يتطلب باستمرار هداية جديدة، فلو حدث خلل في الأسلاك المعنوية التي تربطنا باللّه، كالظلم والإثم و ... فإن ارتباطنا بمنبع الهداية سوف ينقطع، وتزلّ أقدامنا فورا عن الصراط المستقيم. نحن نتضرّع إلى اللّه في صلواتنا أن لا يعتري ارتباطنا به مثل هذا الخلل، وأن نبقى ثابتين على الصراط المستقيم.
ثالثا: الهداية هي السير على طريق التكامل، حيث يقطع فيه الإنسان تدريجيا مراحل النقصان ليصل إلى المراحل العليا. وطريق التكامل غير محدود بحد، وهو مستمر الى اللانهاية. ممّا تقدّم نفهم سبب تضرّع حتى الأنبياء والأئمة عليهم السّلام للّه تعالى أن يهديهم الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، فالكمال المطلق للّه تعالى، وجميع ما سواه يسيرون على طريق التكامل، فهم علیهم السلام ایضا یستمدون الهدایة من الله فلا غرابة في أن يطلب المعصومون من ربّهم درجات أعلى؟! نحن نصلّي على محمّد وآل محمّد، والصلاة تعني طلب رحمة إلهية جديدة لمحمّد وآل محمّد، ومقام أعلى لهم.
حتى عباداتنا لها درجات فعن المولى عليه السلام : "إنّ قوما عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الأحرار".[3]
و روي عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال: "يرد الناس جميعا الصراط و ورودهم قيامهم حول النار، ثم يمرون على الصراط بأعمالهم، فمنهم من يمر مثل البرق، و منهم من يمر مثل الريح، و منهم من يمر مثل الطير، و منهم من يمر كأجود الخيل، و منهم من يمر كأجود الإبل، و منهم من يمر كعدو الرّجل، حتى أن آخرهم مثل رجل نوره على موضع إهاب قدميه، ثم يتكفأ به الصراط، والصراط دحض مزلق مزلقة كحدّ السيف، عليه حسك كحسك العتاد، وحافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس، فبين مار ناج، وبين مخدوش مكدوش في النار، والملائكة عليهم السلام يقولون: ربّ سلّم سلّم". وقریب من هذه التعابير ورد في احاديث الفريقين" فاطلبها في تفسير نور الثقلين.
ونكتفي بها المقدار في شرح الآية المبحوث عنها والسلام عليكم ورحمة الله