الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الأيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا/تفسير /تفسير آية 153 الي 157 من سورة البقرة

المقطع الثاني المصدرة بخطاب المؤمنين يشتمل على خمسة من الآيات قال تعالى:

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‌ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" ﴾ [1]

الآية الاولى من هذا المقطع ترسم الطريق النجاح للمؤمنين في حياتهم وهو الاستعانة بالصبر والصلاة وقد ورد في القرآن الامر بالاستعانة بالصبر والصلاة في موردين احدهما الآية المبحوث عنها و الآخر: في الآية 45 من هذه السورة مزيلة بقوله "﴿وانها لكبيرة الا على الخاشعين﴾" والخشوع حالة الاستسلام لله لشدة المعرفة حيث بينه بقوله: ﴿الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم اليه راجعون"﴾ ومن هذين الموردين نفهم ان النسبة بين الايمان والعمل نسبة الدور المعي فكل واحد منهما يقوي الآخر.

فالايمان يتعقب الخشوع والخشوع يدعوا الى العمل والعمل يزيد الايمان و لذا يجب على الانسان كلما يكون مسؤوليته اعلى واشد كلما يزيد في العبادة والذكر والدعاء حتي ان الله امر نبيه بتهجد الليل كي يقدر على تحمل مسؤولياته العظيمة في النهار

والله تعالى قال لرسوله: ﴿ يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5)إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9)﴾[2] فالله تعالى في هذه الآيات امر النبي بقيام الليل شيئا وترتيل القرآن ثم اخبره بثقل كبير سوف يحمله ربه، ثم اشار بقوة ما ينشا بالليل من المعنويات من خلال العبادة ثم يامره بذكر ربه و التبتل اليه ثم يامره بالتوكل على على رب المشرق والمغرب ولعل هذا التخليط بين المسؤولية و الالتجاء الى الدعاء والتوسل الى الله للدلالة على لزوم مزج الاعمال الحكومي والاجتماعي بالعبادة و التضرع الى الله وتطعيمها بالمعنويات حتى يستطيع ان يخرج عن عهدة تلك المسؤوليات العظيمة بمثل ما اراد الله منه وهذا ايضا عبرة لنا في اعمالنا بان لاتلهينا عن ذكر الله فان الشيطان يدخل علينا من كل باب ولا نقدر على دفعه الا بمدد الله وتوفيقه

قال في المجمع: (و قوله «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» فيه وجهان (أحدهما) أن معناه أنه معهم بالمعونة و النصرة كما يقال السلطان معك فلا تبال من لقيت (و الآخر) أن المراد هو معهم بالتوفيق و التسديد أي يسهل عليهم أداء العبادات و الاجتناب من المقبحات و نظيره قوله سبحانه وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً و لا يجوز أن يكون مع هنا بمعنى الاجتماع في المكان لأن ذلك من صفات الأجسام تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا و في الآية دلالة على أن في الصلاة لطفا للعبد لأنه سبحانه أمرنا بالاستعانة بها و يؤيده قوله سبحانه إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‌ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ).

ويمكن ان نقول: معية الله على قسمين:

الأولى: معية الإحاطة و القيّومة، فبهذا المعنى الله مع جميع الأشياء، منها الانسان شقيه و سعيده، قال تعالى : "وهو معكم أينما كنتم" وقال ايضاً: "ونحن اقرب اليه من حبل الوريد". بهذا المعنى نسبة كل الأشياء وكل الناس بالله سواء فليس أحد أقرب الى الله من الآخر ولا فرق بين سيد المرسلين وابي لهب في القرب الى الله.

والثانية: معيّة الاعانة والعناية وهي في قوله: "إن الله مع الصابرين"، مع المتقين، مع المؤمنين، مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، فهنا يأتي القرب الى الله والبعد عن الله فرسول الله هو أقرب موجود الى الله وابليس والطواغيت من المشركين ابعد شيء عن الله. ويأتي معنى التقرب الى الله وفي الآية المبحوث عنها ان الله مع الصابرين أي بالإعانة والعناية ويأتي نفس المعنى في قوله عليه السلام: "من كان لله كان الله معه" والصابرون لهم موقع عظيم مع الله فقد ورد في القران مفردة الصبر سبعين مرة، عشرة منها لرسول الله صلى الله عليه وآله ونترك البحث حول معاني الصبر للأسبوع القادم ان شاء الله.


[1] البقرة/السورة2، الآية153 و 154 و 155 و 156 و 157.
[2] المزمل/السورة73، الآية1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9.