الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/11/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم امامة الاعرابي

قال المصنف: (مسألة 11): الأحوط عدم إمامة الأجذم والأبرص، والمحدود‌ بالحدّ الشرعيّ بعد التوبة، والأعرابي إلّا لأمثالهم، بل مطلقاً، وإن كان الأقوى الجواز في الجميع مطلقاً).

قد ذكرنا في الأيام الماضية دليل مشهور القدماء القائلين بعدم جواز امامة الاعرابي مطلقا وكذلك دليل قول المشهور من المتأخرين بكراهة امامته مطلقاً واليوم الماضي بينّا قول السيد الخوئي بعدم جوازها لغير الاعرابي وجوازها للأعرابي.

فما قاله السيد الخوئي من الفرق بين ما إذا كان مطلوب المولي صرف الوجود وماذا كان مطلق الوجود صحيح ومتين ولا نقاش فيه ففي مورد صرف الوجود المطلوب يتحقق بأول فرد فاذا لم يكن مشتملا على القيد لم يتحقق امتثال للأمر المقيد، فلابد من حمل المطلق على المقيد ليتحقق مطلوب المولى، الا إذا كان قرينة على ان المراد من القيد هو الفرد الأفضل ولكن الفاضل أيضا محقق لمراد المولى.

بخلاف ما اذا كان الامر تعلق بمطلق الوجود فانه انحلالي بعدد ما يوجد من افراد الطبيعة المطلوبة للمولى. لجواز الأخذ بكلّ منهما، نظير قوله: "بول الهرة نجس" بالإضافة إلى قوله عليه السلام: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» وقوله: "النبيذ حرام"، مع قوله: «كلّ مسكر حرام»، وقوله: "ماء البحر طاهر" مع قوله: "خلق اللّٰه الماء طهوراً" إلى غير ذلك من الأحكام المجعولة على الطبيعة السارية، التي لا تنافي بينها وبين ما دلّ على ثبوت الحكم لبعض أفرادها كي يحمل مطلقها على مقيّدها.فلا يحمل ما لا يؤكل على خصوص الهرة، ولا المسكر على النبيذ، ولا الماء على ماء البحر، بل يعمل بكلا الدليلين بعد عدم التنافي في البين. مثال لما يكون الحكم الى صرف الوجود قوله: ان افطرت فاعتق رقبة، وإن افطرت فأعتق رقبة مؤمنة، فان الواجب في الإفطار عتق رقبة واحدة فلابد من حمل المطلق على المقيد لامتثال امر الصادر من المولى بالمقيد، واما إذا قال المولى: (أكرم العالم) مرة وقال أخرى: (أكرم العالم الفقيه) فإكرام العالم مطلقا مطلوب للمولى واكرام العالم الفقيه أيضا مطلوب للمولى لان المطلوب هو مطلق الوجود ويكرر الامتثال بعدد من يكرمه من العلماء فليس تحقق طاعة المولى بصرف الوجود فقط.

وما نحن فيه لسان الدليل يكون بنحو مطلق الوجود فقوله في صحيحة ابي بصير «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال: المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي» نهي عن امامة الاعرابي بقول مطلق، وقوله في صحيحة زرارة: "والأعرابي لا يؤمّ المهاجرين" فنهى عن امامة الاعرابي للمهاجرين فلا تنافي بينهما فيعمل بكلا الدليلين بنفي الامامة عن الاعرابي مطلقاً.

الى هنا لا كلام لنا مع السيد الخوئي رضوان الله عليه.

انما لنا مناقشة معه حيث قال: (أنّ الوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح، أعني الدلالة على العلّية المنحصرة المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء فلا معارضة بين قوله: أكرم رجلًا عادلًا، وبين قوله: أكرم رجلًا هاشمياً، إلّا أنّ التقييد بالوصف يدلّ لا محالة على أنّ الموضوع للحكم ليس هو الطبيعة على إطلاقها وسريانها، وإلّا كان التقييد به من اللغو الظاهر. فلو ورد في دليل: أكرم رجلًا، لكان معارضاً مع قوله: أكرم رجلًا عادلًا بطبيعة الحال، لدلالة الأوّل على أنّ الموضوع ذات الرجل أينما سرى وحيثما تحقّق. وقد عرفت أنّ الثاني ينفي ذلك).[1]

أقول حصل عنده رضوان الله عليه غفلة فان قوله: (أكرم رجلا عادلا و اكرم رجلا هاشميا) يكون مثالا لصرف الوجود و وحدة المطلوب لا مطلق الوجود، لانّ النكرة تفيد وحدة المطلوب. نعم إن قال: (أكرم الرجل العادل واكرم الرجل الهاشمي) فهما امران متغايران لا تنافي بينهما فيجب اكرام العادل كما يجب اكرام الهاشمي و المطلوب يتعدد بتعدد المصاديق. وما نحن فيه من قبيل الثاني ففي كلا الصحيحتين جاء بالألف واللام للجنس فقال: "الاعرابي"

ثم ان قوله: (أنّ التقييد بالوصف يدلّ لا محالة على أنّ الموضوع للحكم ليس هو الطبيعة على إطلاقها وسريانها، وإلّا كان التقييد به من اللغو الظاهر. فلو ورد في دليل: أكرم رجلًا، لكان معارضاً مع قوله: أكرم رجلًا عادلًا بطبيعة الحال، لدلالة الأوّل على أنّ الموضوع ذات الرجل أينما سرى وحيثما تحقّق. وقد عرفت أنّ الثاني ينفي ذلك).[2] كرّ الى ما فرّ وقبول لمفهوم الوصف لان المفهوم المخالف عبارة عن ان يكون اثبات شيء نافي لمخالفه ونفي شيء مثبت لمخالفه.

فالوصف ليس له مفهوم حتي ينفي الحكم عن ماوراء الوصف بل الوصف قد يرد لبيان أهمية الموصوف او لأنّه مبتلى به ومبيّن لحكمة الحكم كقوله تعالى: ﴿ربائبكم اللاتي في حجوركم﴾

وقولكم: (ودعوى جواز أن تكون النكتة في ذكره العناية بشأنه والاهتمام بأمره، أو لبيان أفضل الأفراد لمزيّة فيه، كلّ ذلك مخالف لظاهر الكلام، ولا يكاد يساعده الفهم العرفي ما لم تقم عليه قرينة خاصّة، ولعلّه إلى ما ذكرنا ينظر قول أهل الأدب من أنّ الأصل في القيد أن يكون احترازياً، مع اعترافهم بعدم المفهوم للوصف بالمعنى المصطلح)

فنقول لسماحته: اين مخالفته لظاهر الكلام؟ فكثيرا ما يذكر القيد لبيان أهمية المورد، ولا مفهوم له. فقولك اكرم العالم الفقيه لا ينافي وجوب اكرام سائر العلماء، واما قول اهل الأدب من ان الأصل في القيود كونها احترازية، المراد من احترازية القيد هو ان مطلوب المولى في هذا الأمر هو المقيد ولكن لا ينفي ما عداه وهذا معني عدم افادة الوصف للمفهوم المخالف وان اثبات الشيء لا ينفي ما عداه.

ثم نعود الى أصل الكلام وهو ما ذهب اليه مشهور المتأخرين من الأخذ بإطلاق "لا تصل الا خلف من تثق بديته" وحمل ما ورد من النهي عن امامة الاعرابي على الكراهة او الاعرابي الذي لا يوثق بصحة صلاته وطهارته. وهو المفهوم المستفاد من عنوان الاعرابي وتعليق الحكم على العنوان مشعر بالعلية كما هو مشهور عند اهل التحقيق. فان نفي الامامة عن الاعرابي مشعر بان سبب النهي اعرابيته وكأنّ الجهل لازم لهذا العنوان ومتبادر منه، فالظاهر ان النهي عن امامة الاعرابي يكون لجهله ولا يصدق وقد لا يصدق على عنوان الفاسق لأنّه محب لله ورسوله واهل بيته سلام الله عليهم اجمعين وقد يتعصب لدينه اكثر من كثير من المعممين ورجال الدين، ولكنه يري ان ما يأتي به من الصلاة والعبادة هو المتوقّع منه ولا يراد منه الا هذا المقدار، والفاسق هو الانسان الذي خرج عن طاعة ربه. فمقالة صاحب الجواهر الذي ذكرناه قبل يومين ليس بعيداً عن الحقيقة، فإمامة من عاش في البوادي وعلى خلاف المتوقع درس وتعلم احكام الدين وأتقن في صلاته وقراءته لا اشكال فيها، والعلم عند الله. واليوم نكتفي في هذه المسألة بهذا المقدار وبما ان المسألة التالية حول العدالة وهي تحتاج الى فرصة واسعة فنترك البحث فيها لبعد العطلة الصيفية ان شاء الله ونودّع جلسة البحث الى بعد العطلة الصيفية ونتمنى للجميع التوفيق وحسن العاقبة.


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص380.
[2] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص380.