46/04/05
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الايات المصدرة بيا ايها الذين امنوا/سورة النساء /
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [1]
قد تحدثنا فی الأسابع الماضية في هذه الآية المباركة ورجحنا مما يستفاد من ظاهر الآيات وبعض الروايات ان الله خلق حواء من تتمة طين آدم عليهما السلام والبشر الموجود كلهم من نسلهما من دون مشاركة ملك او جني وانما كان في الجيل الأول الزواج بين الاخوة والاخوات من اولاد آدم ثم حرم الله ذلك. للأجيال الثانية فما بعد.
كما ان ما يقال بان أصل الانسان كان حيواناً بسيطاً من جينة واحدة في الماء ثم ولدت منها صاحب جينتين وهكذا تكاملَ وانتقل الى خارج الماء وتكامل حتى وصل الى قردة ثم تكامل فصار انساناً من الأجيال الأولى وحتى تكامل فصار انساناً متكاملاً مثلنا.
هذه كلها من فرضيات تشارلز داروين. من دون مستند علمي لرأيه، ولكن هذه الآية صريحة في خلافه، والعلم أثبت خلافه ايضاً حيث اثبت عدم أي علاقة لجينات الانسان مع القردة بل يقولون ان جينات القردة ابعد شيء من جينات الانسان.
ثم انّ هناك كلام أيضا: هل كان قبل وجود السلسلة الموجودة من الانسان انسان؟ بعض الروايات تفيد نعم واليك نماذج منها:
ورد في كتاب التوحيد للصدوق، عن الصادق عليه السلام في حديث "قال: لعلك ترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم؟ بلى والله لقد خلق ألف ألف آدم أنتم في آخر أولئك الآدميين".
وورد في الخصال، ايضاً عنه عن الصادق عليه السلام قال: "إن الله تعالى خلق اثني عشر ألف عالم- كل عالم منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين- ما يدري عالم منهم أن لله عز وجل عالما غيرهم".
وفيه، عن أبي جعفر عليه السلام: "لقد خلق الله عز وجل في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين- ليس هم من ولد آدم خلقهم من أديم الأرض- فأسكنهم فيها واحدا بعد واحد مع عالمه- ثم خلق الله عزوجل آدم أبا البشر وخلق ذريته منه" الحديث.[2]
فالقول بان أبناء وبنات آدم تزوجوا من آخر جيل فتكثر أولادهم من آدم خلاف ظاهر الآيات بل خلاف صريحها ولم يرد في النصوص ان آدم عليه السلام التقى بإنسان ممن كان قبله.
والمقطع الأخير من هذه الآية هو قول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ بدأت الكريمة بالدعوة الى التقوى الرب الذي خلق الانسان ونشرها في الكرة الأرضية والمتّقى منه هو الرب بمعنى من كان امورنا حدوثا وبقاء بيده وفي هذا المقطع الأخير جعلت المتقى منه الله وهو ذات مستجمع لجميع الصفات الكمالية ووصفه بالذي ﴿تسائلون به والارحام﴾
وفي المراد من قوله ﴿تسائلون به والارحام﴾
قأل في الميزان: (المراد بالتساؤل سؤال بعض الناس بعضا بالله، يقول أحدهم لصاحبه: أسألك بالله أن تفعل كذا وكذا هو إقسام به تعالى، والتساؤل بالله كناية عن كونه تعالى معظما عندهم محبوبا لديهم فإن الإنسان إنما يقسم بشيء يعظمه ويحبه). [3]
وأما في قوله: ﴿وَالْأَرْحامَ﴾ ذكروا احتمالين: الأول: ان يكون عطفاً على لفظ الجلالة، والمعنى: واتقوا الأرحام، ومنصوب للمفعولية. أي اتقوا الله واتقوا الارحام.
والاحتمال الثاني: إنه معطوف على محل الضمير في قوله: به وهو النصب بنزع الخافض يقال: مررت بزيد وعمرا، فيصير المعنى: واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام، يقول أحدكم لصاحبه: أسألك بالله وأسألك بالرحم او بجدك او امّك وما الى ذلك من سائر الارحام.
ولكن صاحب الميزان اختار القول الأول ولا يرضى بالثاني فقال: (هذا ما قيل، لكن السياق ودأب القرآن في بياناته لا يلائمانه فإن قوله: ﴿وَالْأَرْحامَ﴾ إن جعل صلة مستقلة للذي، وكان تقدير الكلام: واتقوا الله الذي تساءلون بالأرحام كان خاليا من الضمير وهو غير جائز، وإن كان المجموع منه ومما قبله صلة واحدة للذي كان فيه تسوية بين الله عز اسمه وبين الأرحام في أمر العظمة والعزة وهي تنافي أدب القرآن. وأما نسبة التقوى إلى الأرحام كنسبته إليه تعالى فلا ضير فيها بعد انتهاء الأرحام إلى صنعه وخلقه تعالى وأما نسبة التقوى إلى الأرحام كنسبته إليه تعالى فلا ضير فيها بعد انتهاء الأرحام إلى صنعه وخلقه تعالى).[4] ونِعمَ ما تفرس له في اختيار معطوف ومعطوف اليه.
فان الاتقاء بغير الله ورد في القران اكثر من مرة كما ورد فيه ﴿اتقوا النار﴾ مرتين، و﴿اتقوا يوماً﴾ ثلاث مرات، و ﴿اتقوا فتنة﴾ مرة، و ﴿اتقوا ما بين ايديكم وما خلفكم﴾ مرة، وقد ورد بصيغة الماضي من دون إضافة.
وهناك وجه ثالث خطر على ذهني القاصر وهو ان نقول: ﴿تسائلون به﴾ بمعنى عنه وتسائلون هو من باب المفاعلة بمعنى الاستجواب أي تُسأل عن الله ماذا فعلتم به من حق الطاعة والعبادة وتسأل عن الارحام ماذا فعلتم بها في أداء حقها. نظير قوله تعالى: ﴿وقضى ربك ان لا تعبدوا الا إياه وبالوالدين احسانا﴾ فمقارنة احسان الوالدين بعبادة الله لبيان أهمية الاحسان اليهما. وفي الآية المبحوث عنها مقارنة الارحام بالله لبيان أهمية صلة الارحام فيصبح معناها بعيدا عن معنى قسم المناشدة.
وقد ورد في نصوص الشرعية عبارات كثيرة في التحريض على رعاية الارحام واليك نماذج منها:
ورد في الكافي، وتفسير العياشي، في تفسير الآية: عن أبي جعفر (ع) قال: "هي أرحام الناس إن الله عز وجل أمر بصلتها وعظمها، أ لا ترى أنه جعلها معه؟"
وما رواه عن النبي ص أنه قال: "قال الله تعالى: "أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته"
وروى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع) قال: "أن أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمة فليمسه فإن الرحم إذا مستها الرحم استقرت وإنها متعلقة بالعرش تقول وتنادي اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني"
نعم ان الله اوجب علينا صلة الرحم ولكننا نتهاون في امتثال هذا الامر.
والنقطة التي قد تستفاد من هذه الآية في مطلعها، اثبت أنكم جميعا من أب واحد وأمّ واحدة، وهذا يعني- في الحقيقة- أنّ جميع أبناء آدم أقرباء وأرحام، وهذا الارتباط والترابط يستوجب أن يتحاب الجميع ويتوادوا دون تفريق أو تمييز بين عنصر وآخر، وقبيلة وأخرى، تماما كما يتحاب أفراد القبيلة الواحدة. وقد ورد في رواية مشهورة: "صلة الرحم تعمر الديا وتزيد في الاعمار وان كان أهلها غير اخيار" فاذا التزم كل اسرة بصلة رحامها ولكل عضو من الارحام ارحام وهكذا وتصبح صلة الرحم حلقة ترابط في مجتمع كبير، كما نرى في مجموعة خوجة، فهم جمع كبير يراعي بعضهم بعضا فلم يبق عندهم فقير ولا غريب ويشارك الكل في رفع الحاجات وإصلاح امورهم فأصبحوا مجتمعاً راقياً غنياً مرفهاً وملتزما بالخُلُقِ الحسنة والتدين فعُمِرَتْ ديارهم وزادت أعمارهم.
ثمّ ختم الله الآية بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ أي أنّه يحصي عليكم نياتكم وأعمالكم، ويعلم بها ويراها جميعا، كما أنه هو الذي يحفظكم أمام الحوادث (والتعبير ب «كان» يفيد الاستمرار وما هو سنة الله في خلقه ويفيد التأكيد).