46/04/12
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الايات المصدرة بيا ايها الذين امنو/ /
قال الله تعالی: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾ [1]
أكثر ما نجد أسلوب القرآن في خطاباته هو عرض كلام الحق من دون الاستدلال لان كثير من الحقائق يدل عليه العقل والوجدان انساني وطريق الالقاء ابلغ من الاستدلال، فعند ما نطالع حياة المستبصرين نرهم استبصروا من خلال نظرهم الى حسن الاخلاق و نصح اهل الحق و عزتهم ولذلك بعد ثورة الإسلامية في ايران ملايين من الناس في شتى انحاء العالم اسلموا بل تشرفوا بمذهب اهل البيت من خلال اعجابهم بقادة الثورة ولا سيما الامام الخميني وما يشهدون من عزة الجمهورية الإسلامية و تطورهم في الأمور المختلفة خلافا لجميع التحديات والويلات التي تصب اليهم من جانب الحكومات المستكبرة.
وعند ما نتأمل في القران الكريم نرى دعوته الى التوحيد ونفي الشرك ورعاية العدالة والدعوة الى القيم جلها من طريق الالقاء الى المخاطب والآية المبحوث عنها أيضا استفادت عن اسلوب الالقاء تخاطب البشر كلهم فيدعوهم الى ما كانوا يعترفون به ولذلك لم يأت بمفردة الرسول نكرة بل رافقها بالألف واللام للعهد فاليهود والنصارى كانوا ينتظرون ظهور رسولهم قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [2]
ولكن بعضهم اتخذوا موقف اللجاج من دون أي منطق وهم كانوا يعرفون صدق الرسول وطهارته من خلال كتبهم السمئية ومن خلال معاشرتهم له اكثر من أربعين سنة.
ولكن يصفهم الله في سورة البقرة بقوله تعالى: ﴿وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ﴾﴿وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ﴾﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ﴾﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [3]
هذه المفاهيم كلها تنادي عن لجاجهم و تعاميهم عن الحق و ما يعود عليهم من البعد عن الله نتيجة كفرهم وعنادهم واتباع نخوتهم والتعصب الاعمى والتمسك بقوميات العرقية النابعة عن جهالتهم. فانتظار المنجى كان امرا معروفا عندهم حتى في أوساط المشركين.
فإنهم أيضا كانوا يترقبون ظهور منجي من الله يخلصهم عن حياتهم المأساوية التي يعيشونها من حروب البعاث المعروفة في التاريخ.
واما مفردة ﴿بالحق﴾ فالباء فيها للتعدية وكل ما جاء به هو خالص الحق وقد ورد في الكافي وتفسیرالعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام: "﴿قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ في ولاية علي فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا﴾ بولاية علی (الآية)".[4]
وهذا بيان لأهمّ مصاديق الحق الذي له دور كبير في سعادة البشر ثم استفاد مفردة الرب من بين أسماء الله لينبّه الى ما في اتباع الرسول من مصلحتهم، ثم أكّد على مصلحة الايمان العائدة اليهم كما ان الآية تدعو إلى الإيمان و تبيّن نتيجة هذا الإيمان، وتستخدم في ترغيب الناس إلى هذا الهدف السامي عبارات و اصطلاحات تثير عند الأفراد الرغبة والاندفاع نحو الإيمان. فتؤکد على أنّ إيمان الأفراد إنّما تعود فائدته و يعود نفعه اليهم أنفسهم، أي أن الإنسان إذا آمن إنما يخدم نفسه بهذا الإيمان قبل أن يخدم به غيره تقول الآية: ﴿فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ﴾.
كما تؤكّد الآية في النهاية على أن من يتخذ الكفر سبيلا لنفسه فلن يضرّ اللّه بعمله هذا أبدا، لأن اللّه يملك كل ما في السماوات و ما في الأرض، فهو بهذا لا يحتاج إلى أي شيء من الآخرين، تقول الآية في هذا الصدد: ﴿وَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ﴾.
ثم فی مقطع الاخیر من الآية تشیر علد عدم حاجة الله الى شيء فما حکم به من أوامره ونواهیه كلّها لمصلحة البشر، لأنّها نابعة من حكمة اللّه و علمه و هي قائمة على أساس تحقيق مصالح الناس، و منافعهم الخيّرة، فقال الآية: ﴿وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾.