الأستاذ السيد مجتبی الحسيني
بحث الفقه

46/05/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/أحكام الشكوك /مسألة23

(مسألة 23): إذا شكّ بين الواحدة والاثنتين مثلًا وهو في حال القيام أو الركوع أو في السجدة الأُولى مثلًا وعلم أنّه إذا انتقل إلى الحالة الأُخرى من ركوع أو سجود أو رفع الرأس من السجدة يتبين له الحال فالظاهر الصحّة وجواز البقاء على الاشتغال إلى أن يتبيّن الحال).

كان بحثنا في هذه المسألة وذكرنا فيها أربعة اقوال او الاحتمالات:

الأولى منها: ما عليه المصنف من صحة الصلاة مستدلا بانصراف ادلة الشكوك الباطلة من مثل هذا المورد.

وقد نوقش في هذا الدليل أولاً: بإنكار الانصراف بانه لا وجه للانصراف بل إطلاق الأدلة الدالة على بطلان الصلاة في هذه الموارد تشمل ما اذا توقع المصلي كشف الواقع له وزوال شكه.

وثانياً: بدليل نقضي وهو: معلومية عدم جواز الاستمرار الى ان ينتهي من صلاته ولو عرف بزوال شكه بعد الصلاة، فاذا اعترفنا بعدم جواز الاستمرار في الصلاة عند الشكوك الباطلة لمن يعلم بعد انهاء صلاته يرتفع شكه، مثلا بالسؤال عمن كان جالساً ويراقبه وهو يثق بقوله. فلابد ان نعترف بعدم جواز الاستمرار في الصلاة لمن يتوقع رفع الشك عنه في المراحل القادمة من صلاته. لان مناط البطلان متوفر في كلا الموردين بلا فرق بينهما.

أقول: ينبغي لنا ان نراجع نصوص ادلة بطلان الصلاة بمجرد الشك في الشكوك الباطلة كي نرى مدى دلالتها وشمول اطلاقها وهل هناك قرينة صارفة عن الاطلاق لمن يتوقع زوال شكه في المراحل المقبلة في صلاته او لا؟

فاليك نماذج من تلك النصوص، منها: صحيحة زرارة: رواها مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: قَالَ‌ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: "كَانَ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَفِيهِنَّ الْقِرَاءَةُ- وَلَيْسَ فِيهِنَّ وَهْمٌ يَعْنِي سَهْواً- فَزَادَ رَسُولُ اللَّهِ ص سَبْعاً وَفِيهِنَّ الْوَهْمُ وَلَيْسَ فِيهِنَّ قِرَاءَةٌ- فَمَنْ شَكَّ فِي الْأُولَيَيْنِ أَعَادَ- حَتَّى يَحْفَظَ وَيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ- وَمَنْ شَكَّ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ عَمِلَ بِالْوَهْمِ". [1] سندها صحيحة وفيه الامر بالإعادة لتحصيل اليقين على اتيانهما.

وَمنها: ما رواه ايضاً بِإِسْنَادِهِ -عَنْ عَامِرِ بْنِ جُذَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: "إِذَا سَلِمَتِ الرَّكْعَتَانِ الْأَوَّلَتَانِ سَلِمَتِ الصَّلَاةُ".[2] سند الصدوق الى عامر لا بأس به الا ان علي بن عامر لم يرد له توثيق صريح وهو ابن عبد الله بن جذاعة، ولكنه كان من حواري الامام الصادق عليه السلام، وفي الرواية التي رواها الكشي في رجاله بسنده عن موسى بن جعفر عليه السلام انه قال: "اذا كان يوم القيامة نادى مناد اين حواري محمد بن عبدالله رسول الله ثم ذكر ثلاثة من أصحاب رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر" وهكذا يذكر حواري كل معصوم حتى يأتي قوله: "اين حواري محمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام فيقوم عبد الله بن شريك العامري وزرارة بن اعين وبريد بن معاوية العجلي ومحمد بن مسلم و ابوا بصير ليث بن البختري المرادي و عبد الل بن ابي يعفور وعامر بن عبد الله بن جذاعة وحجر بن زائدة وحمران بن اعين الخ"[3]

فذكره في عداد هؤلاء الأجلاء بعنوان حواري امام الصادق عليه السلام يدل على اعتباره. ولذلك كثير من الفقهاء يعتمدون على رواياته وقد يسمونها حسنة.

اما الدلالة فيفيد ان الميزان هو حصول الاطمئنان بسلامة ركعتي الأولى.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم رواها الكليني عَنْ علي بن إبراهيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع "عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي- وَلَا يَدْرِي وَاحِدَةً صَلَّى أَمْ ثِنْتَيْنِ- قَالَ يَسْتَقْبِلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ- وَفِي الْجُمُعَةِ وَفِي الْمَغْرِبِ وَفِي الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ"[4] .

ومن هذه الصحيحة يستفاد ان الإعادة انما امر بها ليستيقن فاذا كان هناك طريق أخر للإستيقان يجوز اتخاذه وعادة لا يحصل اليقين الا عند مفترقات الصلاة.

ومنها: ما رواه الشيخ عن حسين بن سعيدُ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "إِذَا سَهَوْتَ فِي الْأَوَّلَتَيْنِ فَأَعِدْهُمَا حَتَّى تُثَبِّتَهُمَا".[5]

في سنده حسين بن عثمان وثقه النجاشي وهارون بن خارجة كذلك وثقه النجاشي فالسند جيد، والدلالة هي لزوم التثبت بإتيان الأولتين. فاذا كان له طريق للتثبت ول بعد هنيئة فلا بأس به.

وَمنها: ما رواه الشيخ عن حسين بن سعيد عَنِ الْحَسَنِ عَنْ زُرْعَةَ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: قَالَ: "إِذَا سَهَا الرَّجُلُ- فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ- فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَمْ ثِنْتَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ"[6] . سندها موثق وتدل على لزوم الإعادة حتى يطمئن انه أتى بثنتين.

ومنها: صحيحة ابن ابي يعفور رواه الكليني عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً عَنْ حَمَّادٍ عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ: "إِذَا شَكَكْتَ فَلَمْ تَدْرِ أَ فِي ثَلَاثٍ أَنْتَ أَمِ اثْنَتَيْنِ- أَمْ فِي وَاحِدَةٍ أَمْ فِي أَرْبَعٍ فَأَعِدْ وَلَا تَمْضِ عَلَى الشَّكِّ".[7]

ومنها صحيحة علي بن جعفر رواها مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ‌مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ وَأَبِي قَتَادَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ: "سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ- لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى هَلْ عَلَيْهِ سَهْوٌ قَالَ لَا".[8] سندها صحيح ودلالتها المراد من نفي السهو عدم وجود علاج لصلاته لمن لا يدري كم صلى.

ونتابع بحثنا في الأيام القادمة ان شاء الله

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص187، أبواب الخلل في الصلاة، باب1، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص188، أبواب الخلل في الصلاة، باب1، ح3، ط آل البيت.
[3] مجمع الرجال للقهبائي ج2ص249.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص189، أبواب الخلل في الصلاة، باب1، ح7، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص191، أبواب الخلل في الصلاة، باب1، ح15، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص191، أبواب الخلل في الصلاة، باب1، ح17، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص226، أبواب الخلل في الصلاة، باب15، ح2، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص239، أبواب الخلل في الصلاة، باب24، ح1، ط آل البيت.