الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/03/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: سورة الاسراء/ التفسير/ الآية 105

قد تحدثنا في البحث الاخير قبل العطلة الاربعينية في قوله تعالى: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾[1] وبينا المراد من قوله وبالحق انزلناه وبالحق نزل وذكرنا الاقوال فيها وناقشتاها بما لا مزيد عليه. واليوم نود ان نقف وقفة عند قوله تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ يستفاد من هذه الآية ونظائرها ان رسالة النبي لم تكن قهر الناس على الايمان غصبا عنهم وهذا ميزة الحق ونظام الحكم في الإسلام، خلافا لما نجد في بعض كلمات المستشرقين حيث يلصقون الى الإسلام صفة التجبر والقهر وفرض النفس على المجتمع وللأسف هؤلاء التكفيريين يسمون أنفسهم إسلاميين ويرقمون الناس على الخضوع لسلطتهم. وهكذا كانت الملوك والسلاطين أنشأوا حكوماتهم بالقهر والغلبة واستمروا على ذلك وتوارثوا بينهم السلطة على الناس.

ولكن رسول الله وسائر الأنبياء كانت رسالتهم الدعوة برفق ونصح ورحمة.

قال تعالى: ﴿انا ارسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوموا الناس بالقسط﴾[2] .

فالناس هم الذين يقومون بدافع الايمان بالقسط من دون اجبار او اكراه نعم بعد قيام الدولة الإسلامية بتصويت عامة الناس فمن أراد ان يحاربها وينشر الزعزعة والفساد في الناس فالحكومة الإسلامية تقف في وجهه حتى يفيء الى امر الله ويقتلع عن ظلم الناس والاعتداء عليهم.

وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾[3] والظاهر ان المراد انك لست مسؤولا عن مَن لا يؤمن ولا يعترف بالحق.

وقال تعالى:﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾[4] أي ليس عليك الا الرسالة والحكم الى الله يوم القيامة.وقال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾[5] وهذه الآية قريب المضمون من الآية السابقة.

وقال أيضا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً﴾[6] ﴿وَ دَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرَاجاً مُنِيراً46﴾[7] ﴿وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً﴾[8] ﴿وَ لاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَ الْمُنَافِقِينَ وَ دَعْ أَذَاهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَ كَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾[9] يأمر النبي بالمراقبة والبشارة والإنذار وعدم الاستسلام امام الكافرين والمنافقين و عدم التعرض لهم والتوكل على الله.

وقال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[10] فرسالة النبي أن يحكم بين الناس في مواقف الخلاف ولم يقل لتحكم على الناس.

وقال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[11] فامر النبي صلى الله عليه واله بالدعوة باحسن الاساليب المؤثرة ولكن لم يطلب منه النتيجة بل جعل امرها الى الله.

وقال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[12] فأثنى على النبي لخلقه اللين وآثاره الإيجابية ثم امره بالعفو والاستغفار والاستشارة معهم ثم جعل القرار للنبي ص فها سيرة الإسلام وأولياء الله مع الناس. فاين ذالك من الاستكبار والأساليب القمعية التي تنسب الى ساحة الإسلام البريئة و تسير اليها الارهابيون باسم الإسلام.

ومن الآيات الصريحة في هذا المجال قوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ...﴾[13]

وقوله: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[14]

الامر الآخر الذي يستفاد من هذه الآية التعادل بين الإنذار والبشارة في التبليغ وفي التربية ومزامنة الخوف والرجاء في النفس.

في حديث مضمونه: "لابد للمؤمن ان يكون خائفا راجيا بحيث لو وزن هذا لم يزدد على هذا ولو وزن هذا لم يزدد على هذا".

وسأل الصادق عليه السلام: "ان قوماً يترجحون في المعاصي ويقولون نرجو ولا يزلون كذلك حتى يأتيهم الموت؟ قال انهم قوم يترجحون في الأماني كذبوا ان من رجا شيئا طلبه ومن خاف عن شيء هرب منه"

فالعالم قائم على التضاد حتى قيل: (لولا التضاد لبطل الفيض عن مبدأ الجواد) ويقال للعالم: عالم الكون والفساد والخير والشر والنور والظلمة والهدى والضلال والخوف الرجاء والأمل والياس والجنة والنار والرحمة والغضب والجبن والشجاعة والسخاء والبخل وهكذا فيجب على المكلف ان يتخذ الاعتدال في جميع الأمور فالأوسط أوسط.


[1] سورة الکهف، آیة 105.
[2] سورة الحدید، آیة 25.
[3] سورة البقرة، آیة 119.
[4] سورة النساء، آیة 79.
[5] سورة نساء، آیة 80.
[6] سورة الاحزاب، آیة 45.
[7] سورة الاحزاب، آیة46.
[8] سورة الاحزاب، آیة47.
[9] سورة الاحزاب، آیة 48.
[10] سورة البقرة، آیة 213.
[11] سورة النحل، آیة 125.
[12] سورة آل‌عمران، آیة 159.
[13] سورة الکهف، آیة 29.
[14] سورة بقره، آیة 256.