الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/09/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الموضوعي / تفسير آيات المصدرة ب"يا ايا الذين آمنوا /تفسير آية278 الي 281سورة البقرة

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ . وإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‌ مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾[1] (البقرة278-281)

ورد في المجمع في شأن نزول‌ الآية: (روي عن أبي جعفر الباقر (ع) أن الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهلية و قد بقي له بقايا على ثقيف فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلم فنزلت الآية، وقال السدي و عكرمة نزلت في بقية من الربا كانت للعباس و خالد بن الوليد و كانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى بني عمرو بن عمير ناس من ثقيف فجاء الإسلام و لهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله هذه الآية، فقال النبي (ص) على أن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع و أول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب، و كل دم من دم الجاهلية موضوع و أول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب‌ كان مرضعاً في بني ليث فقتله هذيل،

و قال مقاتل نزلت في أربعة إخوة من ثقيف مسعود و عبد ياليل و حبيب و ربيعة و هم بنو عمرو بن عمير بن عوف الثقفي و كانوا يداينون بني المغيرة و كانوا يربون فلما ظهر النبي (ص) على الطائف و صالح ثقيفا أسلم هؤلاء الإخوة الأربعة فطلبوا رباهم من بني المغيرة و اختصموا إلى عتاب بن أسيد عامل رسول الله على مكة فكتب عتاب إلى النبي بالقصة فأنزل الله الآية.[2]

إنّ هذه الآيات تتقدمها آيات في الربا: قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى‌ فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ . يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾[3]

الظاهر ان هذه الآيات لم ترد لتشريع حرمة الربا لان لغتها لغة العتاب و التقبيح والاستنكار والتهديد وانما وردت للتاكيد على حرمتها و لزوم الكف عنها و التشديد على المرابين كما قرّبَهُ علامة الطباطبائي في الميزان و هو يرى انّ الآية التي تناسب التشريع هو قوله تعالى: «﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ:»﴾[4]

اذ ليس من المتوقع ان يرتدعوا من مثل الربا الذي اعتادوا بها و فيها الدوافع المادية ان ينتهوا عنها مرة واحدة و في مدة قصيرة فلابد من التدرج في تشدد الحكم و هذا حكمة في التقنين لمثل هذه القوانين كما ذكر في تحريم الخمر التدرج في ثلاث مراحل ففي الاولى ورد: ﴿يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس﴾ وفي المرحلة الثانية ورد ﴿لا تقربوا الصلاة وانتم سكرى﴾ و في المرحلة الثالثة ورد: ﴿انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر و يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون﴾ فلابد ان يأتي الاستكراه في المرة الاولى من دون تشديد فنزل في المكة المكرمة قوله تعالى: ﴿وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾[5] (الروم- 39) ثم نزل في المدينة بادئ الامر: ﴿لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً﴾ ثم نزلت آيات سورة البقرة آنف الذكر للتاكيد على لزوم الاجتناب بتاتاً، وبهذا الاسلوب استطاع رسول الله ان يتغلب على تلك العادات المجزرة في نفوسهم الى درجة كان بعض اهل الكتاب على رغم حرمته في دينهم يتناولونه كما يشهد بذلك ما عدّ الله أخذهم الربا من جرائم بني اسرائيل بقوله: ﴿وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾[6] كما ان الربا محرم في عصرنا في ديانة اليهود والنصارى . ولكنهم يتداولونها كثيراً بل علماؤ الاقتصاد يرون استحالة حذف الربا من مدار الاقتصاد في هذا العصر و رتبوا جميع التقييمات والمحاسبات الاقتصادة عل محور سعر الارباح الربوية في البنوك وغيرها .

اقول: ولو نحن قربنا ا اختاره سينا العلامة ولكن مع ذالك في النفس شيء من هذا الخيار لان قوله تعالى: ﴿ذروا ما بقي من الربا﴾ و كذلك قوله قبل هذه الآية قوله تعالى: ﴿فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى‌ فَلَهُ ما سَلَفَ﴾ ظاهر في تحليل ربا السابق فيفيد ان هذه الآيات كان مبدءاً للتشريع وما ورد من العتاب لعله ناشئ عن قبحه عند عامة الناس مضافا الى تحريمه في شريعة موسى وعيسى عليهما السلام فعلى ان نجعل هذه الآيات اعلام تشريع الاسلام لهذا الحكم لابد من القول بان ما ورد في سورة آل عمران قبل هذه الآيات وهو قوله تعالى: ﴿لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً﴾ نزل في النهي عن الربا المضاعف، اي اخذ الربا من اصل رأس المال و من ربحه ايضاً ثم بنزول هذه الآيات حرّم الربا في اصل رأس المال ايضاً، فالتدرج في التشريع تحقق بنزول آية سورة الروم اولاً ثم آية سورة آل عمران ثانياً ثم هذا المقطع من سورة البقرة ثالثاً، وبها اكمل تحريم الربا بتاتاً وبجميع اقسامه، وبهذا البيان يتم المناقشة في مقالة الميزان ومن مال ميله مثل الامثل فتأمل جيداً.

ثم هنا لابأس ان نشير الى نقطة أثارها السيد صاحب الميزان حول علاقة هذه الآيات بما سبقها من آيات الانفاق وهو التفات لطيف واليك نص كلامه:

(يساعد الارتباط بينهما بالتضاد و المقابلة، فإن الربا أخذ بلا عوض كما أن الصدقة إعطاء بلا عوض، و الآثار السيئة المترتبة على الربا تقابل الآثار الحسنة المترتبة على الصدقة و تحاذيها على الكلية من غير تخلف و استثناء، فكل مفسدة منه يحاذيها خلافها من المصلحة منها لنشر الرحمة و المحبة، و إقامة أصلاب المساكين و المحتاجين، و نماء المال، و انتظام الأمر و استقرار النظام و الأمن في الصدقة و خلاف ذلك في الربا).[7]

وهنا اود ان ندخل في صميم الآيات ففي الآية الأولى قال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أمرهم بالتقوى و التنازل عما بقي لهم في ذمّة الناس من فوائد ربوية.

و اعتبر ذلك من لوازم الايمان، ثم في الآية الثانية غيّر لهجة الخطاب من النصح الى التهاجم على المرابين بكلّ شدة،و قال: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ﴾. و أنذرهم بلهجة صارمة أنّهم إذا واصلوا عملهم الربوي و لم يستسلموا لأوامر اللّه في الحقّ و العدل و استمرّوا في هذا المنكر الذي يخل بمدار الاقتصاد السليم و يمتص اموال الضعفاء ويضيفها الى رأس مال الاغنياء المرابين فيعتبر ذلك خروجا عن طاعة الاسلام و معارضة وحربا على المسلمين التي هي اعلان لمحاربة الله ورسوله فيستحقون الرد عليهم بقوة صارمة. فالاستمرار على ممارسة الربا في الحقيقة بمثابة إعلان الحرب على هذه الفئة،. على كلّ حال يستفاد من هذه الآية أنّ للحكومة الإسلامية أن تتوسّل بالقوّة لمكافحة الربا. ويدل على هذا المعنى ما ورد عن أبي بكير قال: "بلغ أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام عن رجل أنّه كان يأكل الربا ويسمّيه اللبأ. فقال: لئن أمكنني اللّه منه لأضربنّ عنقه"[8]

ثم قال تعالى في مختتم الآية: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾.

إنّ تعبير لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ و إن كان قد جاء بشأن المرابين، و لكنّه في الحقيقة شعار إسلامي واسع و عميق، يعني أنّ المسلمين بقدر ما يجب عليهم تجنّب الظلم، يجب عليهم كذلك أن لا يستسلموا للظلم. اي الظلم والانظلام كلاهما من المحرمات، لو قلّ الذين يتحمّلون الظلم لقلّ الظالمون أيضا، و لو أنّ المسلمين أعدّوا العدّة الكافية للدفاع عن حقوقهم لما تمكّن أحد أن يعتدي على تلك الحقوق و يظلمهم. والمصيبة التي يعاني منها المسلمون في القرن الحاضر انظلام الحكومات والمكونات السياسية في بلاد المسلمين تجاه المستكبرين ولو رفضوا المسلمون بكلمة هيمنة الغرب والشيطان الاكبر لاصبح المسلمون بعدتهم وعدتهم قوة منيعة لا تقهر ولكن الحكومات يصطفون لقبول التطبيع مع الكيان الصهيوني هذه الغدة السرطانية التي ذرعت في خاصرة البلاد الاسلامية لإذلالهم واخضاعهم امام هيمنة الغرب.

ولنعلم ان في تفعيل حرمة الربا في اقتصاد بلادنا بركات كبيرة في الانتاج و رخصة الاسعار للمستهلكين لانه لو اغلق باب الربا وباب الحيل التي يريدون منها تغيير الاسم وتفعيل المسمى لإخراج نتيجة الربا من عناوين اخرى، لو اغلق باب الربا وما يفعل مفعله نهائياً فتصبح جميع الاموال تتدفق الى مجال الانتاج لانه لم يبق للنقد مربح الا في نفق الانتاج ومن لا يريد الانتاج فلا مانع له ان يسلّم نقوده الى سائر المنتجين بطرق يضمن له عودة المال اليه متى شاء، مثلا لو النحصر عمليات البنوك في تداول النقود دون تدخل في الشؤون الاقتصادية وانما اصبحوا امناء في حفظ نقود الشعب وتداولها فيستقطع كثير من المصاريف التي يمصها نظام البنوك تدخل في طرق الانتاج و يصبح مؤنة الانتاج باقل سعر ممكن. ويستفاد هذا المعنى من كلام امام الصادق سلام الله عليه حيث قال:

«إنّما حرّم اللّه عزّ و جلّ الربا لكي لا يمتنع الناس عن اصطناع المعروف»[9]

كما روى الصدوق بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا- فَقَالَ إِنَّهُ لَوْ كَانَ الرِّبَا حَلَالًا- لَتَرَكَ النَّاسُ التِّجَارَاتِ وَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ- فَحَرَّمَ اللَّهُ الرِّبَا لِتَنْفِرَ النَّاسُ مِنَ الْحَرَامِ إِلَى الْحَلَالِ- وَ إِلَى التِّجَارَاتِ مِنَ الْبَيْعِ وَ الشِّرَاءِ- فَيَبْقَى ذَلِكَ بَيْنَهُمْ فِي الْقَرْضِ"[10]

وبعد ما امر الله ان يذروا مابقي من الربا وانحصر الامر في ارجاع رأس المال الى الدائنين قال:َ ﴿وإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‌ مَيْسَرَةٍ﴾ فامر الدائنين بامهال المدينين لرد امواهم حتى يتيسر لهم، وبما ان كثير منهم كانوا فقراء غير قادرين الى اعادة الاموال اقترح على الدائنين بامر جميل فقال: ﴿وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ( فان الصدقة اقراض للمال الى الله الذي يكافؤهم بالاضعاف اذا تنبهوا ثم ذكر المؤمنين بنهاية امر الانسان فقال: ﴿وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ حتى يطمئنوا انه لا يفوتهم شيئ عند الله ﴿فما عندكم ينفد وما عند الله باق﴾

 


[1] البقرة/السورة2، الآية278 و 279 و 280 و 281.
[2] مجمع البيان في تفسير القرآن - ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الشيخ الطبرسي، ج2، ص674.
[3] البقرة/السورة2، الآية275 و 276.
[4] آل عمران/السورة3، الآية130.
[5] الروم/السورة30، الآية39.
[6] النساء/السورة4، الآية161.
[7] الميزان في تفسير القرآن، العلامة الطباطبائي، ج2، ص409.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص125، أبواب ابواب الربا، باب2، ح1، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص125، أبواب ابواب الربا، باب1، ح9، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج18، ص120، أبواب ابواب الربا، باب1، ح8، ط آل البيت.