الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه

43/11/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الصلاة/صلاة الجماعة /حكم امامة الاعرابي

 

قال المصنف: (مسألة 11): الأحوط عدم إمامة الأجذم والأبرص، والمحدود‌ بالحدّ الشرعيّ بعد التوبة، والأعرابي إلّا لأمثالهم، بل مطلقاً، وإن كان الأقوى الجواز في الجميع مطلقاً).

في اليوم الماضي وصل بحثنا الى عدم جواز الصلاة خلف المحدود مستندا الى صحيحة زرارة والروايات الأخرى التي دلّت على عدم الجواز وانما الاشكال كان في صحة اسناها ولذا جعلناها مؤيدة للصحيحة.

ولكن كما ترون ان بعض الفقهاء منهم الماتن ومنهم صاحب الجواهر ذهبوا إلى الجواز، وحملوا النهي على الكراهة، باعتبار معارضتها للروايات الدالّة على جواز الصلاة خلف كلّ من يوثق بدينه فحملوا النهي على الكراهة جمعاً. بينها وبين إطلاق مفهوم "لا تصل الا خلف من تثق بدينه"

ولكنّه لا يتمّ، أمّا أوّلًا: فلأنّ النسبة بين الصحيحة وتلك الروايات وإن‌ كانت هي العموم من وجه، فانّ المحدود يعمّ من تاب فصار عادلًا يوثق بدينه ومن لم يتب، كما ان "من تثق بدينه" اعم لمن كان محدوداً وغير محدود، فيتعارضان في المجمع وهو المحدود بعد ما تاب. فدليل الناهي عن امامة المحدود يمنع عن الصلاة خلفه ودليل جواز الصلاة خف كل من تثق بدينه يرخص فيتعارضان في المفاد ولكن بما ان كلا الطرفين فيها صحاح لا يجوز طرحهما ما دام يوجد مهرب لذلك وفي مثل ما نحن فيه نجد المهرب وهو أنّ في موارد التعارض بالعموم من وجه إذا لزم من تقديم أحد الدليلين إلغاء العنوان المذكور في الآخر بالكلّية تعيّن الآخر في الترجيح، كما يجري هذه القاعدة في موارد:

منها: في مقام التعارض بين ادلة اعتصام الماء الجاري الذي له مادّة، مع مفهوم الأدلة التي تفيد: انه: "إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شي‌ء" فانّ مفهومه إذا لم يبلغ قدر الكر يتنجس سواء كان له مادة او لا، فيقع التعارض بينهما بالعموم من وجه، إذ مقتضى الإطلاق في الأوّل عدم تنجس الماء الذي له مادة من دون فرق بين القليل والكثير، ومقتضى إطلاق الثاني تنجس الماء بملاقاة النجاسة اذا لم يبلغ الكر سواء كانت له مادة او لا، فيتعارضان في مادّة الاجتماع، وهي القليل الذي له مادّة. فإن قدمنا مفهوم الأول لا يترتب عليه محذور، لأنّه لا يلتزم منه طرح الجانب الآخر بتاتاً إذ غايته تقييد المفهوم واختصاصه بالقليل غير الجاري، وهذا بخلاف العكس، إذ لو قدّم الثاني وحكم بانفعال القليل وإن كان جارياً، فلزم منه إلغاء عنوان الجاري المذكور في تلك الروايات بالكلّية، إذ لم يبق تحتها إلّا الكثير المعتصم في حدّ نفسه وبعنوان الكثرة، فلم تبق لصفة الجريان خصوصية أبداً، ويكون ذكرها لغواً محضاً. فحذراً عن هذا المحذور يتعيّن الأوّل في الترجيح.

ومنها: ما ورد في طهارة خرء الطائر مطلقاً من قوله (أنّ كلّ طائر يطير بجناحيه فلا بأس ببوله وخرئه) [1] . المعارض مع قوله: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»[2] الدال على نجاسة كل ما لا يؤكل لحمه، فان قدّمنا الأول يبقى للثاني موارد وهو غير الطائر الذي لا يؤكل لحمه، وهذا بخلاف العكس، إذ لو قدّمنا الثاني وحكمنا بنجاسة بول ما لا يؤكل من الطائر وغيره لزم إلغاء وصف الطيران إذ عليه لم يبق فرق في طهارة بول مأكول اللحم بين الطائر وغيره.

وقصتنا فيما نحن فيه نظير هذين المثالين فانّ من الواضح أنّ ظاهر الصحيحة أنّ المحدود بعنوان كونه محدوداً موضوع للمنع، لا من جهة كونه فاسقاً. وعليه فلو قدّمناها عليه مفهوم ما ورد من قوله (عليه السلام): «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه» [3] لا محذور فيه عدا ارتكاب التخصيص، والالتزام بجواز الصلاة خلف كلّ عادل إلّا المحدود. وهذا بخلاف العكس، إذ لازم تقديم الثاني إلغاء عنوان المحدود عن موضوعيته للمنع بالكلّية، إذ لا فرق بينه وبين غير المحدود في عدم جواز الصلاة خلفه إذا لم يوثق بدينه.

ثم ان السيد الخوئي يذكر وجها آخر لعدم جواز امامة المحدود فقال: (مع الغضّ عمّا ذكرناه غاية ما هناك تعارض الدليلين بالعموم من وجه وتساقطهما، فيرجع حينئذ إلى أصالة عدم المشروعية. ولا مجال للجمع بالحمل على الكراهة في مثل ذلك كما لا يخفى. فيلتزم بأنّ المحدود في زمان ممنوع عن الإمامة دائماً، لمثله ولغيره، وإن تاب وأصبح عادلًا. ولا بُعد في ذلك، فإنّ المحدودية منقصة شرعية تسقطه عن الأنظار ويوصف صاحبها بالعيب والعار، ولا كرامة له في أعين الناس، ولا يرضى الشارع بتصدّي من هذا شأنه لمنصب الإمامة وزعامة الجماعة.

فهو من هذه الجهة نظير ابن الزنا، الممنوع عن إشغال هذا المنصب وإن كان في غاية الورع و التقى، لاشتراكهما في النقص، غايته أنّ النقص فيه طبيعي ذاتي وفي المقام لسبب اختياري، وهذا لا يكون فارقاً في مناط المنع).[4]

ولكن الانصاف ان هذا الوجه استحسان وإذا فتحنا باب الاستحسان يمكن القول بان هذا المسكين ارتكب ذنبا ودفع ضريبته فلاي سب يبقى هذا العار على جبينه، وهو ليس كولد الزنا بل هو كالزاني الذي لم يجر عليه الحد، فانه ان تاب الى الله وأصلح لا بأس بالصلاة خلفه.

خلاصة بحثنا عدم جواز الصلاة خلف المحدود لان النهي لا تعارضه مفهوم لا تصل الا خلف من تثق بدينه لعدم تمامي مقدمات الحكمة لشمول الاطلاق على المحدود لان قوله لا تصل الا من تثق بدينه ورد بلحاظ بيان عدم صلاحية الامامة لمن لم تحرز ايمانه وعدالته و ليس بصدد بين سائر الشروط نفيا ولا اثباتاً

أمّا الأعرابي: ففيه ثلاثة اقوال:

الأول: المنع مطلقاً وهو منسوب إلى جماعة من القدماء، بل عن بعض نفي الخلاف فيه إلّا من الحلّي.

الثاني: الجواز مطلقا عن كراهية وعليه المشهور من المتأخّرين.

الثالث: التفصيل بين امامته لمثله فلا بأس بها وامامته لغير الاعرابي فلا تجوز.

ونحن ان شاء الله سوف نطل اطلالة الى أدلة كل فريق لنستخلص منها ما هو أقرب الى الصواب.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص412، أبواب النجاسات، باب10، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص405، أبواب نجاسات، باب8، ح2، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص309، أبواب صلاة الجماعة، باب10، ح2، ط آل البيت.
[4] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج17، ص376.