الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

38/09/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : شؤون الامامة

﴿ وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدينَ [1]

بما نحن نعيش هذه الليلة ذكرى مولد حفيد رسول الله ونجل علي ابا محمد الحسن بن علي عليهم السلام ارتأيت ان اخصص الكلام حول شخصيته العظيمة ونشنف اسماعنا باسمه المبارك

ففي طليعة الكلام أودّ أن أزف بهذه المناسبة باقة من التهاني والتبريكات الى ساحة ابيه، مولانا امير المؤمنين عليه السلام وكذلك حفيده امامنا وولي امرنا حجة بن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه و الامة الاسلامية وانتم سادة الحضور في هذا الحفل المبارك.

هذه الأية وردت قبلها وبعدها ذكر عدة من الانبياء والرسل فتصفهم اولاً بالامامة وثانياً تترتب على امامتهم هداية الله الخاصة، قال في الميزان:

(أن هذه الهداية المجعولة من شئون الإمامة ليست هي بمعنى إراءة الطريق لأن الله سبحانه جعل إبراهيم ع إماما بعد ما جعله نبياً و لا تنفك النبوة عن الهداية بمعنى إراءة الطريق فلا يبقى للإمامة إلا الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب و هي نوع تصرف تكويني في النفوس بتسييرها في سير الكمال و نقلها من موقف معنوي إلى موقف آخر. فهو الفيوضات المعنوية و المقامات الباطنية التي يهتدي إليها المؤمنون بأعمالهم الصالحة و يتلبسون بها رحمة من ربهم. و منه ينتشر في الناس على اختلاف مقاماتهم فالإمام هو الرابط بين الناس و بين ربهم في إعطاء الفيوضات الباطنية و أخذها كما أن النبي رابط بين الناس و بين ربهم في أخذ الفيوضات الظاهرية و هي الشرائع الإلهية تنزل بالوحي على النبي و تنتشر منه و بتوسطه إلى الناس و فيهم، و الإمام دليل هاد للنفوس إلى مقاماتها كما أن النبي دليل يهدي الناس إلى الاعتقادات الحقة و الأعمال الصالحة، و ربما تجتمع النبوة و الإمامة كما في إبراهيم و ابنيه).

مضافا الى انه تعالى ما قال هديناهم بل قال: "جعلناهم يهدون" فالهداية مجعولة فعلاً لا مجرد العرض عليهم كي يأخذوها فهذا يدل على عصمتهم التامة، وكذلك قوله: ﴿ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ ﴾الخ يفيد ان فعل الخيرات وما تليها من العناوين امور قد طبعوا عليها و دخل في عمق قلوبهم وعقولهم ، ثم في الأخير استفاد من صيغة الفاعل ولم يكتف بنسبة الفعل اليهم كما فيه اشارة بان ما قدم الله اليهم من الفضل لم يكن الا لكونهم عابدين لله حق عبادته.

في عيون الاخبار عن الرضا عليه السلام حديث طويل في وصف الامامة و الامام و ذكر فضل الامام يقول فيه عليه السلام: "ثم أكرمه الله عز و جل بأن جعلها في ذريته و أهل الصفوة و الطهارة فقال عز و جل: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا قرنا حتى ورثها النبي صلى الله عليه و آله، فقال الله جل جلاله: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ» فكانت خاصة، فقلدها صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام بأمر الله عز و جل على رسم ما فرض الله تعالى، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم و الايمان، بقوله تعالى: «قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى‌ يَوْمِ الْبَعْثِ» فهي في ولد على بن ابى طالب عليه السلام خاصة الى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه و آله".(نور الثقلين ذيل الآية المباركة)

فمن احتفلنا لاجله وهو الامام الحسن سلام الله عليه منهم بل من أشرفهم.

وروى الشيخ الصدوق في الخصال باسناده عن زينب بنت ابن أبي رافع ، عن أمها قالت : قالت فاطمة عليها السلام : يا رسول الله هذان ابناك فانحلهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أما الحسن فنحلته هيبتي وسؤددي ، وأما الحسين فنحلته سخائي وشجاعتي

قد يزعم البعض ان امام الحسن عليه السلام كان يختلف عن اخيه الحسين في سياسته فالحسن كان يميل الى الصلح والتفاوض، والحسين كان شديدا غير مسالم مع العدو ولكن الحق أن سيرتهما سلام الله عليهما كانت سيرة جدهما وابيهما سلام الله عليهم.

فهو بعد ابيه دعا الناس الى امامته فلبوا دعوته فلما نقضوا عهدهم وخذلوه اقالهم حفظا للدين وصيانة للمسلمين كما ان الحسين لم يقم الا بعد ما بايعوه بالامامة وارسلوا له الدعوة فلبى دعوتهم فلما رأى منهم النكث والخيانة وعدم الوفاء فاراد ان يتركهم ويعود من حيث ذهب فلم يسمحوا له الا والبيعة فرفض. والحسن عليه السلام لم يستسلم لمعاوية ولم يعترف قط بامامته وخلافته لرسول الله ولكنهم اقتنعوا منه ان يتركهم ويذهب الى المدينة ومع ذالك حاربهم و انهى الامر بأقل ممكن وهو اعتراف العدو بامر ودى في قرار المتاركة واليك نبذة من القصة:

روى فريق من المؤرخين، فيهم الطبري وابن الاثير: «أن معاوية أرسل الى الحسن صحيفة بيضاء مختوماً على أسفلها بختمه»، وكتب اليه: «أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت، فهو لك » (الطبري (ج 6 ص 93) وابن الاثير (ج 3 ص 162)). ثم بتروا الحديث

صورة المعاهدة التي وقعها الفريقان

المادة الأولى: تسليم الامر الى معاوية، على أن يعمل بكتاب اللّه وبسنة رسوله (صلى اللّه عليه وآله)، وبسيرة الخلفاء الصالحين .

المادة الثانية: أن يكون الامر للحسن من بعده ، فان حدث به حدث فلأخيه الحسين ، وليس لمعاوية أن يعهد به الى احد .

المادة الثالثة: أن يترك سبَّ أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة ، وأن لا يذكر علياً الا بخير .

المادة الرابعة: استثناء ما في بيت المال الكوفة، وهو خمسة آلاف الف فلا يشمله تسليم الامر.

المادة الخامسة: « على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه، في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمّنَ الاسود والاحمر، وان يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم، وأن لا يتبع احداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بإحنة » .

«وعلى أمان أصحاب عليّ حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وأن اصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وان لا يتعقب عليهم شيئاً، ولا يتعرض لاحد منهم بسوء، ويوصل الى كل ذي حق حقه، وعلى ما أصاب اصحاب عليّ حيث كانوا ».

«وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي، ولا لأخيه الحسين، ولا لأحد من أهل بيت رسول اللّه، غائلةً، سراً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم، في أفق من الآفاق ».

وأما تصريحات معاوية بعد الصلح :

وقوله في خطبته بعد الصلح بالنخيلة : ( إِنِّي وَ اللَّهِ مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا وَ لَا لِتَصُومُوا وَ لَا لِتَحِجُّوا وَ لَا لِتُزَكُّوا، إِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَ لَكِنِّي قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ، وَ قَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَ أَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَلَا وَ إِنِّي كُنْتُ مَنَّيْتُ الْحَسَنَ وَ أَعْطَيْتُهُ أَشْيَاءَ وَ جَمِيعُهَا تَحْتَ قَدَمَيَّ لَا أَفِي بِشَيْ‌ءٍ مِنْهَا لَه‌)

وهكذا مكَّن الإمام الحسن ( عليه السلام ) المسلمينَ من إكتشاف حقائق مهمة و الحصول على تجربة سياسية عظيمة مهدت لتجربة أخرى أكبر


[1] الأنبياء/السورة21، الآية73.