الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

37/09/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الثمرة الخامسة عشر

﴿وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَ يُريدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرينَ . لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ[1]

بما نحن نعيش هذه الأيام ذكرى غزوة بدر الكبرى وهي من أهم غزوات النبي صلوات الله عليه وآله اذ هي اول غزوة غزاها المسلمون ولم يكن لهم قبل ذالك تجربة للقتال، نعم منذ ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ارسل سرايا سلمية استطلاعية إلى نقاط قريبة او بعيدة من المدينة المنورة لدراسة الأوضاع و التفاوض مع قبائل وعشائر العرب ولفع معنويات اصحابه ولعل من رسالاتها اعلام قريش بأنهم لا يبالون ولا يخافون منها وغير ذالك من المصالح التي تترتب علي تلك السرايا. ولكنه فعلا ما قاموا بحرب مسلح. ومما يكشف عن أهمية هذه الغزوة اهتمام القرآن بشأنها و تخصيص آيات بهذه الغزوة. فارتأينا أن نخصص بحثنا التفسيري بدراسة بعض الآيات التي نزلت بمناسبة هذه الغزوة العظيمة واليك نظرة عابرة عليها من ما رواه في مجمع البيان:

قصة غزاة بدر: (قال أصحاب السير: أقبل أبو سفيان بعير قريش من الشام و فيها أموالهم و هي اللطيمة و فيها أربعون راكبا من قريش فندب النبي صلى الله عليه وآله أصحابه للخروج إليها ليأخذوها و قال لعل الله أن يُنفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم و ثقل بعضهم و لم يظنوا أن رسول الله ص يلقي كيداً و لا حرباً، فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان و الركب لا يرونها إلا غنيمة لهم. فلما سمع أبو سفيان بمسير النبي ص استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة و أمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم و يخبرهم أن محمداً ص قد تعرض لعيرهم في أصحابه فخرج ضمضم سريعاً إلى مكة.

و كانت عاتكة بنت عبد المطلب رأت فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو بثلاث ليال أن رجلا أقبل على بعير له ينادي يا آل غالب اغدوا إلى مصارعكم ثم وافى بجَمَله على أبي قبيس فأخذ حجَراً فدهدهه من الجبل فما ترك داراً من دور قريش إلا أصابته منه فلذة، فانتبهت فزِعة من ذلك و أخبرت العباس بذلك فأخبر العباس عُتبة بن ربيعة فقال عتبة هذه مصيبة تحدث في قريش. و فشت الرؤيا فيهم و بلغ ذلك أبا جهل فقال هذه نبيّة ثانية في بني عبد المطلب و اللات و العزى لننظرن ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقاً، و إلا لنكتُبنّ كتاباً بيننا أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالاً و نساءً من بني هاشم.

فلمّا كان اليوم الثالث أتاهم ضمضم يناديهم بأعلى الصوت يا آل غالب يا آل غالب اللطيمة اللطيمة العير العير أدركوا و ما أراكم تُدركون، أن محمداً و الصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم فتهيئوا للخروج و ما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرج مالا لتجهيز الجيش و قالوا من لم يخرج نهدم داره و أخرجوا معهم القيان يضربون الدفوف و خرج رسول الله ص في ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلاً فلما كان بقرب بدر أخذ عيناً للقوم فأخبره بهم.

و في حديث أبي حمزة بعث رسول الله ص أيضاً عيناً له على العير اسمه عدي فلما قدم على رسول الله ص فأخبره أين فارقَ العير، نزل جبرائيل على رسول الله ص فأخبره بنفير المشركين من مكة فاستشار أصحابه في طلب العير و حرب النفير؟ فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله إنّها قريش و خيلاؤها ما آمنت منذ كفرت و لا ذلّت منذ عزّت، و لم تخرج على هيئة الحرب. وقال: أنا عالم بهذا الطريق فارق عديٌ العير بكذا و كذا، و ساروا و سرنا فنحن و القوم على ماء بدر يوم كذا و كذا كانّا فرسا رهان. فقال: صلى الله عليه واله: اجلس فجلس ثم قام عمر بن الخطاب فقال مثل ذلك فقال: ص إجلس، فجلس ثم قام المقداد فقال: يا رسول الله إنها قريش و خيلاؤها و قد آمنّا بك و صدّقنا و شهدنا أنّ ما جئت به حقّ، و الله لو أمرتنا أن نخوض جَمر الغضا و شوك الهراس لخضناه معك، و الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى (ع) "فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ" و لكنا نقول: إمض لأمر ربك فأنا معك مقاتلون، فجزاه رسول الله ص خيرا على قوله ذاك).

هنا أودّ أن أقف وقفة قصيرة عند هذه الفقرة من القصة. بما أن المسلمين كان من ظنهم أنه ليس أمامهم الا العير وهو الغافلة التجارية للقريش وفيها أموال كثيرة وقوة يسيرة فما أراد رسول الله أن يواجه اصحابه بشيئ لم يهيئوا أنفسهم له اي النفير ومقاتلة جيش جرار فاستشارهم ليأخذ منهم الوعد على مقاومة العدو ايضاً واراد أن يوجههم إلى قبول المعركة و يجري ما يريد على لسانهم وهذا اسلوب لطيف لتوطين النفوس للأمور المهمة.

نعود إلى القصة: (ثم قال: أشيروا عليّ أيها الناس و إنما يريد الأنصار، لأن أكثر الناس منهم و لأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا إنا براء من ذمتك حتى تصل إلى دارنا ثم أنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع أبناءنا و نساءنا، فكان ص يتخوّف أن لا يكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدوٍ، أن ليس عليهم أن ينصروه خارج المدينة. فقام سعد بن معاذ فقال: بأبي أنت و أمي يا رسول الله كأنك أردتنا؟ فقال: نعم، قال: بأبي أنت و أمي يا رسول الله إنّا قد آمنا بك و صدّقناك و شهدنا أنّ ما جئت به حق من عند الله، فمرنا بما شئت و خذ من أموالنا ما شئت و اترك منها ما شئت و الله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك و لعل الله عز و جل أن يريك منّا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله، ففرح بذلك رسول الله ص و قال: سيروا على بركة الله فإن الله عز و جل قد وعدني إحدى الطائفتين و لن يخلف‌ الله وعده و الله لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و فلان و فلان و أمر رسول الله ص بالرحيل و خرج إلى بدر و هو بئر أو رجل من جهينة و الماء ماؤه فإنما سمي الماء باسمه.

و أقبلت قريش و بعثوا عبيدها ليستقوا من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله ص و قالوا لهم من أنتم؟ قالوا: نحن عبيد قريش، قالوا: فأين العير؟ قالوا: لا علم لنا بالعير فأقبلوا يضربونهم و كان رسول الله ص يصلي فانفتل من صلاته، و قال: إن صدقوكم ضربتموهم و إن كذبوكم تركتموهم؟ فأتوه بهم فقال لهم: من أنتم؟ قالوا يا محمد نحن عبيد قريش، قال كم القوم؟ قالوا: لا علم لنا بعددهم، قال: كم ينحرون في كل يوم من جزور؟ قالوا تسعة إلى عشرة، فقال رسول الله ص القوم تسعمائة إلى ألف رجل، و أمر ص بهم فحبسوه).

كذالك نستلهم من هذه الفقرة من سيرة رسول الله في مواجهة جاسوس لانصرافه عن اسلوب غير ناتج و هو ضرب الجاسوس و استجوابه في ما لاطريق إلى كشف صدقه او كذبه قبل الحاجة وهوعمل غير حكيم، فاختار رسول الله طريقاً كشَفَ من خلاله ما يفيدهم في أمر الحرب وهو العلم بعددهم.

ونعود لنتابع القصة: (و بلغ ذلك قريشاً ففزعوا و ندموا على مسيرهم و لقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام، فقال: أما ترى هذا البغي؟ و الله ما أبصر موضع قدمي، خرجنا لنمنع عيرنا و قد أفلتت فجئنا بغياً و عدواناً و الله ما أفلح قوم بغوا قطّ و لوددت أن ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهبت و لم نسر هذا المسير، فقال له أبو البختري: إنك سيد من سادات قريش فسر في الناس و تحمل العير التي أصابها محمد ص و أصحابه بنخلة و دَمُ ابن الحضرمي فإنه حليفك، فقال له: عليّ ذلك و ما على أحد منا خلاف إلا أبا جهل فصر إليه و أعلمه أني حملت العير و دم ابن الحضرمي و هو حليفي و عليّ عقله، قال: فقصدت خباءه و أبلغته ذلك، فقال: أن عتبة يتعصب لمحمد، فإنه من بني عبد مناف و ابنه معه يريد أن يخذل بين الناس، لا و اللات و العزى حتى نقحم عليهم يثرب أو نأخذهم أسارى فندخلهم مكة و تتسامع العرب بذلك و كان أبو حذيفة بن عتبة مع رسول الله ص و كان أبو سفيان لما جاز بالعير بعث إلى قريش قد نجى الله عيركم فارجعوا و دَعوا محمداً و العرب، فأراد عتبة أن يرجع فأبى أبو جهل. قال: و فزع أصحاب رسول الله ص لما بلغهم كثرة قريش و استغاثوا و تضرعوا فأنزل الله سبحانه إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ و ما بعده).

مما ذكر توضّح أن قريش كأنهم اُلهموا بخطر كبير من مواجهة المسلمين وجائهم الضوء الأحمر فأكثرهم كانوا يبحثون عن طريق ينسحبوا عن الحرب، وانما لجاج ابي جهل جرهم إلى حيث لم يريدوا فلنتابع بقية القصة في الليالي القادمة انشاء الله.


[1] الاحزاب7-8.