46/03/21
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: التفسير الموضوعي /الآيات المصدرة بيا ايها الناس /تفسير آية الاولى من سورة النساء
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [1]
قد تحدثنا فی الاسبوع الماضی حول المقطع الاول من هذه الآية الكريمة وتطلعنا الى الاقوال المتخالفة والروايات المتعارضة حول خلق حواء من انها خلقت من ضلع آدم او خلقت من بقية طين آدم، وذكرنا بعض الروايات لكلا القولين. كما ذكرنا الروايات الواردة حول تناسل البشر في الجيل الأول من اولاد آدم لِأقوال ثلاثة: التزاوج بين الاخوة والاخوات، بصور مختلفة، والتزاوج بينهم وبين حور العين والجن، والتزاوج مع جيل السابق على آدم عليه السلام الذي كان في معرض الانقراض، ثم التناسل بين أبناء العمومة وبناتها. وقد ورد على كل قول وعلى كل صورة روايات متخالفة في مضامينها وقد أدرجتُ بعضها في المكتوب وبينها خلاف كثير. واُوصي الاخوة ان يراجعوا الى مكتوب بحثنا في أسبوع الماضي، فان فيها مطالب جميلة ولو كلها ضعاف السند ولكن لا تنافي العقل ولا الشرع. ولكن ظاهر الآيات ان البشر غير آدم وحواء كلهم منهما من دون مشاركة شيء في تناسلهم كما في هذه الآية: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً﴾ وغيرها من الآيات، وكثير من الروايات، ولا غرو ما دام الحكم بيد الله يصدره لمصلحة البشر وكذلك الخلق بيده ويقدر ان يخلق البشر بمشاركة الملك والجن.
والامر الذي يسهل الخطب ان هذه القصة قصة تاريخية لا يترتب عليها حكم شرعي كي نحتاج الى حجة شرعية فيها.
اما الوقوف عند نصوص الآية: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ يخاطب الله فيها البشر كلهم فانهم يعتقدون بالله حتى من ينكره في كلامه ولكنه يعرفه بقلبه، فأضلّه الله على علم. وهذه السيرة من الله في دعوة البشر الى ما تنادي به الفطرة اسوة لنا في التبليغ، فلا بأس ان يكون لنا إرشادات ونصيحة لكل البشر وتحذيرهم عن المحرمات التي يشهد بقبحها وحرمتها وجدان الانسان فان كثيراً من الصالحات متفق عليها عامة الناس بوجدانهم وانما علينا التذكير. كما ان علينا ان لا نحصر التبليغ فيما بيننا كالشيعة بل قد ندخل فيما نتفق عليه كمسلمين واذا استطعنا ان نحتل هذه الفرص من دون ان ندعوا الى التشيع بل نأخذ بما فيه نصيحة لكل المسلمين، مثلا دعوتنا الى التوحيد وطاعة الله والى الالتزامات الدينية والتقوي والقيم الاسلامية والإنسانية، هذا الموقف يوجب جذب كثير من الناس الى التشيع، كما ان امام الخميني رضوان الله عليه لم يدعُ الى التشيع، لكن الملايين من الناس في شتى انحاء العالم تشيعوا لما وجدوا فيه غيرة على الدين والدعوة الى حرية الانسان ورفض الاستعمار والاستكبار والظلم، ودعا الى العدالة والخير والوحدة وسعة الصدر. ودافع عن المسلمين في فلسطين وبوسنا والهرسك وسوريا والقطر وعن الشعب العراقي في زمن صدام والتوجه الى بلاد السنة بمثل ما يتعامل مع الشيعة.
كما ان هذه الآية تدعوا الى التقوى نحن في هذا العصر الذي يسعون في نشر الفساد والإباحية والفحشاء والمنكرات وعدم الالتزام بالقيم الإسلامية والإنسانية علينا ان نوسع نطاق تبليغنا الى سائر الأديان حرصا على دينهم وقيمهم وان نحذرهم من دعايات الإستكبارية التي تنافي مع رؤية جميع الأديان والشرائع والأعراف.
فالخطاب في الآية الأولى من هذه السّورة موجه إلى كافة أفراد البشر، لأنّ محتويات هذه السورة- هي في الحقيقة- نفس الأمور التي يحتاج إليها كل أفراد البشر في حياتهم.
ثمّ إنّ الآية تدعو إلى التقوى التي يعترف بها كل حكيم وجعل المتقى عنه ﴿ربكم﴾ فلم يدع الى نفسه بل دعا الناس الى ربهم، ويفوح من هذا التعبير النصح الخالص والتقوى هي منطلق كل خير فعبادة الله وطاعته وأداء الحقوق الناس والالتزام بالعدالة في التعامل مع الآخرين وعدم التجاوز على أموال الناس، وحماية الأيتام، ورعاية الحقوق العائلية، وما شابه ذلك كلها من الأمور التي لا تتحقق بدون التقوى.
قال في الميزان: (قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ إلى قوله: ﴿وَنِساءً﴾ يريد دعوتهم إلى تقوى ربهم في أمر أنفسهم وهم ناس متحدون في الحقيقة الإنسانية من غير اختلاف فيها بين الرجل منهم والمرأة والصغير والكبير والعاجز والقوي حتى لا يجحف الرجل منهم بالمرأة ولا يظلم كبيرهم الصغير في مجتمعهم الذي هداهم الله إليه لتتميم سعادتهم والأحكام والقوانين المعمولة بينهم التي ألهمهم إياها لتسهيل طريق حياتهم، وحفظ وجودهم وبقائهم فرادى ومجتمعين. ومن هناك تظهر نكتة توجيه الخطاب إلى الناس دون المؤمنين خاصة وكذا تعليق التقوى بربهم دون أن يقال: اتَّقُوا اللَّهَ ونحوه فإن الوصف الذي ذكروا به أعني قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ «إلخ» يعم جميع الناس من غير أن يختص بالمؤمنين، وهو من أوصاف الربوبية التي تتكفل أمر التدبير والتكميل لا من شئون الألوهية).[2]
ثم في قوله تعالى ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾. ففيها رفض للتمايز العنصري، والقومي، والمحلي، والعشائري وما شابه ذلك ممّا يسبب التعارك والتنازع والترفع في المجتمعات البشرية فكلهم من آدم وحواء وهما من تراب، بل كل واحد منا أيضا من التراب لان ما نأكل ونحيى و ننمو به كلها منتوجات ترابية قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ﴾.[3] [4]
نعم ان التمسك بالأمجاد الكاذبة والتفوق الموهوم في المجتمعات البشرية، صار سببا للنخوة والغرور والامتناع عن الخضوع للحق وعدم الايمان بالله والشرائع الالهية ومما سبب توفيق رسول الله صلى الله عليه واله في بسط العدالة وانشاء الحكومة الإسلامية وتغيير النظام القبلي المتخلف الى نظام موحد إسلامي هو رفع الحواجز الجاهلية من بين الاقوام وجمعهم تحت مظلة الإسلام على اختلاف قبائلهم ولغاتهم فجمع بين الهاشمي القرشي والحبشي والرومي والفارسي والموالي من دون تمايز وبعض المسلمين الأوائل كانوا يعترضون عليه بهذا التساوي، فكان يأخذ كفين من التراب ويقلبها ويقول لا أرى تمايزا بينهما، وعند ما رفض عمه ابي لهب الايمان وهو ولد حلال قرشي هاشمي عم رسول الله فنزل فيه ﴿تبت يدا ابي لهب وتب﴾ الى آخر السورة المباركة.
نعم في هذا العصر عصر الحضارة لو كان المسلمون تركوا التمايزات الباطلة ووحدوا صفوفهم على حسب الإسلام ولم يقسموا المسلمين الى الشقيق والصديق او الى العرب والأجانب لكنا امة واحدة منتشرة في كل العالم اكثر من مليارين فلم يجترأ الكيان الصهيوني اللقيط ان يهجم على إخواننا في قلب عالم الإسلام وجوار القبلة الأولى فيقتلهم تقتيلا ويجرّحهم ويجوّعهم هذه ويجري عليهم هذه الإعتداءات السافرة، ثم يهجم على لبنان الأبيّ فيقوم باهلاك الحرث والنسل بجريمة دفاعهم عن المظلومين في غزة ، او ان ينفذ الحصر الاقتصادي لبلاد المسلمين لرفضهم الخضوع امام مزايدات المستكبرين والشيطان الأكبر والتزم كثير من البلاد الإسلامية بذلك قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَ اذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين﴾ [5]
وسنتابع بحثنا في هذه الآية في الاسابيع الآتية ان شاء الله.