46/04/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الايات المصدرة بيا ايها الناس/سورة النساء /اية 174-175
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً﴾ ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً﴾ [1]
قبل الدخول فی تفسیر الآيات نقف عند مفردتين منها:
البرهان: فسره فی المجمع: ب(الشاهد بالحق وقيل البرهان البيان يقال: برهن قوله أي بينه بحجة).[2] وفی الأمثل: (يعتقد بعض العلماء أنّ كلمة «برهان» المشتقة من المصدر «بره» على وزن «فرح» تعني الابيضاض- ولمّا كانت الأدلة الواضحة تجلى للمسامع وجه الحق وتجعله واضحا مشرقا أبيض لذلك سميت ب «البرهان)[3]
والاعتصام: فسره فی المجمع: ب(الامتناع واعتصم فلان بالله أي امتنع من الشر به والعصمة من الله دفع الشر عن عبده واعتصمت فلانا هيئت له ما يعتصم به والعصمة من الله تعالى على وجهين (أحدهما) بمعنى الحفظ وهو أن يمنع عبده كيد الكائدين كما قال سبحانه لنبيه ص ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (والآخر) أن يلطف بعبده بشيء يمتنع عنده من المعاصي).[4]
والظاهر ان في كلا الموردين بمعنى الحفظ: الحفظ من شر الناس والحفظ من شر المعاصی.
ثم نأتي الى تفسير الآية: هذه الآية خاطب الناس فيشمل جميع الملل والنحل فقال: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ الخطاب الى الناس لتحریضهم بالقبول ثم نسبة الرب بالمخاطب تقرب القلوب الى الله فاسم الجلالة: الله بمعنى الذات المستجمع لجميع الكمالات مشير الى عظمة الله ومقام البعد والغياب، والرب بيان لولي النعمة والذي إدارة امورهم بيده، مقام القرب والرحمة "الذي بعد فلا يُرى وقرُب فشهد النجوى".
ثم لابد ان نرى ما المراد من البرهان؟ قيل: هو محمد صلى الله عليه واله أي أتاكم حجة من الله يبرهن لكم عن صحة ما أمركم به من خلال المعجزات القاهرة الشاهدة بصدقة، وقيل هو القرآن کما ورد فی تفسیر الصافی: (قيل البرهان رسول اللَّه والنور القرآن وقيل البرهان المعجزات والنور القرآن أي جاءكم دلائل العقل وشواهد النقل ولم يبق لكم عذر ولاعلة).[5]
أقول: لا منافات بين هذه الاقوال فعند ما يقال ان رسول الله هو البرهان ليس بجسمه بل بما افاد بعلمه وحكمته وبما يقرء للناس عن القرآن والمطالب الذي ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحي.
ثم قال في المجمع: ﴿وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً﴾ يبين لكم الحجة الواضحة ويهديكم إلى ما فيه النجاة لكم من عذابه وأليم عقابه وذلك النور هو القرآن عن مجاهد وقتادة والسدي وقيل النور ولاية علی علیه السلام عن أبي عبد الله علیه السلام وفي المجمع عن الصادق عليه السلام: "النور ولاية علي صلوات اللَّه وسلامه عليه".
قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ﴾ أي صدقوا بوحدانية الله واعترفوا بنبوة محمد صلوات الله علیه فهذه المقطع من الآية يتكفل بأمر الايمان وما يتعلق بالقلب اما قوله: ﴿وَاعْتَصَمُوا بِهِ﴾ أي تمسكوا بالنور الذي أنزله على نبيه فالمراد فی مرحلة العمل والطاعة ﴿فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ﴾ هل المراد دخول الجنة كما قاله بعض المفسرين او اعم من ذلك؟ في الدنيا كذلك يدخلون في رحمة الله فهم سعداء في الدنيا والآخرة ثم عطف الفضل على الرحمة فی قوله ﴿وَفَضْلٍ﴾ یحتمل امرین: احدهما التاکید على الرحمة فمن حيث حقيقتها فهي الرحمة ومن حيث صدورها عن الله فهي من فضله. ثانيهما: المراد من الرحمة ما يستحقونه والفضل ما يزيد الله لهم عن استحقاقهم وما يبسط لهم من الكرامة وتضعيف الحسنات وما يزاد لهم من النعم على ما يستحقونه کما ورد فی المجمع.
واما قوله تعالى: ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً﴾ ففسره صاحب المجمع بقوله: (أي يوفقهم لإصابة فضله الذي يتفضل به على أوليائه ويسددهم لسلوك منهج من أنعم عليه من أهل طاعته واقتفاء آثارهم والاهتداء بهديهم والاستنان بسنتهم واتباع دينهم و هوالصراط المستقيم الذي ارتضاه الله منهجا لعباده).[6] وقد ذكروا في معنى الصراط المستقيم وجوهاً لا تنافي بينها من: كتاب الله والإسلام ودين الله والنبي، والائمة القائمون مقامه، وما يقرب من هذه المعاني وقد ورد في هذه المضامين روايات ايضاً ولكن كل هذه العناوين تصب في معناً واحداً وهو الايمان بالله ورسوله وموالاة اوليائه والعمل بما ورد في هذا الدين الحنيف من الكتاب والسنة والعقل على حسب الاحكام التكليفية الخمسة بمراتبها. هذا في الدنيا.
واما في الآخرة: يجزل لهم الثواب من فضله ورحمته، ويهديهم إلى الطريق المستقيم. تقول الآية: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيما﴾
وفی معنى الصراط المستقيم ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام، في تفسير اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيم أي: «أدم لنا توفيقك الّذي أطعناك به في ما مضى من أيّامنا، حتّى نطيعك في مستقبل أعمارنا» و عن الصادق عليه السّلام: «يعني أرشدنا للزوم الطّريق المؤدّي إلى محبّتك، والمبلّغ إلى جنتّك، والمانع من أن نتّبع أهواءنا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك»