الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /امامة الاعرابي

قال المصنف: (مسألة 11): الأحوط عدم إمامة الأجذم والأبرص، والمحدود‌ بالحدّ الشرعيّ بعد التوبة، والأعرابي إلّا لأمثالهم، بل مطلقاً، وإن كان الأقوى الجواز في الجميع مطلقاً).

في هذه المسألة وصلنا الى حكم امامة الاعرابي فقلنا فيه ثلاثة اقوال:

المنع عن امامته مطلقاً وهو منسوب إلى جماعة من القدماء، والجواز مطلقا عن كراهية وعليه المشهور من المتأخّرين. والتفصيل بين امامته لمثله فلا بأس بها وامامته لغير الاعرابي فلا تجو

واليوم نريد ان نبين دليل كل فريق، وقبل الخوض في الأدلة هناك قد نرى خلط بين عنوان الاعرابي والذين لم يهاجروا او المستوطنين في بلاد الكفر، والواقع انهما امران متغايران بينهما عموم من وجه فالمهاجر قد يكون اعرابيا وقد لا يكون والاعرابي قد يكون مهاجرا وقد لا يكون و قد اوجب الله في صدر الإسلام المهاجرة كما تطلعنا الى جل آياته في اليوم الماضي وهذا التأكيد على الهجرة جاء هجرة رسول الله وانشاء الحكومة الإسلامية في الدينة المنورة، ولعل السر في ذلك أولاً قوة حكومة الإسلام الفتية وازدياد هيبتها، ثانياً حفظ ايمان المسلمين حيث ببقائهم في بلادهم كان خطر التأثّر من ضغوطات الكفار للعود الى دينهم وثالثاً: تربية المسلمين على الحضارة المدنية و خروجهم عن الأعراف وطقوسات العشائرية والانظمة ملوك الطوائفية وتأسيس النظام الحضاري المدني بخلط المتفرقات من الأقوام والجنسيات تحت لواء واحد، والحدّ من العصبيات القومية والطائفية عربيّها واعرابيّها.

بما ان موضوع مسألتنا هو عنوان الاعرابي ففي بادئ الأمر نراجع الى اهل اللغة كي نحدد معنى الاعرابي. حتى نرتب الحكم عليه، ورد في موسوعات اللغوية منها في مصباح المنير وغيرها من الكتب ما مستخلصها:

(انّ الأعراب هم سكان البوادي والبراري، ويطلق عليهم أيضاً أهل البادية، الذين يتتبعون مساقط الغيث ومنابت الكلإ، بخلاف أهل الحضر في القرى والأمصار وقد أطلق العرب قديماً على أهل البادية ألقاباً كثيرة، منها: أهل الوبر، والرحل).

وهنا نطل اطلالة على موارد ذكر الأعراب وليس هذا الامر بعنوانه امراً مذموماً. وقد ورد في القرآن لفظ الأعراب عشر مرات: ستة منها في سورة التوبة:

ففی سورة التوبة قال: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ﴿التوبة90﴾

وقال ایضاٌ: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ . ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَعَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ . ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [1]

فی الآية الأولى نسب الكفر والنفاق الى الاعراب بقول مطلق لبيان مقتضى كما يقول ان الانسان لفي خسر او خلق هلوعا او ليطغى وامثال ذلك أي لو خلي وطبعه لكان كذا ولكن ليس بمعنى التعميم لكل الافراد في هذه الآيات أيضا ففصلهم في الآيتين بعدها بين المذموم والممدوح

وقال بعد فصل واحد: ﴿وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [2]

هنا ایضا حکم على الفریقین بالنفاق من الاعراب و من اهل المدينة.

وقال بعد عشرون آية: ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَالْمُحْسِنِينَ﴾ [3] هكذا في هذه الآية بين وظيفة الفريقين اهل المدينة والاعراب الذين يعيشون حول المدينة.

وقال فی سورة الأحزاب: ﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَ لَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [4]

یتحدث عن المنافقين الذين التجئوا الى البوادي عند الاعراب فرارا من الزحف.

وقال فی سورة الفتح: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ [5]

وایضا قال بعد خمسة آیات: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ [6]

وقال فی سورة الحجرات: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم﴾[7]

هذه الآيات تحدثت معنا عن الأعراب وقد تحدثنا في اليوم الماضي عن المهاجرة فهما موضوعان متغايران قد تداخلت في كلمات بعض فقهائنا العظام. والان بعد ما شخصنا موضوع البحث نطل اطلالة على ادلة كل قول فنقول:

القول الاول: القائل بعدم جواز امامة الاعرابي مطلقاً: یستدل بصحيحتي ابي بصير وزرارة حيث ورد في أولى هما: «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال: المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي» [8] . وورد في الثانية: «لا يصلّين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا، والأعرابي لا يؤمّ المهاجرين»[9] .

فمن يقول بعدم جواز امامة الاعرابي يستدل بهما ويجعل الروايات الثلاثة الأخيرة مؤيدا لها خصوصا كثير من القدماء ما كان عندهم اهتمام بالأسناد بمثل ما نرى في المتأخرين. ولا تنافي بينهما لان الأول ينفي امامة الاعرابي للناس والثاني ينفيها للمهاجرين وكما ان المثبتين لا تنافي بينهما كذلك النافيين لا تنافي بينهما كما يقال لا تكرم الفاسق وأيضا يقال لا تكرم شارب الخمر فأثبات الشيء لا ينفي ما عداه ونفي الشيء لا يثبت ما عداه. ونتابع ادلة الآخرين في الأيام القادمة ان شاء الله .


[1] السورة التوبة، الأية 97-99.
[2] السورة التوبة، الأية 101.
[3] السورة التوبة، الأية 120.
[4] السورة الاحزاب، الأية 20.
[5] السورة الفتح، الأية 11.
[6] السورة الفتح، الأية 16.
[7] السورة الحجرات، الأية 14.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص325، أبواب صلاة الجماعة، باب15، ح5، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص325، أبواب صلاة الجماعة، باب15، ح6، ط آل البيت.