الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

38/09/24

بسم الله الرحمن الرحیم

قال تعالى : الصلاح بالاعتقاد الصحيح

﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى‌ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى‌ وَ الْيَتامى‌ وَ الْمَساكينَ وَ ابْنَ السَّبيلِ وَ السَّائِلينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصَّابِرينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[1]

في الليلة الماضية قد اطلنا اطلالة سريعة على مفردات الآية الشريفة ومضامينها بالإجمال ووعدناكم متابعة البحث

فنقول: من النقاط التي ينبغي الالتفات اليها هي: ان الله تعالى نفى البر في العقد السلبي عن تولية الوجوه قبل المشرق والمغرب وأثبته في العقد الايجابي في الامور المذكورة بعدها. وبما أن البِرّ مصدر فالقياس ان ينفي عنه بلفظ المصدر ايضاً بأن يقول: ليس البَرّ تولية الوجه ال المشرق والمغرب، وكذلك في العقد الايجابي ان يقول: ولكن البر الايمان بالله واليوم الاخر و...وايتاء المال....وإقامة الصلاة و ايتاء الزكاة والوفاء بالعهد و الصبر في البأساء...الآية او أن يستعمل البَرّ بفتح الباء ليكن صفة المشبهة ، او البارّ بصيغة الفاعل، فلماذا عدل عن المصدر الى الفعل؟ فما وصفه بالفعل هو وصف للبار الذي هو فاعل البرّ؟.

قال في الميزان: (عدل عن تعريف البر بالكسر إلى تعريف البر بالفتح ليكون بيانا و تعريفا للرجال مع تضمنه لشرح وصفهم و إيماء إلى أنه لا أثر للمفهوم الخالي عن المصداق و لا فضل فيه، و هذا دأب القرآن في جميع بياناته فإنه يبين المقامات و يشرح الأحوال بتعريف رجالها من غير أن يقنع ببيان المفهوم فحسب).

ويمكن ان يقال: اختار المصدر لانه ابلغ في الدلالة في تلبس الفاعل بالمصدر فهو من الحمل الهوهوي او الحمل الاولى. كما يقال: علي عدل اي استغرق العدل وجوده فاصبح هو العدل او نقول آمريكا شر مطلق فهذا التعبير ابلغ من قولنا امريكا شرور مطلق،

وبما ان البر من المقولات التي لا تتحقق في الخارج الا قائماً بالفاعل فلا اشكال في اتصافه باتصاف فاعله والله اراد ان يصف هؤلاء المستكمل الايمان فوصفهم بهذه الصفات وقد وصفهم في القرآن بعنوان الابرار.

قال تعالى: ﴿ رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادي لِلْإيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ كَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرار ِ[2]

وقال: ﴿ إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً . عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجيراً . يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطيراً . وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‌ حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً . إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً . إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَريراً . فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً . وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَريراً . إِنَّ الْأَبْرارَ لَفي‌ نَعيمٍ[3]

وقال: ﴿ كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفي‌ عِلِّيِّينَ . وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ . كِتابٌ مَرْقُومٌ . يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ . إِنَّ الْأَبْرارَ لَفي‌ نَعيمٍ . عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ . تَعْرِفُ في‌ وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعيمِ . يُسْقَوْنَ مِنْ رَحيقٍ مَخْتُومٍ . خِتامُهُ مِسْكٌ وَ في‌ ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ[4]

وقال: ﴿ لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ‌ءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَليمٌ[5]

و هنا اود أن نروض شيئاً في رياض الروايات: فعن الصادق عليه السلام: قَالَ: صِلَةُ الرَّحِمِ‌ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَجَلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، وَ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ». [6]

وعلي عليه السلام: "وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُغَيِّرُوا أَفْوَاهَهُمْ وَ لَا تُضَيِّعُوا مَنْ بِحَضْرَتِكُمْ، فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ: «مَنْ عَالَ يَتِيماً حَتَّى يَسْتَغْنِيَ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ كَمَا أَوْجَبَ لآِكِلِ مَالِ الْيَتِيمِ النَّارَ».[7]

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا ع قَالَ: مَنْ لَقِيَ فَقِيراً مُسْلِماً فَسَلَّمَ عَلَيْهِ خِلَافَ سَلَامِهِ عَلَى الْغَنِيِّ- لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ هُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ.[8]

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: ثَلَاثٌ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِأَحَدٍ فِيهِنَّ رُخْصَةً أَدَاءُ الْأَمَانَةِ إِلَى الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ وَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ لِلْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ وَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بَرَّيْنِ كَانَا أَوْ فَاجِرَيْنِ.[9]

والْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا ع يَقُولُ إِنَّ لِكُلِّ إِمَامٍ عَهْداً فِي عُنُقِ أَوْلِيَائِهِ وَ شِيعَتِهِ وَ إِنَّ مِنْ تَمَامِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَ حُسْنِ الْأَدَاءِ زِيَارَةَ قُبُورِهِمْ فَمَنْ زَارَهُمْ رَغْبَةً فِي زِيَارَتِهِمْ وَ تَصْدِيقاً بِمَا رَغِبُوا فِيهِ كَانَ أَئِمَّتُهُمْ شُفَعَاءَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.[10]

وعن علي عليه السلام: "رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى وَ دُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا وَ أَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا رَاقَبَ رَبَّهُ وَ خَافَ ذَنْبَهُ قَدَّمَ خَالِصاً وَ عَمِلَ صَالِحاً اكْتَسَبَ مَذْخُوراً وَ اجْتَنَبَ مَحْذُوراً رَمَى غَرَضاً وَ أَحْرَزَ عِوَضاً كَابَرَ هَوَاهُ وَ كَذَّبَ مُنَاهُ جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ وَ التَّقْوَى عُدَّةَ وَفَاتِهِ رَكِبَ الطَّرِيقَةَ الْغَرَّاءَ وَ لَزِمَ الْمَحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ اغْتَنَمَ الْمَهَلَ وَ بَادَرَ الْأَجَلَ وَ تَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ" [11]

 


[1] سورة البقرة، اية177.
[2] آل عمران/السورة3، الآية193.
[3] الإنسان/السورة76، الآية5و13.
[4] المطففين/السورة83، الآية18و26.
[5] آل عمران/السورة3، الآية92.
[6] قرب الاسناد، عبدالله بن جعفر حمیری، ج1، ص355.
[7] الکافی، الشیخ الکلینی، ج13، ص454، ط دارالحدیث.
[8] وسائل الشیعه، الشیخ حر العاملی، ج12، ص64، ابواب احکام العشره، باب36، شماره15653، ح1، ط آل البیت.
[9] الکافی، الشیخ الکلینی، ج2، ص162، ط الاسلامیه.
[10] الکافی، الشیخ الکلینی، ج4، ص567، ط الاسلامیه.
[11] نهج البلاغة، محمد الدشتی، ج1، ص56، خطیة76.